ربط الخليج مع الهند.. كيف ينعش المشروع اقتصاد المنطقة وتجارتها؟

سلمى حداد - الخليج أونلاين

إنشاء شبكة سكة حديدية تربط الدول العربية بدول الخليج على أن ترتبط الأخيرة مع الهند عبر الموانئ.

تيسير عملية نقل الكهرباء المتجددة والهيدروجين النظيف.

إنشاء خطوط للسكك الحديدية.

تعزيز أمن الطاقة، ودعم جهود تطوير الطاقة النظيفة.

تنمية الاقتصاد الرقمي عبر الربط والنقل الرقمي للبيانات.

تعزيز التبادل التجاري وزيادة مرور البضائع من خلال ربط السكك الحديدية والموانئ.

تسرع الدول في الشرق الأوسط خطواتها نحو تعزيز تحالفاتها وعلاقاتها بمختلف المجالات لمواجهة تعقيدات تخيم على الاقتصاد والسياسة عالمياً، وفي ظل تنافس شرس بين الأقطاب الكبرى ربما يصل إلى حد المواجهة العسكرية في ظل التنامي المتسارع بالإجراءات الاقتصادية العدائية.

وفي أحدث ما طفا على السطح من إجراءات اقتصادية إقليمية، أعلن ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، خلال كلمته السبت (9 سبتمبر 2023)، في قمة مجموعة العشرين 'G-20' بالهند، عن توقيع مذكرة التفاهم حول مشروع الممر الاقتصادي، الذي سيربط موانئ الشرق الأوسط بأوروبا والهند.

وقال 'بن سلمان' إن المشروع سيحقق المصالح المشتركة للدول التي سيمر عبرها، من خلال تعزيز الترابط الاقتصادي، وهو ما ينعكس إيجاباً على الشركاء في الدول الأخرى والاقتصاد العالمي بصورة عامة.

وأوضح أن المشروع سيسهم في تطوير وتأهيل البنية التحتية التي تشمل سككاً حديدية وربط الموانئ وزيادة مرور السلع والخدمات.

كما سيسهم المشروع، وفقاً لولي العهد السعودي، في تعزيز التبادل التجاري بين الدول المعنية، ومد خطوط أنابيب تصدير واستيراد الكهرباء والهيدروجين لتعزيز أمن إمدادات الطاقة العالمي، إضافة إلى كابلات نقل البيانات من خلال شبكة عابرة للحدود ذات كفاءة عالية، على حد قوله.

ولفت إلى أن 'مذكرة التفاهم تدعم جهود تطوير الطاقة النظيفة، كما سيسهم تنفيذها في توليد فرص عمل جديدة، ومكاسب طويلة الأمد على امتداد ممرات العبور لجميع الأطراف'، حسب قناة 'الشرق' السعودية.

وبعد كلمة 'بن سلمان' وقعت الرياض وواشنطن مذكرة تفاهم بين البلدين، تسمح بتأسيس ممرات عبور خضراء عابرة للقارات، انطلاقاً من موقع المملكة الاستراتيجي.

ووفقاً لوكالة الأنباء السعودية، فإن المشروع يهدف إلى تيسير عملية نقل الكهرباء المتجددة والهيدروجين النظيف عبر كابلات وخطوط أنابيب وكذلك إنشاء خطوط للسكك الحديدية.

كما يهدف المشروع أيضاً، 'إلى تعزيز أمن الطاقة، ودعم جهود تطوير الطاقة النظيفة، إضافة إلى تنمية الاقتصاد الرقمي عبر الربط والنقل الرقمي للبيانات من خلال كابلات الألياف البصرية، وتعزيز التبادل التجاري، وزيادة مرور البضائع من خلال ربط السكك الحديدية والموانئ'.

صفقة ضخمة

وفي 8 سبتمبر 2023، كشف موقع 'أكسيوس' الأمريكي، أن السعودية والإمارات والهند والولايات المتحدة تأمل أن تتمكن من الإعلان عن صفقة مشتركة ضخمة لربط الدول الخليجية والعربية عبر سكك حديدية.

ونقل الموقع عن مصدرين مطلعين –لم يسمهما- أن السكك ستربط الدول العربية بالهند من خلال خطوط للشحن متصلة بموانئ المنطقة.

