اخبار السودان
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ١٧ تموز ٢٠٢٥
لجان مقاومة الخرطوم أطلقت نداءات تطالب بتدخل عاجل لجمع الجثث
من بين القبور التي باتت منتشرة وسط الأحياء السكنية في العاصمة الخرطوم تتنقل مواهب عبدالحي عقب عودتها من إحدى دول الجوار بحثاً عن قبر والدها الذي قتل جراء المعارك الدائرة بين الجيش وقوات 'الدعم السريع'، لا سيما أن والدها كان أحد المتمسكين بالبقاء في منزله رافضاً النزوح وعدم مبارحة مكان نشأته منذ طفولته بضاحية شمبات في مدينة بحري التي شهدت سيطرة كاملة لـ'الدعم السريع'، منذ اندلاع الصراع في منتصف أبريل (نيسان) 2023.
وبمشاعر يختلجها الحزن والندم أكدت مواهب بعد بحث طويل ومحاولات غير مجدية أنها لم تجد أثراً يدلها على قبر والدها، على رغم إصرارها المتناهي عن تحمل معاناة ومشقة العثور على قبره والتعرف إليه حتى لو أصبح رفاتاً، لكنها تيقنت تماماً بأن الأمر أصبح صعباً بل مستحيلاً في ظل كثرة القبور سواء الفردية أو الجماعية.
وأشارت بصوت خافض إلى أنها لم تتخيل أن يدفن والدها من دون أن تلقي نظرة الوداع الأخيرة عليه، لذلك تشعر بعدم ارتياح نفسي وكأنها تلوم نفسها بأنها اتخذت القرار الخطأ بترك والدها وحيداً يواجه هذا المصير المؤلم.
نداءات عاجلة
وخلف توسع القتال بين الجيش و'الدعم السريع' والهجمات العشوائية على مناطق مأهولة بالسكان، بخاصة في الخرطوم والجزيرة ودارفور وكردفان أوضاعاً مأسوية وسط المدنيين الذين ظلوا عالقين في خطوط النار واحتدام العمليات العسكرية، إضافة إلى تدهور الخدمات الصحية، التي نتج منها موت على أوسع نطاق مع تعذر حصرهم بسبب غياب الجهات المتخصصة، فضلاً عن أن الظروف الأمنية حالت دون دفنهم في المقابر العامة، مما أدى إلى دفنهم في الميادين وساحات المساجد والمدارس وتحت الأشجار وحتى داخل المنازل المهجورة.
في الأثناء أطلقت لجان مقاومة الخرطوم نداءات تطالب بالتدخل العاجل في جمع الجثث لتداعيات ما بعد الحرب. وناشدت في بيان وزارة الصحة والطب العدلي والأجهزة الأمنية وأهالي الموتى، الذين جرى دفنهم وسط الأحياء السكنية إبان سيطرة 'الدعم السريع' التي كانت تمنع المواطنين من الوصول إلى المدافن المعروفة، الإسراع في نقل القبور، مشيرة إلى وجود نحو 117 مقبرة جديدة في الخرطوم عقب تحريرها في مارس (آذار) الماضي، مما يستوجب ضرورة دفنها في المقابر العامة حتى لا تجرفها مياه الأمطار.
لاحقاً أعلن رئيس هيئة الطب الشرعي هشام زين العابدين أن الهيئة شرعت في دفن نحو 3800 جثة عقب إعلان خلو العاصمة الخرطوم من التمرد بواسطة الجيش السوداني، مؤكداً أن الخدمة مجانية ومن دون مقابل، فضلاً عن أن الهيئة ستبذل قصارى جهودها في التوصل إلى القبور في الأحياء السكنية وجمعها حتى تصبح آمنة ومساعدة الأسر في التعرف إلى أفرادها المتوفين .
موت بلا هوادة
في السياق أوضح المواطن محمد إبراهيم الذي ظل عالقاً لعامين في ضاحية الأزهري في الخرطوم أنه 'منذ اندلاع الصراع انتشرت قوات ’الدعم السريع‘ في المناطق السكنية وهي مسلحة تشن هجماتها بالمدفعيات الثقيلة، فضلاً عن تمركز جنودها وسط المدنيين ينشرون الموت بلا هوادة، إلى جانب الجيش الذي يهاجم بالغارات الجوية المميتة ويصيب المواطنين من بعد'.
