المنصات الرقمية.. ابتكار يعيد تشكيل مستقبل التعليم في عُمان

طه العاني - الخليج أونلاين

- ما الدور الذي تلعبه المنصات التعليمية الرقمية في تطوير العملية التعليمية بعُمان؟

تعزز التعلم المرن وتوفر بيئة تفاعلية تدعم مهارات الطلبة.

- ما أبرز قيمة مضافة تقدمها هذه المنصات للطلبة والمجتمع؟

تسهّل الوصول للمعرفة وتسهم في إعداد جيل رقمي مؤهل لسوق العمل.

تشهد سلطنة عُمان تحولاً متسارعاً في مجال التعليم الرقمي عبر إطلاق منصات تعليمية متطورة تتيح للطلبة فرص التعلم المرن والتفاعلي، بعيداً عن قيود الزمان والمكان.

وتأتي هذه الخطوات في سياق توجه وطني ينسجم مع أهداف 'رؤية عُمان 2040' التي تركز على الابتكار، وتعزيز ثقافة التعلم المستدام، وتمكين الشباب من المهارات الرقمية التي تؤهلهم للاندماج بكفاءة في سوق العمل المستقبلي.

التعليم الرقمي

وتمثل المنصات التعليمية الرقمية ركيزة أساسية في تطوير العملية التعليمية بالسلطنة، حيث توفر أدوات حديثة للتعلم الذاتي، وتمكن الطلبة من استكشاف المعرفة وفق قدراتهم الفردية.

وتعد منصة نور للتعليم الإلكتروني أبرز المبادرات الوطنية في هذا المجال، إذ توفر محتوى رقمياً تفاعلياً متاحاً على مدار الساعة، مدعوماً بمستودع رقمي شامل يلغي الحواجز التقليدية.

وأوضح المدير العام لتطوير المناهج بوزارة التربية والتعليم، الدكتور سليمان بن عبدالله الجامودي، في تصريح لوكالة الأنباء العُمانية بتاريخ 24 أغسطس 2025، أن الوزارة عملت على إصدار 'خريطة وطنية شاملة للتعليم الإلكتروني' كمرجع استراتيجي يضمن التكامل والاتساق بين مكونات المنظومة الرقمية، مشيراً إلى أن هذه الخطوة جاءت استجابة للتوسع في إنشاء منصات تعليمية تجارية.

وأضاف الجامودي أن منصة نور تمثل نموذجاً موحداً يتيح للمعلمين إدارة حصصهم رقمياً والتواصل مع أولياء الأمور ضمن بيئة تعليمية آمنة ومنظمة.

وأكد أن الوزارة شددت على ضرورة التكامل مع المنصة الوطنية وعدم إطلاق منصات موازية خارج إشرافها، تجنباً للتشتت الرقمي وضماناً لموثوقية المحتوى.

وأشار إلى أن المنصات التعليمية يجب أن تخضع لأطر تنظيمية واضحة تحمي حقوق المتعلمين وتراعي الخصوصية العُمانية، مؤكداً أن الحوكمة في هذا المجال 'ضرورة استراتيجية لاستدامة التعليم الرقمي وتطويره'.

كما أوضح أن الوزارة أصدرت لوائح تنظم اعتماد المنصات التعليمية وفق معايير دقيقة تشمل جودة المحتوى، أمان البيانات، وفاعلية الأدوات التعليمية، وتعمل ضمن برامج التحول الرقمي على مشاريع عدة، أبرزها منظومة التعليم الإلكتروني والمستودع الرقمي، إلى جانب رقمنة المناهج العُمانية.

وأشار الجامودي إلى أن المنصات التعليمية تعد من أبرز الأدوات التي تدعم صقل المهارات الرقمية للطلبة، من خلال دمج تقنيات حديثة مثل الذكاء الاصطناعي، الواقع المعزز، الواقع الافتراضي، والحوسبة السحابية.

ولفت إلى أن أحد أهم أبعاد المنصات الحديثة هو دعم 'التعلم الشخصي'، إذ تتيح آليات لرصد أداء الطالب وتخصيص المحتوى وفق احتياجاته، ما يعزز نقاط قوته ويعالج جوانب ضعفه.

بيئة تعليمية مستدامة

وتؤكد الأكاديمية والباحثة في التراث، الدكتورة فاطمة عباس المعموري، أن المنصات التعليمية توفر بيئات تعليمية تفاعلية ومرنة، وتُعزّز من الوصول إلى مصادر معرفية متنوعة، كما أنها تمكن الطلاب من التعلم الذاتي وتحسّن من مهاراتهم الرقمية.

وتوضح لـ'الخليج أونلاين' أن المنصات التعليمية تُعد ركيزة أساسية في منظومة التعليم الحديثة، حيث تتيح للطلاب الوصول بسهولة إلى موارد تعليمية متنوعة على مدار الساعة ومن أي مكان.

وتلفت المعموري إلى أن تحقيق بيئة تعليمية مستدامة ومبتكرة يتطلب من وزارة التربية والتعليم التركيز على الجانب الإلكتروني، ووضع خارطة وطنية شاملة للتعليم الإلكتروني، بالإضافة إلى إنشاء منصات تعليمية تابعة للوزارة لتكون وسيلة أساسية للتفاعل بين الطالب والأستاذ.

وتشدد الأستاذة التدريسية في جامعة الكوفة على أهمية ضمان موثوقية المحتوى التعليمي، ووضع أطر تنظيمية واضحة لحماية حقوق المتعلمين والمعلمين.

وتضيف أن عُمان يمكنها تحقيق التوازن بين إشراف الحكومة وتشجيع الابتكار في التعليم الرقمي من خلال إصدار لوائح منظمة لاعتماد المنصات التعليمية، وتوفير كافة المتطلبات اللازمة لنجاحها.

