آخرها إيراني أمريكي.. كيف عززت قطر مكانتها العالمية باتفاقات تاريخية؟

كمال السلامي - الخليج أونلاين

الإفراج عن 5 أمريكيين كانوا محتجزين لدى طهران مقابل 5 إيرانيين كانوا محتجزين لدى أمريكا، إلى جانب الإفراج عن 6 مليارات دولار من أموال إيران.

في فبراير 2020، أشرفت قطر على توقيع اتفاق تاريخي بين الولايات المتحدة وحركة طالبان الأفغانية.

يمثل اتفاق تبادل المحتجزين بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران محطة مهمة في مسار العلاقات المعقدة بين البلدين منذ 40 عاماً، لكنه أيضاً يمثل تأكيداً إضافياً لمكانة قطر ومحوريّتها في السياسة الدولية.

فبعد جهود قادتها الدوحة، طوال العامين الماضيين، أقلت طائرة قطرية، يوم 18 سبتمبر 2023، خمسة سجناء أمريكيين من طهران إلى الدوحة، قبل أن يتوجهوا إلى الولايات المتحدة، في مقابل إفراج واشنطن عن خمسة سجناء إيرانيين، نُقل اثنان منهم إلى طهران، إضافة إلى الإفراج عن 6 مليارات دولار، من أموال طهران المجمدة لدى كوريا الجنوبية، ونقلها إلى مصارف قطر.

هذا التطور الذي رعته قطر أثبت، وفق مراقبين، جدارة الدوحة كوسيط موثوق في أكثر الملفات تعقيداً على الصعيد العالمي، وليس الاتفاق التاريخي بين طالبان وواشنطن، أواخر فبراير 2020، ببعيد عن اتفاق اليوم.

فكيف نجحت قطر في كسب ثقة الفرقاء على الساحة الدولية، وهل يمكن أن يقود الاتفاق الأخير لدور قطري محوري يطوي أزمة الاتفاق النووي بين واشنطن وطهران؟

قيادة إقليمية

اتفاق تبادل المحتجزين بين الولايات المتحدة وإيران، الذي دخل حيز التنفيذ جاء في أعقاب مفاوضات رعتها قطر منذ عامين، وسط آمال بأن يمهد لتفاهمات أوسع بين الجانبين، برعاية قطر.

الرئيس الأمريكي أشاد بدور أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وسلطان عُمان هيثم بن طارق، لمساعدتهما في تسهيل اتفاق تبادل السجناء مع طهران.

كذلك ثمن وزير خارجية أمريكا أنتوني بلينكن، دور قطر في تسهيل الاتفاق، وسفير أمريكا لدى قطر تيمي ديفيس، الذي قال إن مساهمة الدوحة في الإفراج عن الأمريكيين مثال على 'قيادة قطر الإقليمية'.

الاتحاد الأوروبي على لسان مفوض السياسة الخارجية في الاتحاد جوزيب بوريل، رحب بشدة باتفاق تبادل السجناء بين الولايات المتحدة وإيران، الأمر الذي يعكس حجم الدور الكبير الذي أدته الدوحة في حلحلة هذا الملف الشائك.

الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي قال إن إفراج بلاده عن خمسة أمريكيين 'كان عملاً إنسانياً بحتاً'، مؤكداً وفق وكالة 'رويترز'، أن المحتجزين الأمريكيين غادروا إيران بموجب اتفاق توسطت فيه قطر يشمل الإفراج عن أموال إيرانية تبلغ 6 مليارات دولار في كوريا الجنوبية.

وأضاف لدى وصوله إلى نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، أنه من الممكن اتخاذ إجراءات إنسانية أخرى على أساس هذا الاتفاق.

وكان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني أعرب في يوم تنفيذ الصفقة، عن أمله في أن تتسلم بلاده أصولها المالية في كوريا الجنوبية.

تفاهمات أكبر

'نأمل أن يمهد هذا الاتفاق لمزيد من التفاهمات'، هكذا علّق رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، على الخطوات التنفيذية التي تمت بين طهران وواشنطن، وأفرج خلالها عن 10 سجناء من الجانبين، و6 مليارات دولار من أموال إيران.

وتوجه 'آل ثاني'، في تدوينة على حسابه بمنصة 'إكس'، بالشكر لطرفي الاتفاق، معرباً عن أمله في أن يمهد لمزيد من التفاهمات'، كما شكر الشركاء الذين أسهموا في إنجاح هذا الاتفاق، وخصوصاً سلطنة عُمان.

