اخبار قطر
موقع كل يوم -الخليج أونلاين
نشر بتاريخ: ١٢ أب ٢٠٢٥
يوسف حمود - الخليج أونلاين
تؤكد الخطوات التي اتخذتها الدوحة أن مقاربتها قائمة على التدرج المدروس.
منذ مطلع عام 2025، شرعت قطر في تنفيذ استراتيجية متعددة المسارات تهدف إلى تفكيك منظومة العزلة الاقتصادية المفروضة على سوريا، بعد أكثر من عقد من العقوبات الدولية والأمريكية التي شلّت قطاعات رئيسية من الاقتصاد السوري.
هذه الاستراتيجية، التي مزجت بين تدخلات إنسانية–خدمية وتحركات دبلوماسية–قانونية، وضعت الأساس لانطلاق مشاريع استثمارية كبرى، وبلغت ذروتها في الأول من يوليو بإلغاء العقوبات الأمريكية الشاملة، بعد جهود سعودية قطرية، مع الإبقاء على عقوبات قطاعية محددة.
وتؤكد الخطوات التي اتخذتها الدوحة أن مقاربتها قائمة على التدرج المدروس، بدءاً من البوابات الخدمية الأساسية مثل الطاقة وتمويل الرواتب، مروراً بإعادة صياغة الإطار القانوني للعقوبات، وصولاً إلى إطلاق استثمارات رأسمالية مباشرة في البنية التحتية السورية.
مدخل إلى فك العزلة
بدأت الدوحة هذا المسار من البوابة الخدمية–الاقتصادية، عبر مشاريع دعم مباشرة للبنية التحتية الأساسية، وفي مقدمتها قطاع الطاقة.
ففي 13 مارس 2025، دشنت قطر إمدادات الغاز والكهرباء إلى سوريا عبر مسارات عبور إقليمية تشمل الأردن وتركيا–أذربيجان، ما وفر نحو 400 ميغاواط يومياً، وأسهم في تقليص فجوة العجز الكهربائي المزمنة، وأوجد آلية تعاون تتجاوز التصادم مع العقوبات الدولية.
وأقرت قطر، في 7 و8 مايو، تمويلاً شهرياً بقيمة 29 مليون دولار، لمدة ثلاثة أشهر قابلة للتجديد، لصرف رواتب موظفي القطاع المدني السوري، بإشراف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وبموجب إعفاء خاص من واشنطن ضمن قانون 'قيصر'.
مصادر دبلوماسية نقلت عنها شبكة 'سي إن إن' يومها، أكدت أن الدوحة حصلت على موافقة أمريكية مسبقة، وسط حرصها على عدم خرق الإطار القانوني الدولي، مشيرة إلى أن قطر 'لن تقدم أي دعم مالي دون موافقة واشنطن'.
وفي خطوة عززت الطابع الإقليمي للمبادرة، انضمت السعودية، في 31 مايو، إلى الجهود، ما حول التحرك من مبادرة قطرية منفردة إلى مشروع إقليمي منسق، وأضفى عليه بعداً سياسياً جماعياً يحدّ من الانتقادات الدولية.
ضغط دبلوماسي
بالتوازي مع التدخلات الميدانية، كثفت الدوحة تحركاتها السياسية لإعادة صياغة الإطار القانوني للعقوبات، ففي أبريل، صرح رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، بأن رفع العقوبات 'ضروري لإعادة تفعيل مؤسسات الدولة السورية'، مؤكداً وجود 'انفتاح أمريكي' في هذا الملف، بعد مباحثات مع نظيره الأمريكي ماركو روبيو.
وخلال مايو، صعدت الدوحة ضغطها الدبلوماسي، مدعومة بمواقف خليجية وتركية، للحصول على إعفاءات أوسع، حيث منحت واشنطن، في 23 مايو، إعفاءً مرحلياً لمدة 180 يوماً لعدد من بنود 'قيصر'، ما سمح بتوسيع نطاق المعاملات المالية ذات الطابع الإنساني–الاقتصادي.
التحول المفصلي جاء في 30 يونيو، عندما وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمراً تنفيذياً بإنهاء العقوبات الشاملة بدءاً من 1 يوليو، مع الإبقاء على عقوبات محددة تستهدف كيانات وأفراداً متهمين بانتهاكات أو أنشطة محظورة.
من الإعفاءات إلى الاستثمار
إلغاء العقوبات الشاملة أوجد بيئة تنظيمية جديدة للاستثمار، خاضعة لإجراءات امتثال صارمة، ففي أغسطس، أُعلن عن صفقة بقيمة 4 مليارات دولار لتطوير مطار دمشق الدولي، بقيادة شركات قطرية من بينها 'UCC'، في أول مؤشر عملي على الانتقال من الدعم الخدمي والإنساني إلى الاستثمار الرأسمالي المباشر.
هذه الخطوة، بحسب مدير 'صندوق قطر للتنمية' فهد السليطي، تأتي في إطار 'خلق نظام اقتصادي سليم في سوريا'، مع دراسة معمقة لتجنب المخاطر القانونية وضمان قدرة الدولة السورية على الاعتماد على نفسها.
السليطي أوضح (5 أغسطس) أن التنسيق مع واشنطن بدأ منذ أشهر قبل رفع العقوبات، بهدف وضع إطار واضح للعمل الاستثماري.
نموذج دبلوماسي
الباحث في العلاقات الدولية عماد كمال، يرى أن التحرك القطري نحو فك العزلة الاقتصادية عن سوريا 'يمثل نموذجاً دبلوماسياً مدروساً يستفيد من كل ثغرة قانونية متاحة، ويوازن بين الأهداف الإنسانية والمصالح السياسية'.
وأضاف أن 'الدوحة اختارت مسار التدرج المرحلي، بدءاً من الخدمات الأساسية، ما سمح لها بتقليل المعارضة الدولية وتجنب الاصطدام المباشر مع القوى الكبرى المؤثرة في الملف السوري'.
ويشير، في حديثه لـ'الخليج أونلاين'، إلى أن 'دمج الأبعاد الإقليمية عبر إشراك شركاء خليجيين عزز الشرعية السياسية للمسار القطري، ومنحه وزناً أكبر على طاولة التفاوض مع واشنطن'.
ولفت إلى أن 'التحركات القانونية كانت موازية للتحركات الميدانية، حيث تمكنت قطر من الحصول على إعفاءات متتالية وصولاً إلى إنهاء العقوبات الشاملة، دون المساس بالعقوبات الموجهة التي تتطلب التزاماً صارماً بالإجراءات الدولية، وهذا بحد ذاته يعد ذكاءً دبلوماسياً قطرياً'.
ويؤكد أن 'الانتقال السريع من الإطار القانوني إلى إطلاق مشاريع استثمارية كبرى، مثل تطوير مطار دمشق الدولي، يعكس جاهزية قطرية عالية وقدرة على تحويل المكاسب الدبلوماسية إلى نتائج اقتصادية ملموسة'.
مسارات قطرية
وانتهجت قطر أدوات سياسة في إدارة المسار، حيث اعتمد التحرك القطري على أربع أدوات رئيسية: