جولة وزيرة الاقتصاد الألمانية.. هل تفتح باباً لصفقات جديدة في الخليج؟

طه العاني - الخليج أونلاين

ما أبرز أهداف جولة وزيرة الاقتصاد الألمانية في الخليج؟

تعزيز أمن الطاقة وفتح مسارات أوسع للاستثمار الصناعي.

كيف يستفيد الخليج من توسع الحضور الاقتصادي الألماني في المنطقة؟

نقل تقنيات متقدمة وزيادة المشاريع المشتركة.

تفتح زيارة وزيرة الاقتصاد والطاقة الألمانية، كاترينا رايشه، إلى الإمارات وقطر مساراً جديداً في العلاقات الاقتصادية بين برلين والخليج، عبر حزمة لقاءات رسمية وشراكات صناعية واستثمارية تعكس تطور الحضور الألماني في المنطقة.

وجاءت هذه الجولة التي بدأتها من أبوظبي في 16 نوفمبر 2025، ضمن تحرّك ألماني أوسع لإعادة بناء شبكات الطاقة وسلاسل الإمداد، في ظل تصاعد دور الموردين الخليجيين وتزايد استثماراتهم في أوروبا.

تعاون قطري

وحملت اجتماعات الوزيرة الألمانية بالعاصمة الدوحة، في 19 نوفمبر 2025، مؤشرات واضحة على رغبة الجانبين في توسيع التعاون الصناعي والتجاري.

أكدت رايشه خلال اجتماعها بـ'غرفة قطر' أن الدوحة 'شريك مهم' لبرلين، مشيرة إلى مشاركة 20 شركة ألمانية كبرى ضمن الوفد الرسمي، إضافة إلى عشرات الشركات التي أبدت رغبة في الانضمام، ما يعكس اتساع الطلب الألماني على الشراكات القطرية.

وبحسب وكالة الأنباء القطرية، فإن ذلك المسار يعزز التعاون القائم على نموّ اقتصادي لقطر يتوقع أن يصل إلى 5% في السنوات المقبلة، وعلى توسع عدد الشركات الألمانية العاملة في السوق القطري، والتي تبلغ نحو 100 شركة تتابع التحولات الرقمية والصناعية في الدولة.

وشهدت الغرفة لقاءً موسعاً بين الوفد الألماني وممثلي القطاع الخاص القطري، تركز على مناخ الاستثمار المشترك والفرص المتاحة في الطاقة والصناعة وتكنولوجيا المعلومات.

ووفق بيانات الغرفة، بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين عام 2024 نحو 6.6 مليارات ريال قطري (نحو 1.8 مليار دولار)، ما يعكس شراكة اقتصادية راسخة تواصل توسيع نطاقها في الأسواق التقليدية والقطاعات الجديدة.

وفي إطار التعاون الصناعي، وقّعت شركة 'أعمال' القطرية مذكرة تفاهم مع مجموعة 'نيداكس' الألمانية لإنشاء مصنع متطور في قطر لتصنيع أنظمة إدارة الكوابل ومنتجات الألياف الزجاجية والصلب.

وتشير بيانات بورصة قطر وتصريحات الشركتين إلى أن الاتفاق يهدف إلى تعزيز الصناعة المحلية ودعم استراتيجية التنويع الاقتصادي، خصوصاً أن نيداكس - التي تأسست في 1920 وتحقق إيرادات تقارب مليار يورو - تمتلك حضوراً عالمياً في قطاعات البنية التحتية والطاقة والصناعات الثقيلة.

كما ناقشت الوزيرة مع وزير الدولة لشؤون الطاقة القطري، سعد بن شريدة الكعبي، تطوير التعاون في مجالات الطاقة، في ضوء دور الغاز القطري في أمن الإمدادات الأوروبية.

توسع إماراتي

وعلى غرار الدوحة، أكدت اللقاءات الرسمية للوزيرة الألمانية في أبوظبي ودبي، أن السوق الإماراتية أصبحت أحد أهم محاور الانتشار الألماني في المنطقة.

واستقبل وزير الخارجية الإماراتي، الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، الوزيرة رايشه، في 17 نوفمبر، حيث بحثا - وفق وكالة الأنباء الإماراتية - مسارات التعاون الاقتصادي والاستثماري، بما يشمل الطاقة والتكنولوجيا والصناعة والقطاعات الحيوية المرتبطة بالاقتصاد الجديد.

وحضر اللقاء وزراء ومسؤولون معنيون بالتصنيع والتكنولوجيا والاقتصاد، ما يعكس اتساع الملفات المطروحة على جدول الأعمال.

من جانبه، كشف وزير الاقتصاد والسياحة الإماراتي، عبد الله بن طوق، في 18 نوفمبر، أن الإمارات استقطبت 1655 شركة ألمانية جديدة منذ يناير حتى مطلع نوفمبر 2025، بنمو 20.3% عن العام السابق، إضافة إلى دخول 627 علامة تجارية ألمانية جديدة.

وتُظهر هذه الأرقام - وفق بيان الوزارة - توسعاً كبيراً في أنشطة مجتمع الأعمال الألماني داخل الدولة، بما يشمل السياحة وريادة الأعمال والزراعة والغذاء والنقل والتقنيات المتقدمة.

وخلال لقائه بالوزيرة في 'إكسبو دبي'، أشار بن طوق إلى أن البلدين يمتلكان رؤى اقتصادية متكاملة، وأن تعزيز قنوات الاستثمار المتبادل وتسهيل وصول الشركات للفرص الواعدة يمثلان محوراً رئيسياً للشراكة.

