اخبار السودان
موقع كل يوم -ار تي عربي
نشر بتاريخ: ٣٠ أيار ٢٠٢٥
كان حسين حبري إحدى الشخصيات التي لعبت أدوارا هامة في الصراع على السلطة في تشاد سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وكان محاربا صلبا ومراوغا عنيدا.
ولد حبري بيلدة 'فايا لارجو' بشمال البلاد عام 1942، ودرس في فرنسا علوم السياسة والإدارة ثم عاد إلى تشاد عام 1971 وانضم إلى منظمة 'فلورينا'، الحركة الوطنية في تشاد. ارتدى زي القتال الصحراوي، وانخرط في القتال للإطاحة بالرئيس فرنسوا تومبالباي بدعم عسكري ليبي.
بدأ نشاطه الحربي في عام 1971 بعملية عسكرية نفذها في بلدة 'برداي' الواقعة بأقصى شمال تشاد، حيث قام باحتجاز 3 رهائن أوروبيين. اشتهر بسرعة ولمع نجمه، وبدأ في منافسة كوكوني عويدي، القيادي الرئيس المقرب من ليبيا في جبهة فلورينا، وكان الاثنان ينتميان إلى مجموعة التبو العرقية. حبري من عشيرة الأنكزة، وعويدي من القرعان.
كانت منظمة 'فلورينا' تقاتل في ذلك الوقت ضد حكم الأقلية المسيحية المدعومة من فرنسا. حبري انتهز الفرصة السانحة في عام 1978 وحصل على منصب رئيس الوزراء في حكومة فيليكس معلوم الذي خلف تومبالباي في السلطة بعد اغتياله عام 1975.
الأمر لم يدم طويلا. انتهت رئاسته للحكومة التشادية في عام 1979، فاز كوكوني عويدي في الانتخابات الرئاسية وشكل حكومة وحدة وطنية وتولى حبري رئاسة وزارة الدفاع. اندلعت حرب أهلية في البلاد إثر محاولة حسين حبري الإطاحة بعويدي.
سارعت القوات الليبية إلى غزو تشاد وزحفت إلى العاصمة انجامينا ودخلتها مع قوات حليفها عويدي في ديسمبر 1980، فيما فر حبري ببقايا قواته إلى الكاميرون.
تسارعت التطورت وجرى فجأة الإعلان عن قيام وحدة بين ليبيا وتشاد في عام 1981، ما أثار حفيظة الولايات المتحدة وفرنسا.
في العام التالي وأثناء زيارة كوكوني عويدي إلى باريس، شكر رئيس تشاد في مؤتمر صحفي القوات الليبية وطالبها بالانسحاب من بلاده. غضب الزعيم الليبي معمر القذافي وسحب في غضون أسبوع قوات بلاده من جنوب تشاد.
تلقى حسين حبري دعما عسكريا من الولايات المتحدة وفرنسا والسودان الذي كان على خلاف مع ليبيا وقتها، وزحف بقواته من مناطق غرب السودان الحدودية وتمكن من طرد كوكوني عويدي والاستيلاء على العاصمة انجامينا في 7 يونيو 1982. ألغى حبري منصب رئيس الوزراء في البلاد وتفرد بالسلطة، رئيسا وقائدا أعلى للجيش.
لجأ كوكوني عويدي إلى شمال البلاد وحاول في عام 1983 الزحف بمسندة القوات الليبية نحو الجنوب للسيطرة على العاصمة مجددا، إلا أن إدارة الرئيس الأمريكي رونالد ريغان قدمت مساعدات عسكرية ضخمة لحسين حبري، وأرسلت فرنسا 3000 جندي إلى انجامينا لصد الليبيين وحلفائها.
تواصلت الحرب بين الجانبين واشتدت عامي 1986 و1987، وحينها تمكنت قوات حبري من إلحاق هزائم متتالية بقوات كوكوني عويدي والقوات الليبية المتمركزة في شمال تشاد.
بعد ذلك، احتد التنافس في معسكر حبري، وحاول بعض القادة العسكريين الذين ينتمون إلى قبائل أخرى الإطاحة بحسين حبري. قمع حبري بقسوة محاولات التمرد ونفذ إعدامات وعمليات تعذيب واسعة، كما أبعد أبناء القبائل الأخرى عن مراكز السلطة واعتمد بشكل خاص على أبناء عشيرته 'الأنكزة'.
اتهم حسين حبري بتنفيذ عمليات قتل جماعية باستخدام الجيش والاستخبارات والشرطة السرية، وأنه قضى على حوالي 40 ألف شخص وعذب 200000 آخرين معظمهم من القبائل المنافسة. نتيجة لذلك أطلق على حبري لقب 'بينوشيه الأفريقي'.
بعد الحد من الخطر الليبي في تشاد، نفضت الولايات المتحدة يدها من حبري وتركته لمصيره. في تلك الأثناء شكل إدريس ديبي وهو مستشار سابق لحبري كان قام مع قائد عسكري آخر يدعى حسن جاموس بمحاولة انقلابية فاشلة، بتشكيل جبهة للخلاص في السودان. تقدم بقواته نحو انجامينا وتمكن من دخولها في 1 ديسمبر 1990. فر حبري إلى الكاميرون ثم لجأ إلى السنغال واستقر هناك.
بعد خروج ليبيا من التنافس على تشاد، وتصالحها مع إدريس ديبي وحل مشكلة قطاع 'أوزو' الحدودي قضائيا، ضاقت الدوائر حول الرئيس التشادي المخلوع، وشكل الاتحاد الإفريقي والسنغال عام 2013 محكمة خاصة أدانت الرئيس المخلوع في عام 2016 بارتكاب جرائم ضد الانسانية وجرائم اغتصاب وقضت بسجنه مدى الحياة.
رفض حبري الذي كان أول رئيس إفريقي سابق يحاكم في بلد إفريقي آخر، الاعتراف بالمحكمة بشكل قاطع ورفض الدفاع عن نفسه. خلال مداولات المحكمة التي استمرت حوالي 10 أشهر، امتنع حسين حبري البالغ من العمر حينها 74 عاما عن الكلام، لكنه لوح بيديه في الهواء وصرخ حين سمع حيثيات الحكم هاتفا: 'تسقط فرنسا إفريقيا'، تنديدا باستمرار نفوذ باريس على مستعمراتها السابقة.
أبقت محكمة الاستئناف في عام 2017 العقوبة السابقة بالسجن مدى الحياة، لكنها برأت حسين حبري من تهم الاغتصاب.
القائد العسكري العنيد الذي أتقن السير على حبال التناقضات السياسية والعرقية في بلاده، وتمكن من القضاء على معظم خصومه، انتصر عليه 'الفيروس التاجي'، وصرعه بسجنه في عاصمة السنغال داكار في 24 أغسطس 2021 عن عمر ناهز 79 عاما.
المصدر: RT