مركز إسطنبول المالي العالمي.. مفتاح جديد لاستثمارات الخليج في تركيا

سلمى حداد - الخليج أونلاين

ستبلغ نحو 50 مليار دولار حتى منتصف عام 2023، كما يرى خبراء.

قطر تحتل المركز الأول خليجياً وعلى المستوى العربي.

تواصل تركيا جهودها المكثفة لدعم اقتصادها في ظل أزمة التضخم والانهيارات التي واجهتها عملتها المحلية، خلال السنوات الماضية، متأثرة بجائحة كورونا والركود العالمي حالياً، وقبل ذلك بسلسلة التوترات بالمنطقة وجارتها سوريا.

وأحد أبرز معالم هذه الجهود التركية افتتاح رئيس البلاد رجب طيب أردوغان، في 17 أبريل 2023، مركز إسطنبول المالي، الذي يهدف إلى إنشاء مركز مالي يماثل أو يفوق المراكز الحالية القائمة بنيويورك ولندن ودبي.

وأضاف أردوغان في كلمة ألقاها، خلال مشاركته في حفل افتتاح المركز في الشق الآسيوي من المدينة: 'مركز إسطنبول المالي سيشكل منظومة جديدة متكاملة في إسطنبول ملتقى القارات الثلاث'.

وأوضح أردوغان أن مركز إسطنبول المالي سيدعم اقتصاد تركيا مع بدء المؤسسات المحلية والأجنبية بنشاطها، مؤكداً أن المركز مشروع استراتيجي ذو رؤية، وقيمته الحقيقية ستتجلى في السنوات المقبلة.

وبدأ مشروع مركز إسطنبول المالي عام 2009، بهدف جعل إسطنبول وجهة تنافسية للمؤسسات المالية الدولية والمستثمرين، إضافةً لدعم نمو الاقتصاد التركي، حيث صُمم المشروع على شكل 4 أقسام، وُظفت بها أحدث تقنيات المدن الذكية وخدمات إنترنت الأشياء الأكثر تطوراً وحداثة.

ويضم المركز مباني تابعة للمؤسسات الخاصة ومؤسسات التدقيق، إضافة إلى المباني التابعة للبنك المركزي التركي، والمقار الرئيسية للبنوك الحكومية التركية، مثل: 'زراعات' و'هالك' و'وقف'، فضلاً عن وكالة التنظيم والرقابة المصرفية (BDDK)، ومجلس أسواق رأس المال (SPK)، وعديد من مقار المنظمات والمؤسسات المالية.

وتبلغ مساحة المركز الإجمالية نحو 3.5 مليون متر مربع، موزعة على شكل مبانٍ مكتبية بمساحة 1.4 مليون متر مربع، ومركز تسوق بمساحة 100 ألف متر مربع، ومركز مؤتمرات يتسع لألفين و100 شخص، وقاعة أداء متعددة الأغراض، وفندق 5 نجوم، ومركز تعليم مالي، وموقف سيارات بسعة 26 ألف مركبة، بالإضافة إلى مناطق ترفيهية.

وجهة خليجية

وعلى الصعيد الخليجي فإن هذا المركز قد يكون بوابة جديدة لرفع الاستثمارات الخليجية داخل تركيا بعد التقارب الكبير بين الجانبين، خلال العامين الماضيين، خاصة فيما يتعلق بالسعودية والإمارات.

وكانت وكالة 'الأناضول' التركية قد نقلت عن رئيس مكتب التمويل في رئاسة الجمهورية التركية كوكسل آشان، أن مركز إسطنبول المالي الذي يمتلك موقعاً استراتيجياً مهماً في إسطنبول سيضطلع بدور مهم في مجال التمويل على الصعيدين الإقليمي والدولي.

وأضاف آشان، أواخر أكتوبر الماضي، أنه أجرى اجتماعات مختلفة مع مسؤولي التمويل في منطقة الخليج، مشيراً أن عدداً كبيراً من شركات التمويل في دول الخليج أعربت عن عزمها المشاركة في مركز إسطنبول المالي وافتتاح مكتب لها في هذا المركز.

ولعل ما يشجع على هذا المنطق هو المؤشرات التي تظهر دفعة قوية للعلاقات التجارية والاقتصادية بين الجانبين.

وحققت الصادرات التركية إلى الإمارات والسعودية قفزة لافتة، خلال الربع الأول من العام الجاري؛ خاصة بعد توقيع أنقرة اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة مع أبوظبي، وإجرائها محادثات مع الرياض لتعزيز العلاقات التجارية.

وبحسب ما ذكرت وكالة 'الأناضول'، في 24 أبريل 2023، فقد ازدادت الصادرات التركية للإمارات بمقدار 262 مليوناً و722 ألف دولار، في الربع الأول من 2023، على أساس سنوي.

وبلغت صادرات تركيا إلى الإمارات ملياراً و23 مليون دولار، بين يناير ومارس 2023.

كما ازدادت الصادرات التركية إلى السعودية بمقدار 541 مليوناً و906 آلاف دولار في نفس الفترة، لتصل إلى 611 مليوناً و816 ألف دولار.

وحلت السعودية بذلك في المركز الثاني من بين البلدان التي زادت إليها الصادرات التركية بشكل أكبر، خلال الربع الأول، فيما جاءت الإمارات في المركز الرابع.

