وسط مخاوف أمريكية.. ما وراء تزايد حضور الصين في سلطنة عُمان؟

طه العاني - الخليج أونلاين

الاطلاع على الفرص الاستثمارية المتاحة شمال السلطنة.

استثمارات كبيرة في مجالات الطاقة والموانئ والمناطق الصناعية.

أصبحت الصين أكبر شريك تجاري للسلطنة بقيمة 26.2 مليار دولار.

تشهد سلطنة عمان تزايد الحضور الصيني في السنوات الأخيرة، حيث تسعى بكين إلى تعزيز وجودها في المنطقة واستثمار فرص النمو والموارد الطبيعية المتاحة فيها.

ويبرز الحضور الصيني بالسلطنة في عدة مجالات، خاصة الاستثمار في قطاع النفط والغاز، والبنية التحتية والبناء والنقل، والمناطق الصناعية وغيرها.

مباحثات استثمارية

وفي تطور يؤكد رغبة الصين في توسيع أعمالها بالسلطنة قام وفد من مقاطعة يونّان الصينية برئاسة 'ونج يو بو' بزيارة السلطنة للاطلاع على الفرص الاستثمارية.

وأشارت وكالة الأنباء العمانية، في 23 مايو 2023، إلى أن الوفد زار ميناء صحار والمنطقة الحرة ومدينة صحار الصناعية، واطلع على المرافق والمنشآت والمصانع والشركات العاملة بالميناء والمنطقة الحرة، كما استمع إلى الفرص الاستثمارية المتاحة هناك والتسهيلات التي تقدم للمستثمرين.

وتضمنت زيارة الوفد الصيني إقامة ندوة بعنوان 'لقاء تعزيز الشراكة والاستثمار بين محافظة شمال الباطنة ومقاطعة يونّان الصينية'، والتي تضمنت عدداً من المحاور في مجالات التجارة والاستثمار.

وكشفت السلطنة عن أنَّ الاستثمارات بميناء صحار والمنطقة الحرة بلغت أكثر من 27 مليار دولار أمريكي، مع تأكيد الجاهزية اللوجستية لجذب مزيد من الاستثمارات.

واستعرض محافظ شمال الباطنة محمد بن سليمان الكندي أمام الوفد الصيني أهم المشاريع التنموية القائمة في المحافظة، وفرص النمو الاقتصادي، حيث أشار إلى أن ميناء صحار يستقبل قرابة 3 آلاف سفينة سنوياً بحمولة إجمالية تصل إلى 85 مليون طن، ويتصل بأكثر من 55 ميناء حول العالم، وتضم مدينة صحار الصناعية أكثر من 354 مشروعاً.

من جانبه قدم رئيس الوفد الصيني 'ونج يو بو' نبذة عن النشاط الاقتصادي الصيني، وما تقدمه بكين للعالم في جميع المجالات التجارية والصناعية، مؤكداً مساعي بلاده لتعزيز استثماراتها في مختلف القطاعات الزراعية والصناعية والتجارية حول العالم، ومن ضمن ذلك السلطنة.

شراكة قوية

وأسهمت التبادلات السياسية رفيعة المستوى بين البلدين في تعميق التعاون بمختلف المجالات، وتعميق الثقة الاستراتيجية المتبادلة وتعزيز التعاون المشترك.

ونقل موقع 'الصين اليوم' عن السفيرة الصينية لدى السلطنة لي لينغ بينغ قولها إن العلاقات بين الصين وعُمان تتسم بالتكامل الاقتصادي القوي والإمكانيات الهائلة.

ونفذت الشركات الصينية عديداً من المشروعات الهندسية الكبيرة في عُمان، مثل الطرق العامة عالية الجودة، وخطوط الصرف الصحي، ومحطات توليد الطاقة، ومصانع الأسمنت وغيرها. 

وأصبحت شركتا 'بتروتشاينا' و'هواوي' الصينيتان شريكين مهمين لعمان في مجالي النفط والغاز والاتصالات، كما تحظى شركة الكهرباء الصينية بشراكة فاعلة في التنمية الطويلة الأجل لعمان في صناعة الطاقة، وتعتبر 'الدقم' الحديقة الصناعية الصينية- العمانية المشتركة. 

وتصدرت الصين أعلى 5 دول للتبادل التجاري مع سلطنة عمان خلال عام 2022، مسجلة 10.1 مليارات ريال عماني (26.2 مليار دولار)، وأوضح التقرير السنوي للإدارة العامة للجمارك العمانية، الصادر في 5 مايو 2023، أن قيمة الواردات من الصين بلغت 1.1 مليار ريال عماني (2.9 مليار دولار)، مقابل 9 مليارات ريال عماني (23.4 مليار دولار) لقيمة الصادرات العمانية للصين.

