قطر وسنغافورة مثالاً.. أثر عالمي كبير تصنعه دول صغيرة الحجم

كامل جميل - الخليج أونلاين

تتشابه كثيراً دولتا قطر وسنغافورة في مواضع عدة؛ أبرزها قوة التأثير العالمي، والاستغلال الأمثل للقدرات والموارد والطاقات، لتكونا من أغنى البلدان، والأبرز من هذا كله أن الدولتين تتميزان بصغر المساحة.

تجد قطر وسنغافورة نفسيهما أكثر تقارباً؛ لعل ذلك ناتج عن رؤية مشتركة لكل بلد منهما لمحيطه الإقليمي، والتحديات العالمية التي توجب التعامل بالحكمة لإبعاد شعبيهما عن أي خطر.

تلك الحكمة رافقها عمل حقيقي للنهوض بواقع الفرد والمجتمع، وتهيئة كافة ما يستلزم لجعله بين الأفضل عالمياً من ناحية الحصول على الخدمات في مختلف المجالات.

هذا ما يؤكده تصنيف صادر لأغنى البلدان في 2023، احتلت فيه سنغافورة المرتبة الثالثة عالمياً وخلفها دولة قطر بالمرتبة الرابعة.

قطر وسنغافورة -البلدان اللذان وجدا نفسيهما على مسافة قريبة من بعضهما البعض- أكد هذا التقارب تعميقهما العلاقات الثنائية التي شهدت تطورات عديدة على مرّ السنين.

ففي عام 2006 جرى تأسيس اللجنة العليا القطرية-السنغافورية، ومن خلالها جرى التوقيع على عدة اتفاقيات ثنائية، ومذكرات التفاهم.

أحدث اجتماعات اللجنة عُقد يوم (25 أغسطس 2023) في المحضر عن الرغبة المتبادلة في تعزيز التعاون في مجالات مثل الاقتصاد والتجارة والاستثمار والطاقة والأمن والتنمية الاجتماعية والأسرة والتعليم وتنمية رأس المال البشري والبنية التحتية للمدن الذكية والذكاء الاصطناعي.

الدول الصغيرة

رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، يؤكد أن لقطر وسنغافورة اليوم تأثيراً بارزاً على الساحة العالمية، وذلك في جلسة حوارية انعقدت في سنغافورة تحت عنوان 'الدول الصغيرة واستراتيجيات النجاح في عالم تنافسي'.

في إطار حديثه عن العلاقات بين قطر وسنغافورة، أشار إلى أن البلدين يجمعهما كثير من الأمور المشتركة، مؤكداً أن 'الدول الصغيرة لديها دور كبير لتلعبه'.

أشار آل ثاني إلى النجاح الذي حققته بلاده عبر استغلال الثروات الطبيعية، والاستثمار في التعليم والبنية التحتية، مؤكداً: 'أصبحنا خبراء في الخدمات اللوجستية والتكنولوجيا والخدمات المهنية'.

ويلفت إلى أنه وعلى نحو مماثل، 'حققت سنغافورة نجاحاً اقتصادياً عظيماً لتصبح مركزاً مالياً عالمياً، معروفاً ببنيته التحتية المالية الاستثنائية واستقراره التنظيمي'.

نهضة سنغافورة

تعدّ سنغافورة، الواقعة في جنوب شرقي آسيا، رابع أهم مركز مالي في العالم، وتؤدي دوراً مهماً في الاقتصاد العالمي.

تبلغ مساحة سنغافورة 710.3 كم2، وتمتلك شريطاً ساحلياً بطول 193 كم؛ حيث يعتبر مرفأ سنغافورة خامس مرفأ في العالم من ناحية النشاط. 

ولا تملك سنغافورة أي ثروات أو موارد، وكانت حين نالت استقلالها عام 1965 من أفقر البلدان، لكن دائماً يشار إلى أن 'لي كوان يو' أول رئيس وزراء لسنغافورة، حيث غيّر في أنظمة بلده وسن قوانين جديدة، وجعل بلده من أهم بلدان العالم.

واليوم باتت سنغافورة تسيطر على نحو 40% من إجمالي حركات الشحن التجاري البحري في العالم.

يرى الخبير الاقتصادي أحمد عقل الذي تحدث لـ'الخليج أونلاين'، أن ما حققته قطر وسنغافورة يعتبر 'نجاحاً يدرَّس'.

ويقول إن هاتين الدولتين استطاعتا التغلب على معضلة الجغرافيا الخاصة بالمساحة؛ لتثبت كل منهما للعالم أن القدرات وحسن الإدارة والتخطيط وحسن التعامل أهم بكثير من الجغرافيا والمساحة وعدد السكان.

