الاستثمارات القطرية الخارجية في الطاقة.. تنويع للمصادر وترسيخ للريادة

عمر محمود – الدوحة – الخليج أونلاين

رجل الأعمال القطري أحمد الكواري:

تنوع المصادر الطاقة يرسخ موقع قطر كفاعل رئيسي في مشهد الطاقة العالمي

الكاتب المتخصص في قطاع الطاقة شوقي مهدي:

الدوحة تسعى إلى أداء دور قيادي في ضمان أمن الطاقة العالمي.

بينما يمر مشهد الطاقة العالمي بتحولات جذرية، تتجه الأنظار إلى دولة قطر بوصفها لاعباً محورياً في مستقبل الطاقة العالمي، ليس فقط من خلال احتياطاتها الضخمة من الغاز الطبيعي، بل أيضاً عبر حضورها المتزايد في مشاريع الطاقة حول العالم.

التوسع القطري في مختلف قارات العالم يندرج تحت استراتيجية شركة 'قطر للطاقة'، التي تهدف إلى تنويع مصادر الدخل، وضمان أمن الإمدادات، وتحقيق الاستدامة البيئية والاقتصادية.

ومع تزايد الطلب العالمي على الطاقة، ولا سيما الغاز الطبيعي بوصفه وقوداً نظيفاً منخفض الكربون، تبرز أهمية الاستثمارات الخارجية القطرية كأداة لتعزيز حضور الدوحة في مستقبل سوق الطاقة العالمي، وتحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي والالتزامات المناخية.

وتهدف 'قطر للطاقة' إلى تداول 30-40 مليون طن من الغازالطبيعي المسال غير القطري بحلول 2030، حيث تتداول حالياً نحو 10 ملايين طن.

أمريكا

من أبرز المحطات الاستثمارية القطرية مشروع 'غولدن باس' للغاز الطبيعي المسال في ولاية تكساس الأمريكية، الذي تمتلك فيه 'قطر للطاقة' حصة تبلغ 70% بالشراكة مع 'إكسون موبيل'، ومن المنتظر أن يبدأ المشروع التشغيل التجاري الكامل في عام 2025، بطاقة إنتاجية تصل إلى 18 مليون طن سنوياً، ما يجعله من أهم مشاريع تصدير الغاز عالمياً.

وفي أوروبا أبرمت قطر اتفاقيات تاريخية مع ألمانيا، أبرزها عقد طويل الأجل عام 2022 لتوريد الغاز بكمية تبلغ مليوني طن سنوياً، في سياق استجابة لأزمة الطاقة بعد الحرب في أوكرانيا، كما جرى توقيع اتفاق مماثل مع إيطاليا في 2023 لتوريد 1.5 مليون طن سنوياً لمدة 27 عاماً في إطار دعم أمن الطاقة الأوروبي.

A post shared by الخليج أونلاين (@alkhaleejonline)

آسيا

واتجهت قطر أيضاً نحو توسيع شراكاتها في آسيا، من خلال توقيع أكبر صفقة لتوريد الغاز الطبيعي المسال في التاريخ مع الصين، وقد شملت الاتفاقيات مع شركتي 'Sinopec' و'CNPC' توريد أكثر من 4 ملايين طن سنوياً لمدة 27 عاماً، كما جدد عقد الغاز مع الهند في 2024 مع شركة 'Petronet LNG' بكمية 7.5 مليون طن سنوياً، مما يعزز من عمق العلاقات الطاقية القطرية الآسيوية.

أفريقيا والمتوسط

في أفريقيا عززت 'قطر للطاقة' وجودها الاستكشافي في عدد من الدول، أبرزها ناميبيا، حيث تشارك في مشاريع بحرية عميقة مع شركة 'توتال' بنسبة تصل إلى 45%، في منطقة تُعد من أكثر المناطق الواعدة في القارة. وفي مصر دخلت الشركة القطرية في استكشافات بحرية في البحر المتوسط بالشراكة مع 'إكسون موبيل' بحصة تصل إلى 40%.

أما في لبنان فقد انضمت قطر في عام 2023 إلى الكونسورتيوم الذي يضم شركتي 'توتال إنرجيز' الفرنسية و'إيني' الإيطالية لاستكشاف الغاز في 'البلوك 9' البحري، ما يمثل أول دخول مباشر للدوحة في قطاع الطاقة اللبناني.

الجزائر

وفي تطور مهم على صعيد الاستثمارات في المغرب العربي، أعلنت قطر مؤخراً استثماراً ضخماً في قطاع الطاقة الجزائري، بالتعاون مع شركة 'سوناطراك'، يشمل تطوير حقل للغاز الطبيعي واستكشافات جديدة، حيث تشير التقديرات الأولية إلى وجود احتياطيات تجارية كبيرة.