وحافظت الصين على مكانتها كأكبر شريك تجاري لعمان وأكبر مستورد للنفط الخام العماني لسنوات المتتالية، وفي عام 2021 بلغ حجم التبادل التجاري بينهما 32.1 مليار دولار أمريكي، بزيادة سنوية بلغت نسبتها 71%.

مخاوف أمريكية

وتثير التحركات الصينية في سلطنة عمان المخاوف الأمريكية من تنامي النفوذ الصيني في منطقة الخليج الاستراتيجية.

وحول ذلك يؤكد الخبير الاقتصادي سايمون واتكينز، في مقال نشره موقع 'أويل برايس'، في 7 مارس 2023، وجود تنافس قوي بين الصين والولايات المتحدة على عُمان باعتبارها المركز الحيوي للنفط في الشرق الأوسط.

وبيّن واتكينز أن الصين تهدف إلى السيطرة على جميع نقاط العبور الرئيسية لشحن النفط الخام من الشرق الأوسط إلى أوروبا، ويتناغم هذا الهدف مع خطة الصين المتجسدة في 'حزام واحد وطريق واحد' القائم على سلسلة من المشاريع المتعددة.

وتعتزم عُمان تقديم دفعة جديدة من مناطق التراخيص البحرية للنفط والغاز، بحلول نهاية يونيو 2023، حيث من المرجّح أن تتسابق الشركات الأمريكية والصينية للفوز بها.

وفي ذات الإطار أشارت مجلة 'بوليتيكو' الأمريكية، في فبراير 2023، إلى أن بكين استثمرت مليارات الدولارات في خطوط أنابيب النفط ومحطات التخزين على طول الخليج العربي، ما أثار مخاوف لدى مسؤولي الأمن القومي الأمريكي الذين يخشون أن يمنح ذلك بكين تأثيراً خطيراً في نقطة الالتقاء الرئيسية، لشحنات البترول.

ونوّه التقرير بأن استثمارات الصين بلغت مليارات الدولارات على مدى العقد الماضي في مرافق الموانئ في الإمارات وسلطنة عُمان، وهما دولتان تمتدان عبر المضيق مقابل المياه من إيران.

وأثارت مشاركة عمان في أعمال منتدى 'الحزام والطرق' الذي أقيم في بكين عام 2019 مخاوف الإدارة الأمريكية من تنامي التحديات الصينية في المنطقة.

وذكرت السفيرة الصينية بالسلطنة 'لي لينج بينج' عام 2019 أن عُمان مؤيد نشط لمبادرة الحزام والطريق، حيث تم توقيع مذكرة تفاهم بين البلدين في هذا الشأن، ونفذ بموجبه تعاون استثماري، وبلغت استثمارات المرحلة الأولى 2.5 مليار دولار.

دلالات عديدة

ويرى الخبير الاقتصادي عامر الشوبكي أن دلالات الحضور الصيني المتزايد في سلطنة عُمان تندرج تحت المحاولات الجديدة لدول الخليج العربي في تنويع علاقاتها الاقتصادية والتجارية، والفصل ما بين العلاقات التجارية والعلاقات العسكرية أو الأمنية.

ويضيف الشوبكي في حديثه لـ'الخليج أونلاين' أن الصين تعتبر الشريك التجاري الأول لعُمان، لذلك تحرص السلطنة على تعميق العلاقات معها من جهة، وتحاول أن توازن ما بين هذه العلاقات وعلاقاتها مع الولايات المتحدة وبريطانيا من جهة أخرى.

ويرى الشوبكي أن هذا التعاون يأتي نتيجة اهتمام الصين أولاً بعُمان كموقع جغرافي يمثل طريقاً مهماً للدخول إلى غرب آسيا وإلى منطقة الجزيرة العربية، وكذلك موقعها المهم على مبادرة طريق الحرير.

وأشار إلى أن عُمان تعد بلداً مستقطباً للاستثمارات، حيث تمتلك ثروات ومعادن تحتاج إلى عمليات استكشاف، وتجد الصين فيها أيضاً موطئ قدم يحظى بمعاملة جيدة، بالإضافة إلى ما تتمتع به السلطنة من علاقات متوازنة مع الدول الخليجية والإقليمية والعربية.

ولفت إلى أن عُمان لديها احتياطي كبير من الغاز، كما أن الصين تسعى إلى استبدال الفحم بالغاز الطبيعي، ويمكن أن تكون عُمان -بعد زيادة إنتاجها الغازي- واحدة من الدول التي تستورد منها الصين، بالإضافة إلى وجود معادن أخرى كالهيدروجين الأخضر والنفط ومنتجاته العديدة التي تحتاجها الصين في تجارتها.