نظام غذائي يقهر الاكتئاب ويحمي الدماغ

متابعات – نبض الصحة والتغذية

في الوقت الذي يتزايد فيه الاهتمام العالمي بالعلاقة بين النظام الغذائي والصحة النفسية، تسلط دراسة حديثة الضوء على النظام الغذائي التقليدي في اليابان، المعروف باسم 'الواشوكو'، كأحد أبرز الأنظمة الغذائية التي تسهم في الوقاية من الاكتئاب وتحسين كيمياء الدماغ.

الواشوكو لا يُعد مجرد نمط غذائي، بل هو ثقافة متكاملة تمثل جوهر المطبخ الياباني التقليدي، ويتميز بتنوع عناصره الطبيعية، وانخفاض الدهون المشبعة والسكر، إلى جانب غناه بالألياف، وأحماض أوميغا 3، والمركبات المخمرة التي تُعزز صحة الأمعاء.

مكونات غذائية متوازنة: سر الصحة النفسية

يتكوّن نظام الواشوكو من مكونات أساسية تتكرر في كل وجبة تقريبًا، تشمل: الأسماك، حساء الميسو، الأرز الأبيض، الخضراوات، الأعشاب البحرية، الفطر، فول الصويا، والشاي الأخضر. هذا التنوع يمنح الجسم مزيجًا متكاملاً من العناصر الغذائية التي لا تقتصر فائدتها على الجسم فقط، بل تمتد لتشمل الصحة العقلية والنفسية.

بحسب الدراسة التي نشرتها مؤخرًا مجلة الطب النفسي وعلوم الأعصاب السريرية، فإن الالتزام بهذا النظام الغذائي يرتبط بانخفاض نسبة الإصابة بأعراض الاكتئاب بنسبة تتراوح بين 17 و20%، بالمقارنة مع من لا يتبعون النظام بانتظام. وقد تم تتبع بيانات أكثر من 12,500 عامل ياباني على مدار ثلاث سنوات، من 2018 إلى 2021.

آليات التأثير النفسي للواشوكو

يُشير الباحثون إلى أن السر في تأثير الواشوكو على الحالة النفسية يكمن في مكوناته الغنية بالمغذيات الأساسية. أحماض أوميغا 3 الموجودة في الأسماك تلعب دورًا بارزًا في دعم صحة الدماغ وتنظيم المزاج، كما أن مضادات الأكسدة الموجودة في الخضراوات والأعشاب البحرية تحمي الخلايا العصبية من التلف.

أما الأطعمة المخمرة مثل فول الصويا، فتحتوي على بروبيوتيك طبيعي يعزز التوازن الميكروبي في الأمعاء، وهو ما أثبتت الدراسات أنه يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالصحة النفسية. فالأمعاء لم تعد مجرد عضو هضمي، بل أصبحت تُعرف الآن بأنها 'الدماغ الثاني' لما لها من دور في إفراز النواقل العصبية كالسيروتونين.

الفئات الأكثر التزامًا وتأثير النظام

الدراسة كشفت أن النساء اللواتي اتبعن هذا النظام كنّ عادةً من كبار السن، غير المدخنات، المتزوجات، ويتمتعن بمستوى تعليم مرتفع، بالإضافة إلى ممارستهن للنشاط البدني بانتظام. ويُظهر هذا أن النظام الغذائي لا ينفصل عن أسلوب الحياة المتوازن، بل يتكامل معه.

ورغم أن 88% من المشاركين كانوا من الرجال في بداية الأربعينات، إلا أن 31% منهم أبلغوا عن أعراض اكتئاب، ما يُشير إلى انتشار الظاهرة حتى في بيئات العمل المنظمة. في هذا السياق، كان مقياس التزام المشاركين بالواشوكو يتراوح من 0 إلى 9 نقاط، بناء على مدى تكرار تناول مكوناته الأساسية.

الشاي الأخضر.. أكثر من مشروب

من اللافت أن الشاي الأخضر، أحد أعمدة الواشوكو، لم يكن غائبًا عن هذه المعادلة. فهو غني بمركبات الكاتيشين والثيانين التي تحسّن التركيز وتُخفف التوتر، كما تشير دراسات متعددة إلى أن تناوله بانتظام يرتبط بطول العمر وتحسن صحة القلب وتقليل خطر التدهور المعرفي.

التغذية العقلية.. مفهوم يتوسع

تدعم هذه الدراسة المتزايدة فكرة أن ما نأكله يوميًا لا يؤثر فقط على وزننا أو صحتنا الجسدية، بل على طريقة تفكيرنا ومشاعرنا واستقرارنا النفسي. فبينما ارتبطت الأنظمة الغذائية الغنية بالأطعمة المصنعة والسكريات بمعدلات أعلى من الاكتئاب والقلق، ظهر أن النظام الغذائي المتوسطي – الذي يشبه الواشوكو في التنوع والطبيعة الطازجة للمكونات – يُسهم أيضًا في تعزيز الحالة المزاجية.

هل حان وقت التغيير؟

هذه النتائج تدفعنا للتفكير مجددًا في اختياراتنا الغذائية اليومية. فربما تكون الصحة النفسية في الطبق أكثر مما نتخيل. تقليل الأطعمة المصنعة، وزيادة الخضراوات، واختيار مصادر طبيعية للبروتين والدهون الصحية، ليست توصيات عامة فقط، بل قد تكون الفرق بين اليأس والراحة النفسية.