يوم المعلم القطري.. عطاء يثمر أجيالاً ويجدد مكانة التعليم

يوسف حمود - الخليج أونلاين

يوم المعلم القطري ليس مجرد حدث سنوي، بل يمثل جزءاً من استراتيجية أكبر تهدف إلى جعل مهنة التعليم خياراً جذاباً للأجيال الجديدة

يشكل التعليم في قطر ركيزة محورية في مسيرة التنمية الوطنية، إذ تراهن الدولة على بناء الإنسان بوصفه الأساس لأي مشروع اقتصادي أو اجتماعي أو ثقافي، ومن هذا المنطلق، حجز المعلم موقعه كعنصر مركزي في صياغة رؤية قطر الوطنية 2030 التي تضع تنمية رأس المال البشري في قلب أهدافها الاستراتيجية.

ويأتي 'يوم المعلم القطري'، الذي يوافق الخامس من أكتوبر كل عام، ليجسد هذا التوجه باعتباره مناسبة وطنية تتجاوز الطابع الاحتفالي الذي تقيمه الدوحة سنوياً، إلى التأكيد على عمق التزام الدولة بدعم هذه المهنة النبيلة. ويُنظر إلى المناسبة باعتبارها انعكاساً لسياسة تعليمية طويلة الأمد تضع المعلم في صدارة العملية التربوية، لا كناقل للمعرفة فحسب، بل كقائد مجتمعي يغرس القيم ويعزز الهوية الوطنية.

ومع التطورات المتسارعة في التكنولوجيا وسوق العمل، اكتسب الاحتفال هذا العام زخماً إضافياً تحت شعار 'عطاء يثمر أجيالاً'، الذي يعبر عن فلسفة تعتبر التعليم استثماراً متواصلاً تتجدد ثماره عبر الأجيال.

احتفالات متنوعة

شهدت المدارس والمؤسسات التعليمية في قطر فعاليات متنوعة بمناسبة يوم المعلم، تراوحت بين تكريم المعلمين المتميزين، وإقامة ندوات تربوية، وإطلاق مبادرات تهدف إلى تعزيز مكانة المهنة.

وركزت الفعاليات على إبراز دور المعلم في تشكيل شخصية الطالب، وفي ربط العملية التعليمية باحتياجات المجتمع وسوق العمل.

كما تضمن الاحتفال تنظيم معارض مدرسية سلطت الضوء على الابتكارات الطلابية، وبرامج تدريبية قصيرة قدمتها الوزارة لرفع كفاءة الكادر التعليمي، وتم منح جوائز تقديرية لعدد من المعلمين الذين تميزوا في إدماج التكنولوجيا الرقمية في التعليم، في إشارة إلى توجه الدولة نحو تسريع التحول الرقمي في المناهج وأساليب التدريس.

مكانة استراتيجية للمعلم

وتكتسب الفعالية هذا العام أهمية خاصة في ظل رعاية رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني، ما يمنحها بُعداً سياسياً يعكس إدراك القيادة لدور التعليم في رسم المستقبل.

ويوم المعلم القطري ليس مجرد حدث سنوي، بل يمثل جزءاً من استراتيجية أكبر تهدف إلى جعل مهنة التعليم خياراً جذاباً للأجيال الجديدة، حيث تعمل وزارة التربية والتعليم على استقطاب الكفاءات الوطنية الشابة، وتوفير برامج تدريبية متقدمة، إلى جانب بعثات خارجية لاكتساب خبرات تعليمية رائدة.

ويرتبط هذا التوجه برؤية قطر الوطنية 2030 التي تضع التنمية البشرية في صدارة ركائزها الأربع، إذ يُعد المعلم أداة محورية لتحقيق أهدافها.

دعم المعلمين

خلال الاحتفال الذي حضره رئيس الوزراء القطري (5 أكتوبر)، أكدت وزيرة التربية والتعليم والتعليم العالي لولوة بنت راشد الخاطر أن شعار 'عطاءً يثمر أجيالاً' ليس مجرد عبارة، بل حقيقة يعيشها المعلمون يومياً.

وقالت إن رعاية رئيس الوزراء للاحتفال 'تجسد ما توليه دولة قطر من اهتمام وتقدير لمكانة المعلم، بوصفه ركيزة أساسية لنهضة الإنسان وصناعة التنمية والتقدم'.

وأضافت أن لكل إنسان ذكرى لمعلمين تركوا أثراً في حياته، مشيرة إلى أن هذه اللحظات البسيطة تفتح أمام الطلاب آفاق الأمل وتغرس فيهم الثقة والانتماء. وأوضحت أن الوزارة رفعت هذا العام قيمة المكافأة التقديرية وأدخلت فئات جديدة لتكريم المعلمين، تأكيداً على تقدير الدولة لعطائهم المستمر.

