اخبار قطر
موقع كل يوم -الخليج أونلاين
نشر بتاريخ: ٨ كانون الأول ٢٠٢٥
كامل جميل - الخليج أونلاين
المحلل السياسي د. هيثم هادي نعمان الهيتي:
الخلاف مع إيران عميق ولا تُعالجه مطالب بسيطة.
العرب ودول الخليج بشكل خاص يفضلون إبقاء علاقة محدودة مع إيران.
لم يكن حديث أمين عام مجلس التعاون الخليجي جاسم البديوي، خلال مشاركته في جلسة لمنتدى الدوحة 2025، عن أن دول الخليج 'لا تريد انهيار إيران'، وما تطلبه من طهران 'بسيط وأساسي'، مجرد مداخلة بروتوكولية، بل كان أقرب إلى رسم إطار جديد للتعامل مع الجارة الفارسية في لحظة إقليمية شديدة الحساسية.
ما ذكره البديوي بدا في ظاهره قولاً هادئاً، لكنه يحمل في مضمونه كثيراً من الإشارات السياسية، لا سيما أنه جاء وسط تغيّرات متسارعة في البيئة الأمنية الإقليمية، وتنامي المخاوف من توسع بؤر التوتر في الشرق الأوسط.
وفيما تحدث البديوي عن 'مستقبل مشترك'، فإن وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف -الذي شارك في الجلسة- ذكر بعداً مهماً حين شدد على ضرورة 'إضفاء الطابع المؤسسي' على الحوار بين إيران ودول الخليج.
هذا الطرح أثار تساؤلات حول ما إذا كانت المنطقة بصدد الانتقال من تعايش هش إلى تفاهم طويل الأمد، خاصة أن الطرفين مرّا بدورات من التصعيد والتهدئة دون التوصل إلى إطار مستدام.
شروط محددة
البديوي الذي قال: إن إيران 'تمثل إرثاً حضارياً وثقافياً وفنياً عريقاً'، وإن دول الخليج لديها الكثير لتقدمه لها، وأكد أهمية التركيز على المستقبل المشترك، وذكر شروطاً عدّها أساسية لاستقرار علاقات الجانبين.
ولفت إلى أن هذه الشروط تشمل احترام مبادئ حسن الجوار، والالتزام بميثاق الأمم المتحدة، والحوار، وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى.
ويمثّل بند احترام مبادئ حسن الجوار جوهر الشكوى الخليجية منذ عقود، فالتوترات غالباً ما انطلقت من اتهامات بتدخلات إيرانية مباشرة وغير مباشرة، سواء عبر دعم جماعات أو توفير غطاء أيديولوجي لأطراف محلية في بعض الدول العربية.
ويُعد مطلب الالتزام بميثاق الأمم المتحدةامتداداً لسابقه، لكنه يرتبط أيضاً بأمن الملاحة وسلامة الحدود والالتزامات الدولية.
وقد شكّلت الهجمات على السفن في الخليج، والحوادث المتعلقة بالمضائق، نقاط احتكاك مباشرة أدت إلى تدخلات دولية.
أما فيما يخص الحوار، فهو شرط يلامس جوهر الإشكال الذي تراكم عبر سنوات من الاحتكاك في اليمن والعراق ولبنان وسوريا.
ويبدو أن الحوار الذي يدعو إليه البديوي لا يُطرح بصفته إجراء دبلوماسياً عابراً، بل بكونه منظومة متصلة تضمن استمرارية النقاش حتى في فترات التوتر، بحيث تتحول الخلافات إلى ملفات قابلة للتفاوض بدلاً من أن تبقى مصدراً للأزمات.
وحول شرط 'عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى'؛ فليس جديداً القول إن لإيران تأثيراً إقليمياً، وتعد أذرعها المسلحة في دول إقليمية عربية، ونفوذها فيها أحد أقوى محركات هذا التأثير.
الأمن الإقليمي
خلال العقدين الماضيين، زادت التوترات بفعل الأزمات الإقليمية، خاصة في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، وهي ملفات تمسّ صميم الأمن الخليجي والإيراني معاً.