خيار استراتيجي

وأكد رجل الأعمال القطري أحمد بن غيث الكواري أن استثمارات بلاده في قطاع الطاقة خارج حدود الدولة تمثل خياراً استراتيجياً بعيد المدى، ليس فقط على المستوى الاقتصادي، بل أيضاً على مستوى تعزيز الحضور في سوق الطاقة انسجاماً مع الاستراتيجية الوطنية للطاقة في قطر.

وبين الكواري، الذي تحدث لـ 'الخليج أونلاين'، أن الجدوى الاقتصادية لهذه الاستثمارات تتجلى في قدرتها على تعزيز العوائد المستدامة وتقليل الاعتماد على السوق المحلي، ما يضمن تنويع مصادر الدخل للبلاد ويعزز من متانة الاقتصاد القطري في مواجهة تقلبات السوق العالمية.

وأوضح أن هذه التوجهات تتناغم مع أهداف قطر في تحقيق الاستدامة والمرونة والتوسع الدولي، عبر امتلاك حصص سوقية في الأسواق الناشئة والمتقدمة، والاستفادة من أحدث التقنيات في الإنتاج والنقل، فضلاً عن تعزيز استقرار سلاسل الإمداد العالمية للطاقة.

ويضيف الكواري أن تنوع الاستثمارات الخارجية القطرية -من مشاريع الغاز الطبيعي المسال (LNG) إلى البتروكيماويات والبنية التحتية في آسيا، وأوروبا، وأفريقيا– يعكس رؤية استراتيجية متعددة الأبعاد.

كما يشير إلى أن هذا التنوع لا يعزز فقط الصدارة القطرية في قطاع الطاقة، بل يرسخ كذلك موقع قطر كفاعل رئيسي في مشهد الطاقة العالمي، ويمكنها من ممارسة دبلوماسية طاقة مؤثرة تفتح آفاق شراكات وتحالفات جديدة، تجعل من 'قطر للطاقة' شريكاً لا غنى عنه في مستقبل الطاقة.

وعن آفاق الاستثمار المستقبلي في ظل التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة، أوضح الكواري أن قطر تنظر إلى هذا التحول باعتباره فرصة تكاملية لا تهديداً تنافرياً، مشيراً إلى أن الغاز الطبيعي، بصفته أنظف أنواع الوقود الأحفوري، سيظل يؤدي دوراً محورياً كوقود انتقالي خلال العقود المقبلة.

وقال إن من المرجح أن تتجه الاستثمارات القطرية المقبلة نحو مشاريع الغاز منخفض الانبعاثات، والهيدروجين الأزرق والأخضر، والتقنيات النظيفة مثل احتجاز الكربون (CCUS)، إضافة إلى توسيع الحضور القطري في مشاريع الطاقة الشمسية والرياح، عبر شراكات دولية وذراع استثمارية متمكنة.

ويشدد الكواري على أن الاستثمارات الخارجية القطرية في الطاقة ليست مجرد أداة لتعظيم الربحية، بل ركيزة استراتيجية لتعزيز المكانة الدولية لقطر وتأمين مستقبلها الطاقي في عالم يشهد تحولات كبرى في المشهد الجيوسياسي والاقتصادي للطاقة.

شريك بمنظومة الطاقة العالمية

بدوره يؤكد الكاتب المتخصص في قطاع الطاقة شوقي مهدي أن قطر تنتهج استراتيجية واضحة في توسيع استثماراتها الخارجية في قطاع الطاقة، موضحاً أن هذه الرؤية تنسجم مع سعي الدوحة إلى أداء دور قيادي في ضمان أمن الطاقة العالمي.

وأضاف مهدي في حديثه لـ 'الخليج أونلاين' أن قطر 'لا تكتفي بدورها كمصدر رائد للطاقة، بل تعمل على تنويع محفظة استثماراتها إقليمياً ودولياً، ما يجعلها شريكاً فاعلاً في منظومة الطاقة العالمية'.

ويلفت إلى ما أكده مؤخراً وزير الدولة لشؤون الطاقة سعد شريدة الكعبي خلال جلسة حوارية بمنتدى قطر الاقتصادي، حين شدد على ضرورة مواصلة الاستثمار في مشاريع الطاقة لضمان الاستقرار السعري والإنتاجي، وتلبية الطلب المتزايد عالمياً على مصادر الطاقة، لا سيما في ظل التحولات الحالية.

وأشار مهدي إلى أن هذه الاستثمارات تحقق أربع ركائز أساسية في استراتيجية 'قطر للطاقة':

وختم مهدي حديثه بالإشارة إلى أن هذه الاستثمارات، بالرغم من التحديات العالمية –وعلى رأسها أزمة كورونا– ظلت متسارعة وثابتة، وارتكزت على استراتيجية استباقية شملت تعزيز البنية التحتية، إنشاء محطات الإسالة والتخزين، والاستثمار في موانئ رئيسية تخدم سلاسل الإمداد للطاقة.