في السياق نفسه قال المتحدث باسم الخارجية القطرية د. ماجد الأنصاري لـ'التلفزيون العربي': إن 'قطر تأمل في أن يمهد الاتفاق بين إيران والولايات المتحدة إلى تفاهمات أكبر'.

مع دخول الاتفاق الأمريكي الإيراني حول تبادل السجناء حيز التنفيذ، نتوجه بالشكر لطرفي الاتفاق، آملين أن يمهد لمزيد من التفاهمات، كما نتوجه بالشكر لشركاءنا الذين ساهموا في نجاحه، لاسيما سلطنة عمان الشقيقة، ونؤكد أن قطر مستمرة في المساهمة في كل ما من شأنه تعزيز أمن المنطقة والعالم.

وزير الدولة بوزارة الخارجية القطرية محمد الخليفي قال إن تنفيذ الاتفاق بين إيران والولايات المتحدة له دلالة على مكانة قطر كشريك دولي موثوق في مجال الوساطة، إضافة إلى أنه يعكس ثقة الأطراف كافة في نزاهة وحيادية قطر.

ولفت في تصريحات لوكالة الأنباء القطرية 'قنا'، إلى أن الاتفاق يمثل نجاحاً يضاف إلى جملة النجاحات المشهودة للدبلوماسية القطرية في عدد من الملفات الإقليمية والدولية، مؤكداً التزام بلاده بدعم كافة الجهود الإقليمية والدولية الرامية لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.

يمثل تنفيذ هذا الاتفاق الأمريكي الإيراني دلالة على مكانة دولة قطر كشريك دولي موثوق به في مجال الوساطة، ونجاحاً جديداً يضاف إلى النجاحات المشهودة للدبلوماسية القطرية في عدد من الملفات الإقليمية والدولية. ونؤكد ان قطر لن تدخر جهدها بذل كل ما من شأنه ترسيخ الأمن والسلم الدوليين. https://t.co/s6v30x5efI

الأموال الإيرانية

الدوحة قبلة آمنة للأموال التي أفرجت عنها الولايات المتحدة، والتي من المفترض أن تنفق على الجوانب الإنسانية، بموجب الاتفاق الذي دخل حيز التنفيذ، وفعلاً حُولت تلك الأموال إلى الدوحة، حيث ستبدأ قطر بتفعيل القناة المصرفية الإنسانية.

ووفقاً للمتحدث باسم الخارجية القطرية، فإن هدف القناة المصرفية الإنسانية بالدوحة هو توفير الحاجيات الأساسية للشعب الإيراني، مؤكداً أن 'الاتفاق الحالي هو مقدمة ضمن إجراءات بناء الثقة بين واشنطن وطهران'.

وكانت وكالة 'رويترز' قالت: إن 'قطر أكدت لواشنطن وطهران تحويل أموال إيرانية بقيمة 6 مليارات دولار إلى بنوك في الدوحة'، في حين قالت وزارة الخارجية الإيرانية: 'إن الأموال المحررة ستنفق بناء على احتياجات وأولويات طهران، بحسب المراجع المختصة'.

محافظ البنك المركزي الإيراني محمد رضا فرزين، أكد إيداع 5 مليارات و573 مليون يورو من الأموال الإيرانية المجمدة في حسابات 6 بنوك إيرانية في بنكي الأهلي والدخان في قطر.

وأضاف وفقاً لوكالة الأنباء الإيرانية 'إرنا'، أنه يجري العمل للوصول إلى موارد النقد الأجنبي في عديد من البلدان، لافتاً إلى أن السلطات القطرية أرسلت، يوم 17 سبتمبر، خطاباً رسمياً يفيد بتفعيل حسابات 6 بنوك، وبعد يوم (18 سبتمبر) تم إيداع تلك الأموال في الحسابات المصرفية.

قطر لاعب إقليمي مؤثر

وتعليقاً على هذا الاتفاق قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت عبد الله الشايجي، إن قطر أدت دوراً مهماً في تيسير التوصل إلى هذه الصفقة، مؤكداً أن الأطراف الثلاثة 'إيران والولايات المتحدة وقطر' رابحون.

ولفت في مداخلته على شاشة 'الجزيرة' في برنامج 'ما وراء الخبر'، إلى أن المفاوضات التي أفضت لهذا الاتفاق كانت صعبة وسرية، وأن قطر نجحت في كسب ثقة الخصمين، مؤكداً أن الدوحة أثبتت أنها لاعب مؤثر يحظى بثقة الأطراف الإقليمية والدولية.