ومع ذلك أدرك الطرفان أن إدارة التنافس لا تعني إلغاء الحوار، وأن خطوط الاتصال ضرورية لتجنب الانزلاق نحو صدام غير محسوب.
وتدل المصالحات التدريجية التي شهدتها المنطقة خلال 2023 و2024 على رغبة متبادلة في تجنّب التصعيد.
وتستند أهمية العلاقات بين الجانبين إلى حقيقة أن الاستقرار في الخليج لا يعتمد فقط على القدرات الدفاعية أو موازين القوى، بل على قدرة الدول المطلة على الخليج على صياغة ترتيبات أمنية تحمي الملاحة الدولية وموارد الطاقة.
فالتجارة العالمية تمرّ بنسبة كبيرة عبر مضيق هرمز، ما يجعل أمنه مسؤولية مشتركة لا تحتمل المقامرات السياسية.
يضاف إلى ذلك الارتباط الاقتصادي والاستثماري والتجاري بين الجانبين الذي يبدو من الصعب الاستغناء عنه تفرضه ظروف الجوار الإقليمي.
فضلاً عن أن قيمة التبادل التجاري في 2024 بلغت 8.5 مليار دولار، بقيمة صادرات خليجية بلغت 7.1 مليارات دولار وواردات 1.5 مليار دولار، وفق المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون.
شروط قانونية
الشروط الخليجية التي طرحها البديوي، على الرغم من قانونيتها، وتنص عليها القوانين الدولية، لكنها تمثل لإيران صعوبة بالغة، لأن معظمها تمسّ ملفات استراتيجية بالنسبة لطهران، وليست قضايا يمكن التنازل عنها بسهولة.
من جانب آخر، تواجه إيران ضغوطاً اقتصادية داخلية وتحديات خارجية تجعلها بحاجة إلى تهدئة أوسع، خاصة في ظل العقوبات الأمريكية والانكماش الاقتصادي.
وهذا يعطي الخليج مساحة للتفاوض، لكنه لا يضمن التزاماً كاملاً من طهران ما لم تُبنَ تفاهمات تدريجية متبادلة.
خطورة التغيير في إيران
المحلل السياسي د. هيثم هادي نعمان الهيتي الذي تحدث لـ'الخليج أونلاين' يرى أن الخلاف مع إيران عميق ولا تُعالجه مطالب بسيطة، لافتاً إلى أن العرب ودول الخليج بشكل خاص يفضلون إبقاء علاقة محدودة معها.
وأوضح الهيتي:
مقترحات البديوي ليست كافية لمعالجة الخلاف العربي–الإيراني، لأن جذور المشكلة ترتبط بطبيعة النظام الإيراني نفسه.
النظام في طهران يحمل منذ ما قبل عام 1979 مشروعاً أيديولوجياً يقوم على تصدير الثورة وتوسيع النفوذ، وهو ما يفسّر عمق التوتر مع محيطه العربي.
الحديث عن 'حلول بسيطة' غير واقعي، فالأزمة متشابكة وتمتد إلى بنية الدولة الإيرانية وتاريخها السياسي.
الدول العربية تتحرك بحذر بين خيارين صعبين:
- رفض سياسات إيران من جهة.
- الخشية من انهيارها من جهة أخرى وما قد يترتب على ذلك من فوضى إقليمية واسعة.
تفكك إيران، إن حدث، قد يقود إلى تفتيت المنطقة نفسها، وهو سيناريو لا ترغب به أي دولة عربية أو خليجية.
من الخطأ الاعتقاد بأن سقوط النظام الحالي سيأتي بنظام أفضل.
التجارب السابقة -سواء في إيران بعد سقوط الشاه أو في العراق بعد سقوط نظام صدام2003-تُظهر أن التغيير قد يحمل نتائج أكثر سوءاً.
دول الخليج تميل اليوم إلى خيار العلاقة المضبوطة مع طهران: إيران أقل قوة، لكنها مستقرة، وتتعامل بحدود سياسية مقبولة.
هذا النهج يمنح المنطقة مساحة أوسع لإدارة التوترات، مقارنةً بخيار المواجهة أو السعي لإسقاط النظام.