كما بحث الجانبان تطوير التعاون السياحي، في ظل استقبال الإمارات نحو 165 ألف سائح ألماني عام 2024.

دلالات وأهمية الزيارة

يؤكد الأكاديمي والخبير الاقتصادي الدكتور عبد الرحيم الهور أن زيارة وزيرة الاقتصاد الألمانية إلى الخليج تأتي في لحظة حساسة، مع عودة ملف الطاقة إلى الواجهة، وازدياد الحاجة الأوروبية إلى مصادر مستقرة.

ويضيف لـ'الخليج أونلاين' أن الزيارة تعكس توجهاً ألمانياً لإعادة تنظيم شراكاتها الاقتصادية، انطلاقاً من قناعة بأن أمن الطاقة الأوروبي يرتبط بتعاون استراتيجي أعمق مع دول الخليج، خاصة مع توسع دور الطاقة النظيفة والهيدروجين الأخضر.

وأوضح الهور أن التركيز الإعلامي على صفقات معينة لا يعكس الصورة الكاملة، فالأثر الأوسع للزيارة يكمن في تهيئة بيئة تدعم صفقات جديدة وتعزز التعاون الصناعي والتقني.

ويرى أن دول الخليج تتجه نحو استثمارات نوعية في الصناعات المتقدمة، فيما تبحث ألمانيا عن شراكات تضمن احتياجاتها من المواد الأولية والطاقة منخفضة الانبعاثات، بما يقود إلى نماذج تعاون أكثر شمولاً.

ويشير إلى أهمية الانتقال من التعاون الثنائي إلى نموذج خليجي جماعي يمنح الشراكة مع ألمانيا قوة تفاوضية أكبر وإطاراً مؤسسياً يساعد على توحيد المعايير وتنفيذ المشاريع بكفاءة.

ويعتقد الخبير الاقتصادي أن هذا النهج يدعم الاستقرار ويرفع القدرة على مواجهة تحديات سلاسل الإمداد والمتطلبات التنظيمية.

ويلفت إلى ضرورة تطوير الاستثمار التبادلي بحيث يتجاوز الشراكات المالية إلى تأسيس كيانات تشغيلية خليجية داخل ألمانيا. ويقول إن هذا الوجود المؤسسي يعزز نقل المعرفة، ويوطد الفهم المتبادل، ويمنح الشراكة بعداً عملياً أكثر استدامة.

وتدرك برلين حساسية المخاوف الخليجية من قانون سلاسل التوريد الأوروبي (الذي يفرض ضرائب كبيرة على واردات الغاز ضمن خطط الحياد الكربوني)، وفق الهور، وتسعى إلى تطبيق مرن يحقق أهدافها البيئية من دون خلق عوائق أمام الشركاء الخليجيين. ويرى أن أي تعديلات أو تخفيف في آليات التنفيذ قد يهيئ مناخاً أكثر إيجابية للتعاون.

ويعتقد الهور أن فرص ألمانيا في الخليج ما تزال قوية رغم المنافسة الآسيوية والأمريكية، مؤكداً أن خبرتها الهندسية وتكنولوجيتها المتقدمة تمنحها أفضلية واضحة.

ويختم حديثه بالتأكيد على أن تعزيز هذه المكانة يتطلب مواءمة العلاقة مع متطلبات التحول الاقتصادي في الخليج ومع قواعد الاقتصاد المستدام في أوروبا.

ملفات استراتيجية

وجاءت الجولة الخليجية للوزيرة رايشه، محمّلة بملفات اقتصادية حساسة تخص المصالح الألمانية والخليجية على حد سواء.

ويتعلق أول هذه الملفات بصفقة استحواذ 'أدنوك' الإماراتية على 'كوفيسترو' الألمانية، وهي صفقة واسعة التأثير في قطاع الصناعات البلاستيكية عالية التقنية.

ووفق وكالة الأنباء الألمانية، في 16 نوفمبر 2025، حصلت الصفقة على موافقة مشروطة من المفوضية الأوروبية، بينما لا يزال قرار الحكومة الألمانية قيد المراجعة، وهو ما منح هذه اللقاءات بعداً إضافياً.

كما شاركت رايشه في منتدى الطاقة الألماني - الإماراتي، حيث تطرقت النقاشات إلى تحولات سوق الطاقة الأوروبية، والدور المتزايد للغاز الخليجي في أمن الإمدادات.

وفي الدوحة، برز ملف تجميد أو وقف صادرات الغاز المسال القطرية إلى أوروبا، وهو مرتبط بالنقاشات الجارية حول قانون سلاسل التوريد الأوروبي الذي يفرض معايير بيئية وإنسانية على الشركات.

ووفق المعلومات الرسمية، ألغى البرلمان الأوروبي بند 'الخطط المناخية الإلزامية'، لكن التشريع لا يزال في مرحلة التفاوض النهائية.

وبحسب رابطة صناعة الغاز والهيدروجين الألمانية، شكّل الغاز القطري نحو 10% من واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز الطبيعي المسال خلال النصف الأول من العام الحالي، ما يُبرز أهمية قطر بوصفها فاعلاً رئيسياً في معادلة الطاقة الأوروبية.

وتشير خلاصة الجولة إلى أن ألمانيا تتحرك لتعزيز حضورها الاقتصادي في الخليج عبر شراكات صناعية واستثمارات مباشرة، وفي المقابل، يواصل الخليج توسيع دوره في أسواق الطاقة والتقنيات المتقدمة، في إطار علاقة متبادلة المصالح تتجه نحو مستويات أكثر عمقاً وتنوعاً.