اخبار قطر
موقع كل يوم -الخليج أونلاين
نشر بتاريخ: ٣ أيلول ٢٠٢٥
عمر محمود – الدوحة - الخليج أونلاين
قطر رسخت صورتها لاعباً دبلوماسياً حاضراً في أكثر الملفات تعقيداً بالعالم.
أصبت عملاقاً عالمياً في سوق الغاز الطبيعي المسال عبر مشاريع توسعية تاريخية.
أربعة وخمسون عاماً من الاستقلال شكلت رحلة طموحة لبناء دولة قطر الحديثة، والكبيرة بحضورها السياسي والاقتصادي.
فقد رسخت الدوحة صورتها لاعباً دبلوماسياً حاضراً في أكثر الملفات تعقيداً بالعالم، وفي الوقت ذاته تحولت إلى عملاق عالمي في سوق الغاز الطبيعي المسال عبر مشاريع توسعية تاريخية.
هذا فضلاً عن تنظيمها بطولة كأس العالم لأول مرة في الشرق الأوسط عام 2022، وما رافقها من طفرة في البنية التحتية عززت اقتصادها ووسعت آفاق تنويع مصادره.
دبلوماسية الوساطة
اليوم تُعرف الدوحة بـ 'عاصمة الوساطة' في الشرق الأوسط، بعدما نجحت في أن تكون قناة اتصال موثوقة بين أطراف يصعب جمعها على طاولة واحدة، فمن غزة إلى كابل مروراً ببيروت وطهران، حضرت قطر كفاعل أساسي في مسارات تفاوض حساسة.
ففي الحرب على غزة المستمرة منذ 2023، أدت، بالتنسيق مع مصر والولايات المتحدة، دوراً محورياً في مفاوضات الهدنة وتبادل الأسرى، لتغدو طرفاً لا يمكن تجاوزه في أي صيغة تسوية.
أما في لبنان فقد ترافق الحضور القطري مع اتساع التوتر على الحدود مع 'إسرائيل'، لتعمل الدوحة ضمن جهود خليجية لاحتواء التصعيد، وعلى خط واشنطن – طهران برزت وسيطاً نادراًحين رعت صفقة تبادل السجناء عام 2023.
كل ذلك الدور الدبلوماسي المحوري للدوحة جعل الدبلوماسية القطرية أكثر من مجرد سياسة خارجية، بل أداة قوة ناعمة تمنح الدولة وزناً يفوق مساحتها وحدودها.
الغاز وحقل الشمال
كما ارتبط اسم قطر اقتصادياً بالغاز الطبيعي المسال، الذي يشكل العمود الفقري لاقتصادها وأداة قوتها المالية والسياسية، ومع توسعة حقل الشمال الشرقي والجنوبي، ثم الإعلان عن مشروع حقل الشمال الغربي، تستعد الدوحة لرفع قدرتها الإنتاجية من 77 مليون طن سنوياً إلى نحو 142 مليون طن بحلول عام 2030.
هذه القفزة غير المسبوقة في الإنتاج تعني أن قطر ستواصل تصدرها لمنتجي الغاز المسال على مستوى العالم لعقود مقبلة، ما يعزز موقعها كركيزة لا غنى عنها في منظومة أمن الطاقة العالمي.
إرث كأس العالم
وشكّل تنظيم كأس العالم لكرة القدم 2022 محطة فارقة في تاريخ قطر الحديث، ليس بوصفه حدثاً رياضياً عالمياً فحسب، بل باعتباره نقطة تحول في مسيرة البنية التحتية والتخطيط الحضري.
فقد ترك المونديال إرثاً ملموساً يتجسد في شبكة مترو عصرية، وتوسعة مطار حمد الدولي الذي يستقبل عشرات الملايين من المسافرين سنوياً، إلى جانب الملاعب التي أعيد توظيفها لتستضيف فعاليات رياضية وثقافية متنوعة.
كما عززت البطولة صورة قطر كوجهة سياحية صاعدة، إذ تجاوز عدد الزوار في النصف الأول من عام 2025 نحو 2.6 مليون سائح، ما يعكس نجاح الدولة في استثمار الحدث العالمي لبناء قطاع سياحي نشط ومستدام.
