من بدر إلى إخوته الثمانية.. حين يتحول البيت القطري إلى ثكنة للوطن

الدوحة - الخليج أونلاين (خاص)

في التاسع من سبتمبر، لم يكن استشهاد رجل الأمن القطري بدر سعد محمد الحميدي الدوسري مجرد خبر عابر في سجلات العدوان الإسرائيلي على المنطقة، بل لحظة فارقة اختصرت معاني الفداء والتضحية.

بدر، الذي استشهد وهو يؤدي واجبه في قلب العاصمة الدوحة خلال أول عدوان إسرائيلي مباشر على دولة قطر، لم يغادر وحده؛ فقد حمل معه قصة عائلة كاملة وذاكرة وطنية متجددة.

رمزية الاستشهاد

لم يكن استشهاد بدر، وهو من المنتسبين لجهاز الأمن الداخلي 'لخويا'، حدثاً فردياً؛ بل وقع في لحظة استثنائية امتزج فيها الدم القطري بالدم الفلسطيني على أرض قطر.

فقد تحوّل من رجل أمن يؤدي واجبه إلى رمز وطني يختصر معنى التضحية في مواجهة العدوان. بدمه سُجّل فصل جديد في تاريخ قطر، فصل عنوانه أن السيادة لا تُصان بلا ثمن.

عائلة عسكرية نادرة

في بيت الدوسري، يمتزج وجع الفقد بعزيمة البذل. ثمانية إخوة، سبعة منهم في الصفوف الأمامية لمؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية: من الحرس الأميري إلى القوات المسلحة، ومن وزارة الداخلية إلى القوات الخاصة، وصولاً إلى وزارة الخارجية حيث يلتقي العمل الدبلوماسي بالأمن، وحتى مؤسسة حمد الطبية التي تمثل خط الدفاع الصحي.

هذا التنوع لا يعكس فقط تعدد مواقع الخدمة، بل يجسد صورة لبيت تحوّل فعلياً إلى 'ثكنة وطنية'، حيث تتوزع مسؤوليات الأبناء على ميادين مختلفة، لكن وجهتها واحدة: الدفاع عن قطر.

الدلالة الوطنية

لم يكن استهداف الدوحة موجَّهاً للفلسطينيين وحدهم، بل كان رسالة بأن قطر نفسها دخلت في صلب الاستهداف مع آلة العدوان الإسرائيلي.

دم بدر امتزج بدماء الفلسطينيين ليؤكد أن المصير واحد، وأن العدوان لا يفرّق بين عربي وآخر.

من هنا، تحوّل الاستشهاد من واقعة فردية إلى رمز جماعي يجسد موقفاً قطرياً صلباً في معركة السيادة والأمن القومي.

القيمة الإنسانية

وراء البطولة مأساة إنسانية كبيرة. عائلة فقدت أحد أبنائها، لكنها ما زالت تقدّم سبعة آخرين في ميادين الخدمة.

مشهد الجنازة لم يكن عادياً: دموع الفقد اختلطت بفخر الانتماء، والرمزية الوطنية ارتفعت فوق الألم الشخصي.

في البيت الذي يقدّم أبناءه للوطن، تحوّل الحزن إلى رسالة صمود.

ومع أضواء الشهادة ووقعها في الذاكرة الوطنية، ثمة بيت فقد ضحكته اليومية وصوته الأليف، أمّ تخفي وجعها خلف صبر صامت حتى لا تضعف عزيمة إخوة سبعة ما زالوا يواصلون درب بدر، وأب يبحث في وجوه أبنائه عن ملامح الغائب، أما الإخوة، فكل واحد منهم يحمل جرحاً في قلبه، لكنه يحمله كالسيف، قوةً لا ضعفاً..

صوت العائلة

سعود الدوسري، شقيق الشهيد بدر، لخّص موقف العائلة قائلاً: 'كل ما نملك فداء للوطن، ودمنا كله للوطن. نحن فخورون بهذه الشهادة، صحيح أن الفقد صعب، لكن الشهادة أمنية يتمناها كل مسلم وكل عربي، ونحن نحمد الله على هذا القدر'.

وأضاف، في حديث لوسائل الاعلام عقب تشيع جثمان الشهيد: 'أخي بدر كان إنساناً محترماً وطيباً وخدوماً، باراً بوالديه ومحباً لإخوته. قدوته ستبقى فينا جميعاً. رحيله مؤلم، لكننا دائماً رهن الإشارة لأي شيء يمس الوطن. صحيح أن الأخ غالٍ، لكن الوطن أغلى. الأبناء يرحلون، لكن الوطن باقٍ'.

استشهاد بدر جمع وطنين في جرح واحد، ليعيد إلى الذاكرة أن معركة الكرامة لا تعرف حدوداً، وأن قطر صارت جزءا من السطر الطويل الذي بدأ من فلسطين وما زال يُكتب بدماء الأوفياء، كما يقول القطريون.

وتجدر الإشارة إلى أن الدوحة كانت تعرضت لعدوان إسرائيلي غير مسبوق استهدف اجتماع وفد 'حماس' المفاوض في العاصمة القطرية التي تدير وساطة لإنهاء العدوان على قطاع غزة، ما أسفر عن استشهاد الوكيل عريف بدر الدوسري وخمسة من مرافقي وفد 'حماس'، بينهم نجل رئيس الحركة في غزة خليل الحية، إضافة إلى إصابات في صفوف العناصر الأمنية القطرية.

وقد أثار هذا الاعتداء الإسرائيلي على قطر تنديدا عربياً ودولياً واسعاً اعتُبر القصف انتهاكاً خطيراً لسيادة دولة قطر وللقانون الدولي.