اخبار السودان
موقع كل يوم -نبض السودان
نشر بتاريخ: ٣٠ أيلول ٢٠٢٥
متابعات- نبض السودان
لا يزال ملف سد النهضة الإثيوبي يثير الكثير من التساؤلات والمخاوف في الأوساط السودانية، خاصة مع سعة التخزين الضخمة لبحيرة السد التي تصل إلى 74 مليار متر مكعب من المياه، ومع غياب اتفاق نهائي وملزم بشأن عملية الملء والتشغيل، يظل هاجس الأمن المائي والاحتمالات المرتبطة بالتهديدات الأمنية مطروحًا بقوة.
المخاوف السودانية المشروعة
واحدة من أبرز هذه المخاوف تتمثل في إمكانية استخدام إثيوبيا للسد كسلاح لإغراق السودان عمدًا، وهو تساؤل يطرح نفسه كلما تعثرت المفاوضات بين الدول الثلاث. فهل يمكن أن يتحول سد النهضة إلى أداة ضغط أو حتى تهديد مباشر لأمن السودان القومي؟
قراءة ورقة خبراء السدود
الإجابة جاءت في ورقة علمية مشتركة أعدها المهندس مصطفى عبد الجليل مختار، وهو مهندس استشاري بشركة 'ستانتك' الاستشارية في تورونتو بكندا، والبروفسور سيف الدين حمد، المدير التنفيذي السابق لمبادرة حوض النيل ووزير الري السوداني الأسبق، تحت عنوان: 'السودان وسد النهضة – تساؤلات متواترة'.
سيناريو الإغراق المتعمد
الخبيران أكدا أن إمكانية استخدام إثيوبيا للسد كورقة ضغط من خلال الإغراق المتعمد تظل واردة، وذلك عبر فتح كامل البوابات وإفراغ بحيرة السد بسرعة لإحداث فيضان متعمد في الأراضي السودانية.
لكن في المقابل أوضحا أن حجم الفيضان الناتج سيكون محدودًا، ولا يشكل خطورة عظمى، لأن قدرات التصريف محكومة بسعة ومناسيب بوابات السد، وهي بوضعها الحالي لا تسمح بتدفقات مائية كارثية بالقدر الذي قد يهدد السودان بإغراق شامل.
قيود تقنية وأمان السد
إضافة إلى ذلك، فإن قواعد سلامة السد تمنع أي تغيير سريع في مستويات المياه ببحيرة الخزان، لأن مثل هذا التغيير يشكل تهديدًا خطيرًا لسلامة جسم السد نفسه. هذان العاملان – قدرة البوابات وحدود التشغيل الآمن – يشكلان حاجزًا طبيعيًا يحمي السودان من أي سيناريو إغراق متعمد واسع النطاق.
دور السودان في تقليل المخاطر
أوصى الخبيران بضرورة أن يجري السودان المزيد من الدراسات باستخدام النماذج الهيدروليكية والهيدرولوجية لتحديد أقصى تصرف محتمل للمياه من السد، والعمل على إنشاء منشآت وقائية للتعامل مع أي تدفقات زائدة إذا ما دعت الحاجة. كما شددا على أهمية تضمين ضمانات واضحة وصريحة ضمن أي اتفاق مستقبلي مع إثيوبيا بهذا الخصوص.
البعد السياسي والأمني
رغم القيود الفنية التي تحد من خطورة الإغراق المتعمد، إلا أن السودان، بحسب الورقة، لن يكون مطمئنًا تمامًا في ظل استمرار الخلافات الحدودية بينه وبين إثيوبيا، والتي تمثل 'قنبلة موقوتة' قابلة للانفجار في أي وقت. ومن هنا تبرز المخاوف من استخدام السد كورقة ضغط في النزاعات السياسية أو الحدودية.
خط الدفاع الأول: التعاون لا الصراع
شدد الخبيران على أن التوافق والتعاون والعمل المشترك بين السودان وإثيوبيا، بل وبين جميع دول حوض النيل، يمثل خط الدفاع الأول ضد أي تهديد محتمل. وأكدا أن السودان يسعى لتحقيق ذلك عبر قنوات الحوار والتفاوض الجاد، إلى جانب تعزيز دوره الفني عبر تشغيل سد الرصيرص على مستوى أمان يوفر سعة تخزينية تمكّن من امتصاص أي تدفقات مفاجئة من سد النهضة.
سيناريوهات المستقبل
يرى محللون أن بقاء ملف سد النهضة دون اتفاق ملزم يضاعف من حجم المخاطر والشكوك، ويضع السودان في موقف حرج، إذ يظل دائمًا عرضة لاحتمالات التهديد حتى وإن كان مستبعدًا من الناحية التقنية. وفي المقابل، فإن التوصل إلى تفاهمات مشتركة يضمن استقرارًا طويل الأمد ويحمي الأمن المائي والاقتصادي للبلاد.