غزة كشفت الكثير.. ماذا يعني انهيار "قيم" المنظمات الإنسانية الدولية؟

كامل جميل - الخليج أونلاين

برنامج الأغذية العالمي: الناس في القطاع سيكونون أكثر عرضة لانتشار الأمراض على نطاق أوسع.

اليونسكو: ندعو لحماية التعليم والتراث الثقافي والصحفيين من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

اليونيسف: أكثر من 4600 طفل قتلوا في غزة، وأصيب قرابة 9 آلاف آخرين والعديد من الأطفال تحت أنقاض المباني المدمرة.

لم يعد لجمعية الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية التابعة لها أي دور في الأزمات الكبرى، إن كانت 'إسرائيل' أحد طرفي صراع مهما تسببت فيه من بشاعة تطال كل شيء حتى الأطفال والرضع.

ذلك ما كشفت عنه الحرب البشعة التي يعيشها قطاع غزة وسكانه منذ 7 أكتوبر الماضي، وبدا أن الاعتقاد بأن تؤدي المنظمات الإنسانية الدولية دوراً للجم الاعتداءات على حقوق البشر، خيالاً لا واقع له وأن ما كانت تطلقه تلك المنظمات ليس سوى شعارات.

معرفة عدد الوفيات والإصابات بين صفوف السكان في قطاع غزة لم يعد ممكناً، حيث قالت وزارة الصحة، يوم الأربعاء (15 نوفمبر الجاري)، إنها تواجه لليوم الرابع على التوالي تحديات في تحديث أعداد الضحايا بسبب انهيار الخدمات والاتصالات في مستشفيات الشمال.

لكن بيانات وزارة الصحة تظهر ارتفاع عدد الشهداء في غزة منذ بداية الحرب إلى 11 ألفاً و500، بينهم 4710 أطفال و3160 امرأة، وإصابة 29 ألفاً و800.

مأساة غزة

مجرد مشاهدة الصور ومقاطع الفيديو التابعة لغزة، بما فيها لأحياء سكنية وبنى تحتية ومستشفيات ومدراس وغيرها من المؤسسات المدنية؛ يعطي فكرة أن هذه المدينة المكتظة بالسكان تعرضت لهجوم نووي كبير.

الدمار يحيط بكل شيء، ولم يعد من بين السكان البالغ عدد نفوسهم أكثر من مليوني نسمة سوى أقل من 30% يعيشون في منازلهم، فالبقية تحولوا إلى لاجئين في مراكز إيواء داخل القطاع غالبيتها من الخيم.

قوات الاحتلال التي توجه قصفاً عنيفاً مستمراً على القطاع منذ 7 أكتوبر الماضي، منعت وجود كل ما من شأنه أن يعطي زخماً للحياة؛ فلا كهرباء ولا ماء ولا طعام ولا وقود ولا علاجات ولا أدوية.

المعبر الوحيد الذي يربط غزة بالعالم، وهو 'رفح' المرتبط بجمهورية مصر، تتكدس في خارجه على الجانب المصري كميات هائلة من المساعدات الإنسانية والغذائية والطبية، التي قدمتها العديد من الدول، لكن وفق ما تؤكد القاهرة، فإن المعبر مفتوح من الجانب المصري، لكن 'إسرائيل' هي من تسيطر عليه وتمنع دخول المساعدات، رغم أنها تدخل بإشراف الأمم المتحدة.

ذلك يؤكد أن 'تل أبيب' تخنق سكان القطاع؛ فمن جانب يوجه الجيش الإسرائيلي قصفاً مميتاً وبشعاً للسكان، ومن جانب آخر يمنع دخول ما يبقيه على قيد الحياة.

في مقابل كل هذا التجاوز على القوانين والقرارات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، ليست هناك ضغوط دولية تجبر 'إسرائيل' على وقف الحرب أو فتح المعبر لوصول المساعدات الإنسانية للسكان، فلا أحد يستمع لمناشدات الأمم المتحدة ولا قرارات جمعيتها.

المنظمات الإنسانية تدعو لنجدة لغزة

المنظمات الإنسانية الدولية المنبثقة من الأمم المتحدة، رغم تسليطها الضوء على بشاعة المجازر التي ترتكبها قوت الاحتلال في غزة، لكن بدا تأثيرها ضعيفاً ولا يتجاوز بث أخبار ونتائج ما يجري في غزة.

برنامج الأغذية العالمي، الذي يعدّ أحد البرامج الإنسانية التابعة لجمعية الأمم المتحدة، أكد أن الأنظمة الغذائية في قطاع غزة تنهار، بحسب متحدثة البرنامج الأممي عليا زكي، في تصريحات لخدمة 'أخبار الأمم المتحدة' مساء الأربعاء (15 نوفمبر 2023).

قالت عليا زكي إن الناس في القطاع سيكونون أكثر عرضة لانتشار الأمراض على نطاق أوسع؛ لأن جهازهم المناعي سيضعف؛ لأنهم لا يتناولون ما يكفي من الغذاء.

وأوضحت أن المواد الغذائية التي تدخل عبر معبر رفح البري مع مصر في الوقت الحالي لا تشكل سوى 10% من الاحتياجات الغذائية لجميع سكان قطاع غزة، وهم 2.2 مليون شخص، وجميعهم يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية.