وأشار الشايجي إلى أن هذا الاتفاق يمثل اختراقاً كبيراً بالفعل، معتبراً إياه مكسباً لإدارة بايدن، وانفراجة لطهران التي تعيش أزمة اقتصادية كبيرة.

بدورها قالت الخبيرة في الشأن الإيراني فاطمة الصمادي، في مداخلة خلال البرنامج نفسه، إن هامش الثقة في العلاقات القطرية الإيرانية أثر على مسار التفاوض ونتائجه أيضاً.

وأكدت أهمية هذه الصفقة، متوقعة أن يُبنى على هذا النجاح الجزئي خطوات أخرى في مسار الاتفاق النووي، خصوصاً أنه من المفترض أن تُرفع سلسلة العقوبات المفروضة على إيران، خلال أكتوبر القادم. 

Emad Shargi, Siamak Namazi, Morad Tahbaz and two other U.S. citizens have left Iran and are coming home after suffering unspeakable cruelty as the Iranian regime’s prisoners, some for many years. We have no higher priority than bringing home Americans who are wrongfully detained.

دبلوماسية ناجحة

خلال السنوات الماضية، سجلت الدبلوماسية القطرية نجاحاً ملحوظاً في عدة مسارات، وفقاً للخبير في الشؤون الخليجية والسياسة الإيرانية عدنان هاشم.

وقال هاشم لـ'الخليج أونلاين': 'كانت الدبلوماسية القطرية ناجحة في عدة مسارات فيما يتعلق بالوضع الداخلي لمجلس التعاون الخليجي والمقاطعة التي فُرضت عليها، إضافة إلى نجاحها في أزمات المنطقة، سواء في أفريقيا، أو في الشرق الأوسط'.

واستطرد قائلاً: 'إلى جانب مسقط تبدو الدوحة وجهة مفضلة لإنهاء الأزمات في المنطقة، بما في ذلك العودة للاتفاق النووي الإيراني'.

ولفت إلى 'أن الولايات المتحدة اعتمدت على الدوحة في الإفراج عن 6 مليارات دولار، نظراً لقربها من جميع الأطراف، على الرغم من أن حجم التبادل الإيراني مع الإمارات هو الأكبر'.

وفيما يتعلق بالملف النووي الإيراني قال هاشم: 'أعتقد أن الوضع أعقد، ويحتاج لمسارات مكثفة لاستخدام الزخم الحاصل في الصفقة الأخيرة، للتوسط لاتفاق عودة الولايات المتحدة لخطة العمل المشتركة'.

وأشار إلى أنه 'منذ وقت طويل كانت قطر مكاناً للتفاوض، لالتزامها بالحياد في عديد من الأزمات الدولية المؤثرة'، معتقداً 'أن سلوك الدوحة هذا المسار يعزز الثقة العالمية حولها، ويزيد من رصيدها الدبلوماسي'.

اتفاق الدوحة التاريخي

النجاح القطري المهم في حلحلة ملف المحتجزين بين أمريكا وإيران يضاف إلى النجاح التاريخي الذي صنعته الدوحة باحترافية دبلوماسية عالية، أواخر فبراير 2020، وبموجبه اتفقت الولايات المتحدة مع حركة طالبان الأفغانية لأول مرة، وطويت بذلك واحدة من أعنف حروب القرن الـ21.

ففي الدوحة وقعت واشنطن وحركة طالبان، بحضور ممثلين عن 30 دولة ومنظمة دولية، ومن ضمنهم ممثلون عن الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي، اتفاقاً ينص على انسحاب الولايات المتحدة بشكل تام من أفغانستان، خلال 14 شهراً، وهذا ما حدث فعلاً.

وتضمن الاتفاق حينها التزام واشنطن وأفغانستان بالعمل معاً من أجل المصالحة الشاملة من أجل إحلال الأمن في البلد الفقير والمنطقة، ومن أجل المساهمة في الأمن الدولي بشكل عام.

وبالنظر لاتفاق تبادل المحتجزين بين أمريكا وإيران، وقبله اتفاق الدوحة بين الولايات المتحدة وطالبان 2020، يتضح أن قطر تحظى بقدر عالٍ من الثقة، منحها مساحة للتحرك في مختلف العواصم، بهدف حلحلة الملفات الشائكة، والحيلولة دون وصول الأزمات إلى نقطة اللا عودة، وفي مقدمتها الملف النووي الإيراني الأكثر تعقيداً.