ويشير إلى أن لدى قطر وسنغافورة قدرات، استطاعت كل منهما 'استغلالها بشكل أمثل وأنجح بحسن إدارتها وبقوانينها المهمة وعلاقاتها الخارجية الأساسية القائمة على مبادئ الالتزام والصدق والثقة المتبادلة'.

ذلك التوجه وفق عقل 'خلق نوعاً من القوة في علاقات كل من الدولتين، وتُرجمت إلى ثقة متبادلة وحالة من الصداقة ومن ثم إمكانية التأثير على كثير من الدول والتحدث معها'.

يعتقد عقل أن 'التجربة القطرية والسنغافورية تجربة حقيقية تثبت أن الكل قادر على أن يكون مؤثراً على محيطه والعالم، ولكن يجب أن يبدأ بترتيب بيته الداخلي بطريقة صحيحة وترتيب الإدارة ثم الانتقال إلى الأطراف الخارجية'.

التحول الكبير

النهضة المهمة والكبيرة للدول الصغيرة ليست فقط مثار إعجاب العالم، بل الدول نفسها صاحبة النهضة.

ذلك ما يتضح في سياق حديث رئيس وزراء قطر  في سنغافورة، حيث تطرق إلى رؤية الدوحة للتحديات التي تواجه الدول الصغيرة والمتوسطة. وقال: 'غالباً ما أسأل كيف تمكنت قطر، كدولة صغيرة، من تحقيق التوازن بين اللاعبين الدوليين'.

وأوضح أن 'قطر تؤمن بتداخل وترابط المجتمع الدولي، وهذه القناعة تمكننا من إقامة شراكة تجارية قوية مع الصين، مع الحفاظ على تحالف استراتيجي مع الولايات المتحدة'.

وأكد زيف الاعتقاد بعدم وجود دور تلعبه الدول الصغيرة في الخلافات السياسية الكبيرة، مؤكداً أن 'الحقيقة على النقيض من ذلك تماماً، ففي بعض الأحيان تكون الدول الصغيرة في وضعٍ أفضل للعب دور حاسم في حل النزاعات'.

وقطر تمارس دور الوساطة بين إيران والولايات المتحدة، وأثبتت نجاحاً مؤخراً، حيث كانت وسيطاً رئيساً في صفقة تبادل الأسرى الأخيرة بين البلدين.

وفي فبراير 2020، نجحت قطر في التوسط بين حركة 'طالبان' والولايات المتحدة بتوقيعهما 'اتفاق الدوحة'؛ مما أدى إلى إنهاء الحرب التي دارت رحاها لأكثر من عقدين وأُسدل الستار عليها بالانسحاب الأمريكي الذي جرى في أغسطس 2021.

كما أدت الدوحة دوراً أساسياً في واحدة من أكبر عمليات الجسور الجوية الإنسانية في التاريخ، حيث نجحت في إجلاء أكثر من 80 ألف شخص من أفغانستان بعد سيطرة حركة طالبان عليها، فضلاً عن وساطات عديدة ناجحة لبلدان عربية وأفريقية.

ولفت رئيس وزراء قطر إلى أن نجاح الدوحة يأتي من خلال التركيز على ثلاثة مجالات رئيسة هي: 'بناء التحالفات المتعددة الأطراف، وتيسير الوصول للسلام، والاستثمار في النمو الاقتصادي من أجل الأجيال القادمة'.

يقول أحمد عقل: إن 'دولة قطر، تحديداً، استطاعت أن تكون لاعباً إقليمياً مهماً جداً على مستوى العالم، باستغلالها الأمثل لأهم مواردها'.

وأشاد كذلك بسياسة قطر الاقتصادية، مُذكراً  بقرار الانسحاب من 'أوبك' الذي اتخذته قطر مطلع 2019، والتركيز على الغاز المسال.

يضيف: 'حينها عارض كثيرون هذا التوجه واعتبروه نوعاً من المخاطرة، لكن رأينا اليوم أن هذا التوجه كان صحيحاً ومثالياً، وأصبحت قطر اللاعبَ الأول على مستوى الطاقة في العالم'.

يتطرق عقل إلى التزام قطر بتعهداتها رغم مرورها بكثير من الضغوطات في الفترات السابقة، وهو ما يزيد من مكانتها في الأسواق العالمية.

ويلفت إلى أن 'ما أضاف مزيداً من الثقة للتعامل مع قطر هو حسن الإدارة والقوانين الاستثمارية والنمو الاقتصادي، والإدارة الحقيقية ودعم الشركات المحلية مثل (كيو بي) وقطر للطاقة وغيرها وتحويلها إلى شركات عالمية قادرة على المنافسة في دول العالم'.