وأضاف إبراهيم 'هذه المواجهات أزهقت أرواح مئات المواطنين، إضافة إلى تدهور النظام الصحي، إذ ظللنا طوال أشهر الحرب نراقب الأحداث، لكن أفظعها القبور وسط الأحياء السكنية وتعذر الجهات المتخصصة في حصر ونقل الموتى إلى المقابر المعروفة في الخرطوم، مما دعا السكان العالقين إلى دفن الجثامين داخل المنازل وتحت الأشجار وفي ساحات الميادين والمساجد والمدارس، فضلاً عن أن ’الدعم السريع‘ كانت ترفض الوصول إلى الجهات المخصصة للدفن'.
ولفت المواطن إلى أن 'وجود القبور بين المواطنين والتعايش معها له أبعاد نفسية بالغة، بخاصة أن من بين المتوفين أناساً كانت لهم أدوار بارزة في الحي، إضافة إلى جلوسهم عند المساء وهم يحتسون الشاي والقهوة يتجاذبون الأحاديث عن السياسة وتداعيات الصراع، فضلاً عن أن غالبيتهم من كبار السن أصروا على البقاء في منازلهم، لكن المشكلة أن كثيراً من الأسر الغائبة التي مات أفرادها أصروا على دفن موتاهم إلى جانب منازلهم وعدم نقلهم إلى المقابر العامة حتى عودتهم، وهو أمر خطأ فمن وجهة نظري يجب نقل القبور من الأحياء واتخاذ التدابير الصحية حتى تكون هذه الأحياء مهيأة لعودة سكانها من النزوح'.
شواهد على القبور
من جانبه أوضح عضو غرفة طوارئ أم درمان أحمد عبدالرحمن أن 'مدن وقرى الخرطوم شهدت انتشاراً واسعاً للقبور خارج المدافن الجماعية، إذ إن العائدين تفاجأوا بالجثث داخل منازلهم، في وقت تدافع كثير من الناشطين بالتنسيق مع الجهات المتخصصة في العمل التطوعي من خلال نقل الجثث ودفنها في المقابر العامة بعد نبشها، بخاصة أن معظم الجثث أصبحت عبارة عن هياكل عظمية ورفات مما يصعب على ذويهم معرفتهم'.
وبين عبدالرحمن أن الوضع الصحي المتردي في البلاد لا يحتمل إبقاء الجثث في الطرقات والمنازل فكان لا بد من نقلها إلى المقابر، في حين جرى رصد أسماء المتوفين حديثاً الذين جرى دفنهم بواسطة سكان الحي مع وضع شواهد على قبورهم لتكون دليلاً للتعرف إليهم وتخفيف مشقة البحث عنهم من قبل ذويهم'.
ونوه عضو غرفة الطوارئ بضرورة التوصل إلى جميع القبور في أنحاء العاصمة مع إجراء عمليات التعقيم والتطهير ورش الأحياء بالمبيدات.
واقع صادم
على صعيد متصل رأى الطبيب بأحد المراكز الصحية في أم درمان محمد عبدالكريم أن 'الخرطوم شهدت دماراً هائلاً جراء المعارك التي دارت فيها قرابة العامين بين الجيش و’الدعم السريع‘ وأصبح هناك واقع صادم للموت والدفن خارج مناطق مخصصة للمتوفين، وهي أحد الأسباب الرئيسة لأن تصبح الجثامين مجهولة الهوية، فضلاً عن إسهامها في توالد النواقل وانتشار الأمراض والأوبئة مثل الكوليرا المتفاقمة في العاصمة'.
وتابع عبدالكريم 'القبور المبعثرة في ولاية الخرطوم أصبحت لافتة للنظر، مما يستوجب إجراء عمليات إصحاح بيئي بصورة كبيرة يشمل كل مناطق الولاية، فضلاً عن أن نبش القبور ونقلها يعد إكراماً للميت وفي الوقت نفسه يؤدي إلى عدم تضررها وجرفها بسبب الأمطار، إضافة إلى أن مشهد القبور قد يزيد عند البعض نوبات الخوف والهلع وكوابيس أثناء النوم الناجمة عن تداعيات الحرب وآثارها النفسية'.
ونوه الطبيب بأن إصرار بعض سكان العاصمة على عدم نقل قبور أهاليهم من داخل المنازل لحين عودتهم من مكان نزوحهم تصرف غير سليم، لأنه ليس هناك جدوى في التمسك بجثث باتت متحللة، فالمسألة تحتاج إلى أن يكون هناك وعي عام بأهمية نقل الجثث من الأحياء السكنية وتطهيرها قبل عودة المواطنين إلى ديارهم.