سكنوا صور وبنوا أعظم السفن.. "الجنبة" اسمٌ أرعب المحيط الهندي

محمود جبار - الخليج أونلاين

موقعها الساحلي الاستراتيجي الهام جعل منها واحدة من المدن التي شهدت أحداثاً تاريخية عديدة، وموطناً لممتهني الصيد والتجارة وصناعة السفن والحرف التقليدية، حتى غدت من أشهر المدن العربية والخليجية خاصة.

تلك هي 'صور' الواقعة في شرقي سلطنة عُمان، مطلة على ساحل الخليج وبحر العرب، ونظراً لأهميتها سكنتها قبائل ذاع صيتها، والحديث هنا عن قبيلة الجنبة العربية الأصيلة.

موقعها جعل من صور واحدة من أقدم الموانئ والمدن البحرية على مستوى العالم، حيث أدت دوراً حيوياً في التجارة مع أفريقيا والهند والبصرة، إذ كانت محطة استيراد وتصدير لمختلف البضائع.

ميناء قلهات من المواني القديمة والذي كان له نشاط بحري بارز

وقد جعل مالك ابن فهم قلهات عاصمة له

فقلت فيها قصيدة...:

-بلاد بها حط ابن فهم رحاله

بجيش وأبال وخيل وفرسان

-أتوا من بلاد العرب من يمن الهدى

بجيش يصد الشمس عن برج كيوان

-فكانت له قلهات من خير موطن

يصد العدى عنها بعزم وإيمان

هذه المدينة أيضاً كانت مركزاً مهماً لصناعة القوارب والسفن المختلفة الحجوم، التي كانت تجوب البحار والمحيطات.

وعلى الرغم من التطور الكبير الذي طرأ على صناعة السفن في العالم، ما زال صناع السفن في صور يزاولون مهنة الأجداد في صناعة سفنهم التي تحمل بصمة صناعتهم التاريخية.

اظهر كما أنت، وكن كما تظهر.

بحسب صحيفة 'الوطن' المحلية يتكون مصنع السفن بولاية صور من العديد من الورش التي يمتلكها أهالي الولاية، وهم أصحاب خبرة واسعة في بناء السفن.

تتميز هذه السفن بتعدد أنواعها وأشكالها، بعضها لم يعد مستخدماً الآن، وبعضها الآخر ما يزال مستخدماً.

تتميز سفن صور بالمتانة والقوة، وتتراوح أعمار بعضها ما بين 60-100 سنة.

ويحرص أبناء الولاية على نقل هذه الحرف إلى الأجيال في ظل الدعم الحكومي لهم؛ وذلك من خلال التشجيع على صناعة السفن والخشبيات وبناء مجسمات صغيرة للسفن العمانية، يتم الاستفادة منها في أعمال الديكور والمشاركة في المعارض داخل السلطنة وخارجها.

كما أن النشاط السياحي البحري المتنامي قد زاد حجم الطلب على بعض الأنواع من السفن، بالإضافة إلى الإقبال على ترميم السفن القديمة والاستخدام الواسع للسفن الكبيرة في صيد الأسماك.

ورد اسمها في كثير من الكتب التاريخية العربية والإغريقية والرحالة الغربيين؛ حيث وصلت سفنهم إلى أفريقيا.

ومن أشهر أبناء صور عبيد الله بن سالم الصوري الخضوري، الذي توج ملكاً على الكونغو 16 عاماً، وامتلك نحو 300 سفينة شراعية عابرة للمحيطات والبحار.

معالم صور

تشتهر صور  بمعالم عديدة، بعضها قديمة تعود لعصور مختلفة مثل القلاع والحصون والأبراج.

وتعد منطقة العيجة، التي تعتبر منارتها من أقدم المنارات البحرية في السلطنة، أجمل مناطق صور، وبها متحف السفن المتميز.

برج رأس الميل :

منارة العيجة من أهم المعالم السياحية في ولاية صور العفية على مدخل خور البطح

يعدّ حصن صور من أهم المزارات التاريخية في ولاية صور؛ حيث كان يتخذه الوالي قديماً مركزاً له، وكانت تقام فيه الاحتفالات في الأعياد والمناسبات المختلفة.

ومن آثارها المهمة الأخرى قلعة الرفصة، وحصن السنيسلة، وقلعة العيجة، وحصن سكيكرة، وحصن رأس الحد.

كل تلك المعالم التاريخية تساهم في جذب الزوار إلى صور، يضاف إلى ذلك أنها تضم ميناء قلهات القديمة، وهو واحد من أقدم الموانئ في سلطنة عمان؛ حيث كانت تمر به السفن من دول عديدة حول العالم.

وتضم أيضاً محمية رأس الجنز، وهي واحدة من أهم المحميات الموجودة في عمان، حيث تحتوي على آلاف السلاحف البحرية، التي تضع بيضها في رمال المحمية، ومن أهم الفصائل الموجودة بها هي السلاحف الخضراء.

وتضم كذلك متحف البحرية الذي يحتوي على العديد من السفن القديمة، والخرائط، والأدوات البحرية، بالإضافة إلى صور أشهر البحارة، ويشمل العديد من علامات التاريخ البحري في عُمان.

ويعتني سكان ولاية صور بالزراعة، التي تعد مصدر دخل لعدد كبير من سكانها، وهي من أقدم المهن التي امتهنها سكان الولاية، ومن أبرز المزروعات العديد من أصناف النخيل والفواكه والخضار.

ولا يزال صيد الأسماك مصدر دخل لعدد كبير آخر من سكان صور. ومن الصناعات الأخرى التي اشتهرت بها الولاية قديماً الصياغة والحدادة، والنسيج، والنجارة، وصناعة الحلوى.

قبيلة الجنبة

في صور تشتهر قبيلة الجنبة، وهي قبيلة عربية من أصل قحطاني، تنحدر من جنب بن يزيد بن حرب بن علة بن جلد بن مالك بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ.

قبيلة الجنبة، والفرد منهم جنيبي، تسكن في الجزء الشرقي من سلطنة عمان، وتمتد أراضيها من صور شمالاً إلى الجازر جنوباً، ومن مصيرة شرقاً إلى عز في المنطقة الداخلية غرباً، وللقبيلة كذلك وجود في الإمارات.

ولمّا كانت صور مدينة مهمة بسبب موقعها الجغرافي ما جعلها محطة تجارية كبيرة، كان لا بد أن تكون مطمعاً لجيوش ودول عديدة على مر العصور للسيطرة عليها، وهنا يبرز دور سكانها الذين حموها طوال تلك العهود.

وفي كتابه 'قبائل من عُمان' يذكر المستشرق الإنجليزي المعاصر، كارتر حول قبيلة الجنبة، أن حكم أول شيخ من المجاعلة يعود إلى ما بين عامي 1600-1650، أما آخر شيوخهم الذي حكم صور فكان الشيخ سلطان بن محمد بن المر المجعلي.

وكانت الأسرة الحاكمة في صور لها ربع مداخيل ما يصدر من تمور وغيرها، حسب كارتر.

ويصف المؤرخ العُماني سالم بن حمود السيابي مدينة صور بأنها 'مدينة الجنبة ومعقلهم في عمان'.

وعن ميناء صور يذكر في كتابه 'الخليج.. بلدانه وقبائله' ما نصه: 'الصوريون هو الاسم المعروفة به قبيلة الجنبة، وكان هذا الاسم يمثل رُعباً في المحيط الهندي في العصور الماضية'.