شركة تاركو للطيران ما بين الإنجازات والمنقصات

لم يحك لنا أحد عن إنجازات شركة تاركو للطيران، وإنما لمسناها بأنفسنا من خلال مجيئنا وذهابنا عليها من الرياض الخرطوم الرياض.

أو جدة الخرطوم الرياض.

لمسناها من خلال وقوف السحنة السمراء، وهي توزن لنا العفش بكل بشاشة ومجاملة وثقة.

بكل بشاشة بأنك سوداني وعلى متن طائرة سودانية.

بكل مجاملة في الوزن من خلال الهتش الذي لا يخلو منه سوداني، فلا تتشدد إطلاقا في الوزن الزائد كغيرها من شركات الطيران.

بكل ثقة في التعامل مع محتويات العفش، فلا تتشدد لدرجة التعطيل والتشكيك كما لا تفرط لدرجة الإهمال.

يأتي نجاح شركة تاركو للطيران من الارتياح والاطمئنان من كل نهاية رحلة.

ارتياح خدميا وانضباطا في الوقت وتعاملا يحفزك مباشرة بأن تحجز على متن طيرانها الرحلة القادمة.

إلا أن ثمة منقصات لهذه الشركة شركة تاركو تتلخص في أمرين:

المنقصة الأولى:

أن هذه الشركة كانت وليدة النظام البائد.

وجه المنقصة في ذلك هو أنه ما أن تذكر شركة تأسست وخرجت على الناس خلال النظام البائد إلا وتكون قد خرجت عبر قناتين فاسدتين لا تكاد تخلو منهما شركة من الشركات.

القناة الفاسدة الأولى هي أنها لم تأت بالطرق القانونية المعروفة.

أو أنها أتت بالطرق القانونية لكن هذه الطرق القانونية منحت فقط لمن له علاقة برأس النظام أو بتنظيمه بحيث لم تكن الفرصة مواتية لجميع المواطنين.

او اجتماع المفسدتين في مكان واحد:

مفسدة اختراق القانون ومفسدة احتكار من هم لهم علاقة بالنظام أيا كانت نوع هذه العلاقة سواء كانت علاقة دم أو علاقة ولاء سياسي.

طبعا قد تكون شركة تاركو خارج هذه اللعبة إلا أن تأسيسها خلال النظام البائد لا يبعد عنها هذه الشبهة خاصة خلال المحاكم التي أخذت تتوالى عليها بعد سقوط النظام، فهي بصورة أو بأخرى تعد منقصة في شركة تاركو كونها نشأت وتأسست في هذا الجو المكهرب بالتجاوزات.

المنقصة الثانية:

هو أن ازدهار شركة تاركو جاء في الوقت الذي تدهور فيه الناقل الوطني سودانير للدرجة التي اختفى فيها من الوجود.

الأمر الذي يذكرنا بآفة نجاح القطاع الخاص على حساب القطاع العام.

هذه الآفة التي انتشرت في عهد الإنقاذ انتشار النار في الهشيم.

إذ أن الأمر الطبيعي، والأمر الذي يدعم البلد هو أن يزدهر القطاع الخاص جنبا إلى جنب مع ازدهار القطاع العام.

بل ينبغي أن يكون مدعاة نجاح القطاع الخاص هو نجاح القطاع العام.

أما أن يزدهر ويتقدم القطاع الخاص مقابل انحدار القطاع العام هذه البدعة القبيحة التي لزمت النظام البائد كان لها أسوأ الأثر على المواطن.

وما أكثر الأمثلة التي تؤكد انتشار هذه الآفة.

ازدهرت جامعة مأمون حميدة مقابل انحدار جامعة الخرطوم حيث يتمنى طالب أحرز ٩٧% أن ينتسب لجامعة مأمون حميدة ويفر من جامعة الخرطوم فرار الفريسة من الأسد لا لشيء إلا ليتخرج بعد خمس سنين بدلا من أن يتخرج بعد خمس عشرة سنة بجامعة الخرطوم.

كما يتمنى كل مريض أن يتعالج في مستشفى الزيتونة  الخاصة والتي تقبع شمال مستشفى الخرطوم مباشرة لا لشيء إلا لأن الزيتونة تحتضن أفضل الأجهزة الطبية، وأفضل الأطقم الطبية مقابل مستشفى الخرطوم التي أصبحت خرابا ووكرا للقطط.

هذا الازدهار للقطاع الخاص مقابل انحطاط للقطاع العام أثبت أن ثمة خلل ما يحدث.

فلا ينبغي إطلاقا أن يحل القطاع الخاص مكان القطاع العام، فهذه السياسة التي تتحكم فيها الحكومة تخلف دمارا.

تخلف طفيليين همهم شفط دم وجيب هذا المواطن.

تخلف جيلا لا يعرف شيئا اسمه السودان.

إذ أن جيلا ينشأ في زمن يعظم القطاع الخاص ويذل ويحارب القطاع العام لا تحلم في يوم من الأيام أن يدافع عن وطنه.

لا يحلم في يوم من الأيام أن يحب وطنه.

لا يحلم في يوم من الأيام أن يعيش فداء لوطنه.

فلتنجحوا في أعمالكم  أرباب القطاعات الخاصة، فلتحققوا أمانيكم الخاصة.

فقط تذكروا ألا يتم ذلك على حساب الوطن.

ألا يتم ذلك على انقاض الوطن.

يسرنا جدا ان تنجح شركة تاركو للطيران وغيرها من شركات القطاع الخاص، ويحزننا غاية الحزن أن تنهار وتختفي سودانير.

فإن كان الخلل في الكفاءات، فما الذي جعل الكفاءات تنجح في القطاع الخاص، وتفشل في القطاع العام سوى الاستغلالية والانتهازية؟!

فإن كان الخلل في الإمكانيات، فما الذي جعل الإمكانيات تتوفر في القطاع الخاص، ولا تتوفر في القطاع العام سوى عدم النزاهة وعدم الأمانة؟!

كل هذا دليل قاطع على أن من استولى على الحكم طيلة الثلاثين طغمة باغية وعصابة جعلت من السودان شركة خاصة في جميع مجالاته:

الصحية والتعليمية والنقل الجوي والبري والبحري والساحة الخضراء والميادين العامة والشوارع والطرق والكباري.

مرافق عامة حولتها كلها لمرافق خاصة لا لشيء إلا لإشباع نفس مريضة لا تشبع.

لا لشيء إلا لإقناع نفس تعاني من نقص لم يعمل كل مانهبته من البلد على سد ولو جزء يسير منه.

اصطدمت بشعب خلوق كريم تحملها ثلاثين عاما ومازال يتحملها.

كان الله في عونه.