وأصبحت الإمارات في المركز الـ13، والسعودية في المركز الـ21 بين البلدان الأكثر استيراداً للمنتجات التركية؛ حيث بلغت حصة الأولى من إجمالي صادرات تركيا 1.7%، والثانية 1% خلال الفترة المذكورة.

استثمارات سعودية

هذا المؤشر التجاري يدعمه مؤشر استثماري أعلنه وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح، في ديسمبر الماضي، إذ قال في تصريحات صحفية له آنذاك إن بلاده تسعى لاستثمار 3.3 تريليونات دولار في مشاريع مختلفة ضمن رؤية مستقبلية تمتد حتى عام 2030.

وأضاف أن السعودية ترغب في توزيع هذه الاستثمارات على جميع المجالات، وفي مقدمتها قطاع الصناعات التحويلية.

وأشار إلى أن المملكة تنظر إلى تركيا ضمن أبرز الوجهات الاستثمارية، داعياً الشركات التركية للاستثمار في بلاده.

وتابع: 'مجال الصناعات التحويلية قوي في تركيا، فهو قريب جغرافياً من السعودية، وقريب من الأسواق المحورية كأوروبا، ويمكننا تعزيز تعاوننا الاقتصادي بالتعاون في مجالات الطاقة والتكنولوجيا ورأس المال، ويبرز أمامنا أيضاً الغذاء والصناعات المعدنية والتعدين كمجالات استثمارية'.

واعتبر الفالح أن تركيا والسعودية تمثلان أكبر اقتصادين في المنطقة، وتعملان على تطوير العلاقات الاستثمارية المتنامية بينهما.

وارتفع عدد الشركات السعودية العاملة في تركيا إلى أكثر من 1100 شركة، مع نهاية العام الماضي، بزيادة هائلة مقارنة بما كانت عليه خلال عام 2011، حيث بلغ العدد -وقتها- 11 شركة سعودية فقط.

توسع إماراتي بسوق تركيا

أما على صعيد الإمارات فقد وقعت الدولتان، في مارس الماضي، اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بهدف تعزيز التجارة والاستثمارات المتبادلة بينهما، وهو ما يجعل مركز إسطنبول المالي فرصة جديدة لتحقيق الهدف.

ووفقاً لوكالة أنباء الإمارات، تحظى تركيا بأكثر من 3% من حجم التجارة الخارجية غير النفطية لدولة الإمارات، وتأتي في المرتبة السابعة لأكبر شركائها التجاريين.

كما بلغ حجم الاستثمارات الإماراتية في تركيا أكثر من 18.3 مليار درهم (4.9 مليارات دولار) بنهاية عام 2020، فيما بلغت قيمة الاستثمارات التركية في الإمارات 1.1 مليار درهم (299 مليون دولار) بنهاية عام 2019.

وفي نوفمبر 2021، أسست الإمارات صندوقاً بقيمة 36.73 مليار درهم (10 مليارات دولار) لدعم الاستثمارات في تركيا.

قطر بالمركز الأول

وإضافة للسعودية والإمارات، فإن قطر توصف بأنها بوابة الاستثمارات الخليجية والعربية بتركيا، طوال السنوات الماضية.

وفي ظل المحاولات التركية لاستقطاب مزيد من الاستثمارات، ستواصل الدوحة تقدمها بهذا الجانب، كما يرى مراقبون.

وفي ديسمبر الماضي، قال رئيس مكتب الاستثمار التابع للرئاسة التركية أحمد بوراك داغلي أوغلو، إن قطر من أكبر المستثمرين في بلاده.

وأوضح أن رصيدها من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في تركيا وصل إلى نحو 10.3 مليارات دولار، في نهاية العام 2021.

وأشار إلى أن هناك تدفقات بنحو 3 مليارات دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة الوافدة من قطر إلى تركيا، حتى نهاية يونيو الماضي.

ولفت إلى أن إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة من دول الخليج في تركيا بلغ قرابة 12 مليار دولار من عام 2003 إلى منتصف 2021.

مزيد من الاستثمار الخليجي

وحول توسع استثمارات دول الخليج في تركيا قالت صحيفة 'يني شفق' التركية بتقرير نشرته، في يناير الماضي، إن العديد من رجال الأعمال الخليجيين يستعدون للاستثمار في مشاريع على الأراضي التركية.

ويقدّر خبراء اقتصاديون أن حجم الاستثمارات الخليجية المتوقّعة في تركيا سيبلغ نحو 50 مليار دولار، منتصف عام 2023، وفق الصحيفة.

وفي هذا الشأن يقول الخبير الاقتصادي المتخصص بشؤون الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا نصوح أوزدمير إسطنبولي: إن 'العديد من الدول، ومن ضمنها قطر والكويت والمملكة العربية السعودية، لديها خطط استثمارية كبيرة في تركيا'.

وأضاف إسطنبولي أن 'الأخبار الإيجابية بدأت تأتي من شركائنا التجاريين في المنطقة، العديد من رجال الأعمال، وخاصةً من دول الخليج، يتصلون بي ويريدون الاستثمار في تركيا'.

وتابع: 'نحن كخبراء استثمار نقدّر أن حجم الاستثمار الذي سيدخل بلادنا من دول الخليج، حتى منتصف عام 2023، سيكون بين 40 و50 مليار دولار'.

ورأى أن 'هذه التوقعات ستكون على مستوى الشركات والدول'، حسب ما نقلت الصحيفة التركية.