رؤية قطر 2030
ولم تغفل الحكومة القطرية المجتمع ومؤسساته وأفراده من خلال إطلاق استراتيجيات متتالية ضمن إطار رؤية قطر الوطنية 2030، والتي تركز على تنمية رأس المال البشري والخدمات الأساسية.
كما سجلت قطر مستويات مرتفعة جداً على مؤشر التنمية البشرية، فيما يصل متوسط العمر المتوقع إلى أكثر من 80 عاماً، ما يعكس تطور النظام الصحي.
وتستثمر الحكومة في التعليم والبحث العلمي عبر مؤسسات مثل 'واحة العلوم والتكنولوجيا' و'مؤسسة قطر'، وفي الوقت نفسه تتخذ الدوحة خطوات لافتة في مجال تنمية قدرات القوى العاملة الوطنية إلى جانب إصلاح قوانين العمل، أبرزها تطبيق حد أدنى للأجور غير تمييزي، وتسهيل تنقل العمالة، بالتعاون مع منظمة العمل الدولية.
تنمية شاملة
رئيس تحرير جريدة 'الوطن' القطرية، محمد حجي، يؤكد أن 'مسيرة بناء دولة قطر على مدى أربعة وخمسين عاماً منذ الاستقلال، اعتمدت على تنمية شاملة طالت مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والرياضية والاجتماعية'.
ويوضح حجي في حديثه لـ 'الخليج أونلاين':
- الدوحة على الصعيد السياسي لم تنخرط في سياسة المحاور، بل اختارت أن تكون جسراً للتواصل، وهو ما منحها المصداقية لتصبح وسيطاً مقبولاً في قضايا معقدة على مستوى العالم.
- النهج الذي تبنته الدولة جعل من الوساطة القطرية أداة فاعلة للقوة الناعمة، تعكس حضوراً يتجاوز حدودها الجغرافية.
- الغاز لم يكن مجرد مصدر للثروة، بل شكل ركيزة لتعزيز استقلالية القرار الوطني.
- التوسعات الجارية في حقل الشمال والتي سترفع إنتاج الغاز المسال إلى أكثر من 140 مليون طن سنوياً بحلول عام 2030، لا تعكس فقط قوة اقتصادية متنامية، بل ترسخ أيضاً مكانة قطر كطرف لا يمكن تجاوزه في معادلات أمن الطاقة العالمي، وهو ما ينعكس بطبيعة الحال على استقلالها السياسي ودورها الدبلوماسي.
- 'رؤية قطر الوطنية 2030' تمثل امتداداً طبيعياً لمسيرة بدأت منذ لحظة الاستقلال، حين وضعت الدولة بناء الإنسان والمؤسسات في صدارة أولوياتها.
- تنظيم كأس العالم 2022 شكّل محطة بارزة جسدت قدرة قطر على تطوير بنية تحتية حديثة، وتعزيز صورتها كدولة عصرية قادرة على استضافة أكبر الفعاليات العالمية.
- قطر نجحت في تحويل المونديال إلى إرث سياحي وتنموي طويل الأمد، وربطه برؤية شاملة لتنويع الاقتصاد والاستثمار في التعليم والصحة والبحث العلمي، بما يعكس مسيرة بناء مستمرة لدولة حديثة، قوية ومستقلة.
إنجازات وتحديات
54 عاماً بعد الاستقلال تقف قطر أمام مزيج من الإنجازات والتحديات، فهي رسخت موقعها كوسيط دبلوماسي لا غنى عنه، وكقوة اقتصادية مهيمنة بسوق الغاز لعقود مقبلة، كما نجحت في تحويل حدث كأس العالم إلى رافعة اقتصادية وتنموية.
ولكن التحدي الأبرز يبقى في تنويع الاقتصاد وتوسيع قاعدة الإنتاج بعيداً عن الطاقة، وهو مسار تعمل عليه الدوحة بخطى محسوبة بهدف بناء دولة مزدهرة ومستدامة حتى ما بعد 2030.