وأضاف أن 'المشروع من المبادرات الأساسية التي يقودها البيت الأبيض بالشرق الأوسط، في حين يتنامى الدور الصيني بالمنطقة، التي تعد جزءاً أساسياً من رؤية الحزام والطريق التي رسمتها بكين'.

ورجح 'أكسيوس' أن المشروع يعد من المهام الأساسية التي يطمح الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إلى إنجازها خلال مشاركته في قمة مجموعة العشرين المنعقدة بالعاصمة الهندية نيودلهي.

وفي مايو الماضي، كشف الموقع نفسه أن الخطة الأمريكية ستعمل على دعم حركة سلاسل الإمداد الدولية وتعزيز العلاقات التجارية بين الهند والدول العربية، على أن تكون الأخيرة ممراً لعبور الإمدادات الهندية إلى أوروبا والولايات المتحدة.

ونقل الموقع عن مصدرين على دراية مباشرة بالخطة، أن فكرة المشروع برزت خلال المحادثات التي عقدت على مدى الأشهر الـ18 الماضية، في منتدى يسمى 'مجموعة آي 2 يو 2'، والذي يضم الولايات المتحدة و'إسرائيل' والإمارات والهند، وفقاً للمصدرين.

وأسس المنتدى في أواخر عام 2021، وهدفه مناقشة مشاريع البنية التحتية الاستراتيجية في الشرق الأوسط.

والمشروع هو إحدى المبادرات الرئيسة التي يريدها البيت الأبيض بالشرق الأوسط في ظل تزايد نفوذ الصين يالمنطقة، إذ إن الشرق الأوسط ودول الخليج جزء أساسي من رؤية الصين للحزام والطريق.

لماذا الهند مهمة للخليج؟

وحتى لو كانت المبادرة تهدف إلى محاصرة النفوذ الصيني بالمنطقة والحد من توسعه، فإنها بالتأكيد ستحقق مصالح اقتصادية مهمة لدول الخليج والدول العربية، ترتبط بتعزيز التجارة المتبادلة بين الجانبين وتحويل المنطقة العربية إلى جزء من سلاسل الإمداد التي تربط شرق العالم مع غربه.

ولعل ما يعزز من أهمية شبكة البنية التحتية هذه، أن الهند شهدت خلال العقود الأخيرة قفزة اقتصادية كبرى جعلتها في مصاف الدول ذات الاقتصاد القوي عالمياً.

ويتوقع صندوق النقد الدولي أن تصبح نيودلهي رابع أعلى ناتج محلي إجمالي بحلول عام 2027.

كما تشير التوقعات إلى أنها ستحقق أعلى معدل للنمو خلال هذا العام بين دول آسيا والمحيط الهادئ، إذ تعمل على جذب استثمارات النقد الأجنبي في الداخل.

ونجحت الهند أخيراً في الوصول إلى رقم قياسي للبلاد، عندما سجّلت أكبر قيمة من الاستثمارات الأجنبية خلال السنة المالية 2021 - 2022، وبلغت قيمتها 85 مليار دولار، بزيادةٍ قدرها 60% عن عام 2019 الذي وصل فيه إجمالي الاستثمار الأجنبي إلى 51 مليار دولار.

وتشير التوقعات الاقتصادية للنمو العالمي إلى أن الهند في عام 2050 ستكون قطباً حقيقياً في الساحة الاقتصادية الدولية.

وتعمل الحكومة الهندية خلال السنوات الأخيرة، على إطلاق مبادرات لتطوير قطاع التصنيع في البلاد، والذي يسهم حالياً بنسبة 14% فقط في الناتج المحلي الإجمالي الهندي.

كما تتميز بتطورها في المجال التقني، مع تولي عدد من ذوي الأصول الهندية مناصب رفيعة في كبرى الشركات التكنولوجية مثل 'غوغل' و'مايكروسوفت' و'أدوبي' و'آي بي إم'.

وهذه المميزات كلها تمنح شبكة البنية التحتية الجديدة في حال إنشائها، ميزة مهمة لدول الخليج، والمنطقة العربية عموماً، حيث تربطها مباشرة مع أحد أقوى الاقتصادات العالمية وأسرعها نمواً بالعقد الأخير.

علاقات اقتصادية متينة

وتحظى الهند بعلاقات متينة سياسياً واقتصادياً مع دول الخليج، وهذا ما سيسهم في نجاح المشروع عند تنفيذه، وفق مراقبين.