واستعرضت الخاطر عدداً من البرامج التي تنفذها الوزارة لدعم المعلمين، من بينها برنامج 'قادة الابتكار' الذي يفتح آفاقاً جديدة لتجديد أساليب التعليم، وبرنامج 'بداية موفقة' الذي يدعم المعلمين الجدد في عامهم الأول.

وأوضحت أن الوزارة تعمل باستمرار على تبني أفضل الممارسات الدولية بما يتناسب مع السياق المحلي، مشيرة إلى أن أكثر من 20 ألف معلم ومعلمة استفادوا خلال العام الأكاديمي الماضي من برامج تدريبية متقدمة صُممت خصيصاً لتعزيز الكفاءة المهنية ورفع جودة الممارسات التعليمية.

المعلم حامل رسالة

ويقول د. أحمد الساعي، الخبير الأكاديمي بكلية التربية في جامعة قطر، إن المعلم في قطر 'ليس مجرد موظف يؤدي واجبه اليومي داخل الصفوف، بل هو حامل رسالة وطنية وأخلاقية، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بتنشئة أجيال واعية قادرة على حمل الأمانة ومواجهة تحديات العصر'.

ويضيف في حديثه لصحيفة 'الوطن القطرية' أن 'كل طالب يدخل الصف هو مشروع قائد أو باحث أو مفكر أو حتى رياضي متميز في المستقبل، ولذلك يعي المعلم تماماً أن مسؤوليته لا تقتصر على تدريس المنهج، بل تتعداه إلى غرس القيم الوطنية والأخلاقية في نفوس الطلبة، بما يتماشى مع هوية قطر ورسالتها'.

ويرى أن مهنة التعليم في قطر اليوم لم تعد تقليدية كما كانت في الماضي، بل أصبحت ميداناً للإبداع والتجديد، بفضل ما توفره الدولة من بيئات تعليمية حديثة وتقنيات رقمية تواكب التطور العالمي.

أما د. لطيفة شاهين النعيمي، أستاذة الهيدروجيولوجيا والبيئة في جامعة قطر، فقد رأت في مقال لها بصحيفة 'الراية' القطرية أن اختيار وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي شعار 'عطاءً يثمر أجيالاً' للاحتفال بهذا اليوم، 'ليس فقط اعترافاً بأن ما يقدمه المعلم ليس جهداً عابراً، بل استثمار ممتد في عمر الإنسانية كلها'.

وأضافت: 'في دولتنا الحبيبة قطر، يشكل الإنسان محور التنمية وغايتها، ويأتي تكريم المعلم انعكاساً لرؤية وطنية تستشرف المستقبل بعيون تربوية، فكل مشروع إصلاحي، وكل نهضة تنموية، تبدأ من معلم يقف أمام طلابه مفعماً بالإيمان برسالته، مدركاً أن ما يزرعه اليوم سيؤتي ثماره غداً في صورة جيل واعٍ، مبدع، وقادر على حمل راية الوطن'.

البعد الاجتماعي والثقافي

ويحمل يوم المعلم القطري أيضاً بعداً اجتماعياً وثقافياً، حيث يترسخ في الوعي العام أن المعلم هو القدوة التي تبني الأجيال. وتشارك الأسر والطلبة في الفعاليات المدرسية بتقديم رسائل شكر وعروض مسرحية وفنية تحتفي بدور المعلم، ما يحوّل المناسبة إلى حدث مجتمعي شامل يعزز قيمة التعليم في الحياة اليومية.

وارتبط يوم المعلم القطري باليوم العالمي للمعلم الذي أقرّته اليونسكو في 5 أكتوبر، لكن قطر أضافت له بعداً وطنياً خاصاً يعكس أولوياتها التعليمية.

ومع مرور السنوات، أصبح هذا اليوم تقليداً راسخاً تجدد من خلاله الدولة التزامها تجاه المعلمين. وتطور شكل الاحتفال من تكريم رمزي إلى منصة لإطلاق سياسات تعليمية جديدة وإعلان برامج دعم متقدمة.

وتؤكد قطر من خلال هذا اليوم أن المعلم ليس مجرد موظف في جهاز الدولة، بل هو شريك في صياغة مستقبل الوطن. ومن خلال الاستمرار في تطوير هذه المهنة، تضع الدولة أسساً لمجتمع قادر على مواكبة التغيرات العالمية والمساهمة في صناعة المعرفة.