بعد عام ونصف من غزو أوكرانيا.. ما حجم حضور الغاز الخليجي بأوروبا؟

سلمى حداد - الخليج أونلاين

منذ اندلاع الحرب الروسية ضد أوكرانيا، في فبراير من العام 2022، بدأ التوجه الأوروبي جدياً نحو تغيير مصادر الغاز الطبيعي خصوصاً، والطاقة عموماً، بعد أن كانت القارة العجوز تعتمد بنسبة 40% على الغاز القادم من موسكو.

ولم تجد دول أوروبا إلا بلدان الخليج العربي بديلاً رئيسياً للغاز الطبيعي، خاصة قطر والإمارات وسلطنة عُمان والسعودية، ليبدأ الغاز العربي بالتغلغل تدريجياً في السوق الأوروبية عبر عديد من الاتفاقيات طويلة الأجل.

وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، في 18 فبراير 2023، إن الدول الأوروبية عملت على تنويع مصادر الطاقة، وخاصة الغاز الطبيعي.

جاء ذلك في جلسة بعنوان 'ولادة أوروبا الجيوسياسية'، بمشاركة سانا مارين، رئيس وزراء فنلندا، ضمن فعاليات مؤتمر ميونيخ للأمن.

وقالت فون دير لاين: إن 'دول الاتحاد الأوروبي نوعت مصادر الطاقة وابتعدنا عن الغاز الروسي'.

سلطنة عُمان

أحدث الاتفاقيات كانت في 14 أغسطس 2023، حيث أعلنت عُمان إبرام اتفاقية مع ألمانيا لتصدير نحو 400 ألف طن متري سنوياً من الغاز الطبيعي المسال، بداية من عام 2026 ولمدة 4 سنوات.

وبحسب بيان الشركة العمانية للغاز الطبيعي المسال فقد أبرمت أول اتفاقية مع شركة 'سيفي' الألمانية، المتخصصة في تأمين الطاقة لأوروبا.

وقال رئيس العمليات التجارية في الشركة العمانية محمود البلوشي: 'إن توقيع اتفاقية البنود الملزمة مع شركة سيفي خطوة مهمة ترسّخ مكانة صادرات الغاز المسال العماني في الأسواق العالمية عامة، والألمانية خاصة'.

وأضاف: 'تهدف هذه الاتفاقية إلى دعم اقتصاد سلطنة عُمان، من خلال تقوية الشراكات الاستراتيجية مع العملاء حول العالم، والاستفادة من التقنيات الألمانية في هذا القطاع الحيوي، مما يشكل مكاسب للطرفين'.

وتستهدف الاتفاقية تعزيز الشراكات الاستراتيجية بين عُمان وشركات الطاقة العالمية، إذ تعدّ شركة 'سيفي' من المستفيدين من صادرات الغاز المسال العماني.

كما تمثّل هذه الاتفاقية المحورية أول صفقة غاز مسال مع شركة ألمانية؛ مما يسهم في رفد جهود الشركة المستمرة نحو إيجاد أسواق جديدة حول العالم، لا سيما في نطاق السوق الأوروبية.

وفي يناير 2023، أبرمت الشركة العُمانية للغاز الطبيعي المسال اتفاقاً مع شركة 'توتال إنرجيز' الفرنسية لتزويدها بـ 800 ألف طن متري سنويّاً على مدى 10 سنوات بدءاً من عام 2025.

قطر

وفي قطاع الغاز تملك قطر الثقل الأكبر بين بقية دول الخليج العربي، لذلك لا تتوقف المباحثات الأوروبية مع الدوحة لتكون البديل الأول لروسيا.

وتُعَدّ قطر أكبر مصدر للغاز المسال في العالم، ومن أكبر منتجي الغاز المسال في العالم عبر شركتها الحكومية 'قطر للطاقة'، بحصة سوقية تزيد على 20%.

ويمكن أن يغطي الغاز الطبيعي المسال القطري نحو 13% من واردات الغاز الروسي إلى الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، حسب تقديرات وكالة 'إس آند بي غلوبال' للتصنيفات الائتمانية (S&P).

وكانت روسيا تسهم بنسبة 40% من إمدادات الغاز الطبيعي لأوروبا، أي بنحو 158 مليار متر مكعب، في عام 2021، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية.

وضمن الاتفاقيات الحديثة بين قطر وأوروبا أعلنت الدوحة، في نوفمبر الماضي، الموافقة على مدّ ألمانيا بمليوني طن من الغاز المسال سنوياً على مدى 15 عاماً على الأقل، اعتباراً من العام 2026.

وحول هذه الاتفاقية قال سعد بن شريدة الكعبي، الرئيس التنفيذي لـ 'قطر للطاقة'، إن ألمانيا تمثل أكبر سوق للغاز في أوروبا، مؤكداً الالتزام بدعم أمن الطاقة فيها.

وتابع الكعبي، في تصريحات صحفية آنذاك، أن توريد الغاز المسال سيتم من خلال مشروعي توسعة إنتاج الغاز الطبيعي المسال في حقل الشمال الشرقي وحقل الشمال الجنوبي.

وأشار إلى أن الاتفاق يمثل أول اتفاقية إمداد طويل الأمد للغاز الطبيعي المسال إلى ألمانيا.