في شأن متصل، قالت المديرة التنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة 'يونيسف'، كاثرين راسل، في بيان أصدرته (الأربعاء 15 نوفمبر 2023) عقب زيارتها لغزة: إن 'ما رأيته وسمعته مفجع، إنهم يعانون من القصف المستمر والإصابات والنزوح، ولا مكان آمناً في القطاع لعودة أطفال غزة'.

وأكدت راسل أن أكثر من 4600 طفل قتلوا في غزة، وأصيب قرابة 9 آلاف آخرين، فضلاً عن وجود العديد من الأطفال تحت أنقاض المباني المدمرة نتيجة القصف.

وأضافت: 'في الوقت نفسه، توفي أطفال حديثو الولادة كانوا بحاجة إلى رعاية خاصة، نتيجة انقطاع الكهرباء ونفاد الموارد الطبية في أحد مستشفيات غزة'.

أما 'منظمة الصحة العالمية' فقالت، في بيان أصدرته الثلاثاء (14 نوفمبر 2023)، إن أكثر من نصف المستشفيات في قطاع غزة خارجة عن الخدمة بسبب شح الوقود والهجمات الإسرائيلية والبيئة غير الآمنة.

وأوضحت أن 22 مستشفى من أصل 36 في غزة خرجت عن الخدمة، وأن المتبقي منها لا تتوفر فيها المستلزمات الطبية لمواصلة العمليات الجراحية الحرجة وتوفير العناية المركزة؛ 'بسبب شحّ الوقود والهجمات والأجواء غير الآمنة'.

وفي حين طالبت بوقف إطلاق نار فوري، وتوفير الخدمات الصحية والحماية للمدنيين، واحترام القانون الإنساني الدولي، ارتفع عدد المستشفيات التي خرجت من الخدمة إلى 25 في اليوم التالي.

لا شك أن القصف العنيف لم يستثن القطاع التعليمي في غزة الذي نال حصته من الخراب والتدمير، وهو ما دعا المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) إلى اعتماد مشروع قرار قدمته مجموعة من الدول العربية، من بينها دولة قطر، لحماية التعليم والتراث الثقافي والصحفيين من العدوان الإسرائيلي على القطاع.

ودعا القرار، الذي اعتمد خلال أعمال الدورة الـ(42) للمؤتمر العام لليونسكو، التي تعقد من 7 إلى 22 نوفمبر الجاري بمقر المنظمة في باريس، إلى احترام قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2601 لعام 2021 'لحماية التعليم من الهجمات'.

ذلك كله دعا الشيخة موزا بنت ناصر، والدة أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، لأن تعتذر عن دورها بصفة سفيرة لليونسكو للنوايا الحسنة (16 نوفمبر)؛ بسبب عجز المنظمة عن أداء دورها في غزة التي تواجه تصعيداً إسرائيلياً.

وقالت 'الجزيرة نت'، نقلاً عن مصادر لم تسمها: إن 'الاعتذار يأتي بعد أن فشلت اليونسكو في الاضطلاع بدورها في دعم وإنقاذ وإغاثة أطفال غزة الذين هم أكثر ضحايا القصف الإسرائيلي المتواصل على القطاع'، وهو الموقف الذي عبرت عنه خلال مشاركتها في قمة عقيلات قادة الدول في إسطنبول.

ارتهان للسياسة الدولية

المحلل السياسي الفلسطيني شرحبيل الغريب، أكد أن هذه الحرب 'كشفت سوءة المنظمات الدولية التي تنادي دوماً بشعارات رنانة بعيدة كل البعد عن الدور الحقيقي لها في نصرة المظلومين والوقوف موقف الإنسانية تجاه القتل الممنهج الذي تقوم به 'إسرائيل' في قطاع غزة'.

وأوضح، في حديثه لـ'الخليج أونلاين'، أن 'انهيار قيم المنظمات الإنسانية الدولية يكشف ارتهان هذه المنظمات للسياسة الدولية والتغافل المقصود عن إدانة الجلاد والوقوف مع الضحية'.

ورأى أن ما قامت به والدة أمير قطر 'هو موقف عربي ينم عن أصالة قطر ورفضها لكل أشكال الجرائم التي ترتكب بغطاء أمريكي، وتسجل فيها موقفاً شجاعاً ضد سياسة المنظمات الدولية في وقت باتت فيه هذه المنظمات إما منحازة إلى رغبات الدول الغربية أو واقعة تحت تأثير الضغوط الأمريكية والدولية إرضاءً لإسرائيل'.

ويعتقد الغريب أن 'الخطوة التي قامت بها الشيخة موزا ستشجع كل الأحرار في العالم ممثلي الهيئات والمؤسسات الدولية للتعبير عن مواقفهم بجرأة دون الاستسلام لكل ما يصدر من مواقف، ومن جانب آخر ستكشف عجز وتواطؤ هذه المنظمات في عدم انحيازها لمن يقعون ضحية لجرائم الإبادة الجماعية بسلاح أمريكي إسرائيلي وصمت وعجز عربي غير مسبوق'.