وترى المعموري أن التجارب العُمانية في التعليم الرقمي يمكن أن تتوسع إقليمياً وتنافس الأسواق الخليجية، لأنها ستسهم في خلق نوع من التعاون والانسجام العلمي بين دول الخليج، وتُعزز من صقل وتنمية المهارات الرقمية لدى الطلاب.

وتعتقد أن القطاع الخاص والشراكات الدولية يمكن أن تلعب دوراً فعالاً في تسريع التحول التعليمي الرقمي.

وتُوضح المعموري أن القطاع الخاص يُعد الأقوى في التمويل المالي، بينما تُسهم الشراكات الدولية في إثراء الجانب المعرفي، وتُضفي صفة رسمية على المشاريع، وقد تكون جانباً مالياً داعماً.

تجارب محلية

وإلى جانب الجهود الحكومية، برزت مبادرات محلية رائدة في مجال التعليم الرقمي بالسلطنة، عبر منصات خاصة أسهمت في توفير محتوى متنوع وبيئات تعليمية تفاعلية.

ففي حديثه لوكالة الأنباء العُمانية، أوضح معلم اللغة العربية في منصة أكاديمية همم التعليمية، محمد بن سعيد الخروصي، أن المنصات الرقمية وفرت بيئة مرنة للتعلم، تتيح للطلبة الوصول المفتوح للمكتبات الرقمية والموارد التعليمية (نصوص، فيديو، اختبارات) في أي وقت، مع إمكانية التعلم وفق وتيرة ذاتية، ما يعزز الاستقلالية الفكرية والاعتماد على النفس.

وأشار إلى أن المنصات التعليمية تساعد الطلبة على اكتساب مهارات تقنية حديثة تشمل التعامل مع البرمجيات السحابية، أدوات التصميم والإنتاج الرقمي، وتحليل البيانات، إضافة إلى توظيف الذكاء الاصطناعي في التعلم.

من جانبه، أكد الدكتور أيمن مطر من منصة مذهل التعليمية أن التعليم الرقمي أصبح من أبرز الابتكارات التي غيرت طريقة تقديم المعرفة، مشيراً إلى أن التجارب التفاعلية القائمة على الذكاء الاصطناعي وأنظمة الاختبارات الإلكترونية تكسب الطلبة مهارات رقمية متقدمة، وتجعلهم أكثر استعداداً للتكيف مع متطلبات سوق العمل.

وفي السياق ذاته، أشاد طلبة من المنصات التعليمية بالتجربة الرقمية التي حسّنت من مستواهم التعليمي وعززت انضباطهم، مشيرين إلى أن المتابعة المستمرة من المعلمين ساعدت في التغلب على التحديات.

وأكدوا لوكالة الأنباء العُمانية أن هذه المنصات وفرت لهم بيئة تعليمية تشاركية قائمة على المحاضرات المسجلة، الاختبارات التفاعلية، المنتديات، والغرف النقاشية، ما مكّنهم من اكتساب مهارات جديدة تشمل استخدام البرمجيات التعليمية والبحث الرقمي، إلى جانب تنمية الثقة بالنفس وغرس حب التعليم والتفوق.

منصات رقمية

ويتجه الشباب العُماني بشكل متزايد نحو ابتكار أدوات رقمية تخدم مختلف مراحل التعليم، بدءاً من الصفوف الأولى وحتى الجامعات، في خطوة تعكس تلاقي التكنولوجيا مع العملية التربوية.

وكشف تقرير جريدة عمان في 15 سبتمبر 2024، عن توجه متنامٍ لبناء منظومة تعليمية رقمية متكاملة في السلطنة، تسهم في رفع كفاءة التعليم وتسهيل حياة الطلبة، وتفتح المجال أمام نماذج ابتكارية متطورة.

وبرزت منصة 'أديب'، التي تأسست عام 2023، كتجربة رائدة في تكنولوجيا التعليم عبر تطبيق 'أديب ستوديو'، الذي يتيح للمعلمين إنشاء محتوى تفاعلي مخصص لطلبة الروضة حتى الصف الخامس.

وتوسعت المنصة بدعم من صندوق عُمان للتكنولوجيا ومجموعة 'إذكاء'، وطرحت مبادرات نوعية مثل مشروع 'حكاية بيئتي' بالتعاون مع شركة 'بيئة'، وقصص تعليمية لريادة الأعمال بالشراكة مع هيئة 'ريادة'.

وفي مجال التغذية المدرسية، جاءت منصة 'سَلَن' (Salan) لتقديم حل رقمي شامل يربط الطلبة وأولياء الأمور بالمدارس والموردين، وتوفر المنصة خاصية الطلب المسبق والدفع الإلكتروني، بما يقلل الهدر ويعزز الشفافية.

ووفق بيانات الشركة، تجاوز عدد المستفيدين 25 ألف طالب، مع إدارة أكثر من 38,500 وجبة، بحسب التقرير الذي نشرته جريدة عمان في 15 سبتمبر 2025.

أما تطبيق 'ميسر' فيركز على الطلبة الجامعيين، مقدماً خدمات تشمل السكن والنقل مع خاصية التتبع، والمتجر الإلكتروني، والمدرسين الخصوصيين، إضافة إلى مجتمع طلابي رقمي وبرامج تدريبية متخصصة.

وتمثل هذه المنصات الرقمية الناشئة خطوة عملية نحو ترسيخ بيئة تعليمية مبتكرة في عُمان، لكنها تظل بحاجة إلى استدامة التمويل والتوسع لضمان قدرتها على المنافسة إقليمياً.