الإمارات

الإمارات كذلك أوجدت لها موطئ قدم في سوق الغاز الأوروبية، حيث توصل المستشار الألماني أولاف شولتس خلال زيارة لأبوظبي، في سبتمبر الماضي، إلى اتفاق مع الإمارات يقضي بتزويد البلد الخليجي الدولة الأوروبية بالغاز المسال والديزل، في 2022 و2023.

وشهد الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وشولتس مراسم توقيع الاتفاقية التي تنم عن 'شراكة استراتيجية جديدة في مجال تسريع أمن الطاقة والنمو الصناعي، وتهدف إلى تسريع تنفيذ المشاريع ذات الاهتمام المشترك في مجالات أمن الطاقة والحد من الانبعاثات والعمل المناخي'، بحسب وكالة 'وام'.

وتمت الإشارة إلى أنه 'بموجب الاتفاقية أبرمت شركة بترول أبوظبي الوطنية 'أدنوك' عقداً لتوريد الغاز الطبيعي المسال لشركة 'آر دبليو إي ايه جي' الألمانية، تصدر بموجبها الشركة الإماراتية أول شحنة غاز طبيعي مسال إلى ألمانيا، وتسلمها في أواخر عام 2023 لاستخدامها في التشغيل التجريبي لمحطة استيراد الغاز الطبيعي العائمة في مدينة برونسبوتل الألمانية'.

وأوضحت 'وام' أن 'أدنوك' خصصت، وفقاً للاتفاقية، شحنات إضافية من الغاز الطبيعي المسال لزبائنها في ألمانيا ستسلم في نهاية عام 2023.

وفي مايو 2023، أعلنت شركة 'أدنوك للغاز' توقيع اتفاقية بقيمة مليار دولار أمريكي لتزويد مجموعة 'توتال إنرجيز' الفرنسية بالغاز الطبيعي المسال لمدة ثلاث سنوات.

وقالت الشركة، في بيان، إنها ستصدر بموجب الاتفاقية 'الغاز الطبيعي المسال إلى أسواق تصدير مختلفة حول العالم. ولم يحدد البيان كميّات الغاز التي ستصدَّر.

السعودية

المملكة العربية السعودية ما يزال وجودها محدوداً على خريطة الغاز الطبيعي، لكنها تسعى بقوة إلى المشاركة في إمداد أوروبا بإنتاجها من الغاز وبقية موارد الطاقة، ولكن لم توقَّع أي اتفاقية ثنائية حتى اليوم.

وفي تصريحات له، بأكتوبر الماضي، قال وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، إن بلاده تتطلع لإمداد أوروبا بمزيد من إنتاجها.

وأضاف: 'نحن منخرطون مع العديد من الحكومات؛ مثل ألمانيا وبولندا والتشيك وكرواتيا ورومانيا وغيرها'.

غاز الخليج.. وجهة جديدة

وفي رؤيته لمستقبل الطاقة الخليجية في الأسواق الأوروبية قال المحلل الاقتصادي منير سيف الدين: إن 'دول الخليج العربي وبعض الدول العربية مثل مصر والجزائر ستغطي مستقبلاً غالبية احتياجات أوروبا من الطاقة، وخاصة الغاز الطبيعي، بعد الاستغناء عن روسيا'.

وأضاف سيف الدين في حديثه لـ'الخليج أونلاين': 'دول الخليج حالياً تحت أعين الدول الأوروبية التي تسعى بكل الطرق لعقد اتفاقيات طويلة الأمد معها لاستيراد الطاقة'.

وأشار إلى أنه تم توقيع عدة اتفاقيات بين دول مثل قطر والإمارات وسلطنة عُمان لتزويد دول أوروبية معينة مثل فرنسا وألمانيا بالغاز الطبيعي، حيث تعتبر الدولتان الأكثر حاجة لهذه الطاقة بسبب اعتمادهما سابقاً بنسب كبيرة على غاز روسيا.

ولفت إلى أن ألمانيا تعمل على تجهيز بنية تحتية لاستقبال الغاز الخليجي المسال كبديل رئيس عن الغاز الذي كان يصل إليها من روسيا عبر الأنابيب.

إلا أن المحلل الاقتصادي رأى أن دول الخليج لن تستطيع وحدها تغطية كامل احتياجات أوروبا من الغاز الطبيعي؛ وذلك نظراً لارتباطها بعقود طويلة الأجل مع المستوردين في آسيا.

وقال: 'لكن ذلك لن يمنع أن تصبح أوروبا وجهة رئيسية للغاز الخليجي المسال، وهذا بدأ يتحقق فعلاً عبر الاتفاقيات الموقعة بين الدول الخليجية ودول أوروبية'.

واعتبر أن خريطة الطاقة العالمية ستتغير تدريجياً لتصبح روسيا مورداً رئيسياً للشرق مثل الهند والصين، ودول الخليج وشمال أفريقيا مورداً للغرب.

وهذه التغيرات ستزيد من دور دول الخليج في سوق الطاقة الدولية ليكون لها الثقل الأكبر، خاصة قطر، باعتبارها المورد الأساسي للغاز، كما يرى المحلل الاقتصادي.