وفي نوفمبر الماضي، أكد الأمين العام السابق لمجلس التعاون الخليجي، نايف الحجرف، أهمية العلاقات الخليجية الهندية، والعمل على تعزيزها، لا سيما في المجالات الاقتصادية والتنموية وزيادة حجم التبادل التجاري، وإقامة المشروعات الاستثمارية المشتركة واغتنام الفرص المتاحة.

وجاءت تصريحات الحجرف خلال اجتماعه مع بيوش جويال، وزير التجارة والصناعة الهندي، بالعاصمة نيودلهي.

ويبلغ حجم التجارة الخارجية لدول الخليج مع الهند 115 مليار دولار سنوياً، منها 28 مليار دولار للصادرات الهندية إلى دول الخليج، و87 مليار دولار للصادرات الخليجية إلى الهند.

وتأتي الهند في المرتبة الثالثة على قائمة المستوردين الرئيسين من دول مجلس التعاون، بحصةٍ قدرها 1.12%، وكذلك المرتبة الثالثة على قائمة المصدرين الرئيسين إلى دول المجلس بحصةٍ قدرها 6.8%، حسب بيانات العام 2022.

وعلى صعيد العلاقات النفطية، تعد الهند ثالث أكبر مستهلك للنفط في العالم بعد الولايات المتحدة والصين.

وفي فبراير الماضي، قال وزير النفط الهندي، هارديب سينغ بوري، في تصريحات صحفية، إن بلاده نوعت مصادر واردات الطاقة، لكنها ستواصل شراء معظم احتياجاتها من النفط من دول الخليج العربي لفترة طويلة.

وشدد الوزير الهندي على أن دول الخليج 'ستظل مورداً رئيساً ومسؤولة عن نسبة كبيرة من وارداتنا لفترة طويلة قادمة'.

أهمية المشروع الجديد

وحول أهمية المخطط الجديد، قال الخبير الاقتصادي منير سيف الدين: إن 'هذا المشروع يخدم بالدرجة الأولى تدعيم الموقف الأمريكي بالمنطقة، ودورها في سلاسل الإمداد العالمية، ومنع توسع النفوذ الصيني'.

وأضاف سيف الدين، في حديثه لـ'الخليج أونلاين'، أن 'الصين تحاول من خلال مبادرة الحزام والطريق ربط أراضيها بالعالم لتكون أكبر مشروع بنية تحتية بتاريخ البشرية، وهو ما لا تفضله الولايات المتحدة الأمريكية وتحاول تقليصه من خلال مبادرة مشابهة'.

ودمجت بكين مبادرة الحزام والطريق بدستورها، وحددت نهاية المشروع في العام 2049، حيث تملك الخطة مسارين: برياً يسمى 'الحزام'، وبحرياً يسمى 'الطريق'.

وتمر نصف خطوط المبادرة بمحيط الشرق الأوسط، لذلك تسعى الصين لعلاقات متينة مع دول المنطقة كافة.

وقد تعيد الخطة تشكيل التجارة العالمية لتكسب الصين التفوق.

من جانب آخر ، أوضح سيف الدين أن مشروع ربط المنطقة العربية بالهند سينعكس انعكاساً إيجابياً كبيراً على المنطقة؛ فالهند اقتصاد صاعد بشكل سريع، وستصبح خلال سنوات قليلة واحدة من أهم الدول الصناعية في العالم، علاوة على أنها مصدر أساسي للمنتجات الزراعية الغذائية الأساسية مثل القمح والحبوب.

ورأى أن ربط الهند بدول الخليج والمنطقة العربية يعني تحول الأخيرة إلى حلقة وصل أساسية في سلاسل الإمداد العالمية مستقبلاً تربط بين شرق العالم وغربه، 'وهو ما سيمنح اقتصاداتها فرصة لا يمكن تفويتها للنمو المتسارع والتنوع في الإيرادات'.

وأفاد بأن هذا المشروع سيعزز التبادل التجاري بين دول الخليج والهند بشكل كبير وسيعزز التجارة أيضاً بين دول الخليج ودول جنوب شرق آسيا وآسيا الوسطى وسيقود حركة واسعة من الاستثمارات المتبادلة بين الجانبين.