اخبار سلطنة عُمان
موقع كل يوم -الخليج أونلاين
نشر بتاريخ: ٢٠ حزيران ٢٠٢٥
طه العاني - الخليج أونلاين
- منتدى 'رؤية الخليج 2025' يعزز الشراكة الاستراتيجية بين دول الخليج وفرنسا في قطاعات حيوية مثل الطاقة والذكاء الاصطناعي والتعليم
- النسخة الأخيرة من المنتدى ركزت على تحويل الرؤى إلى مشاريع عملية وتوسيع التعاون بين القطاعين العام والخاص لدعم التنمية المستدامة
في ظل التغيرات المتسارعة التي يشهدها الاقتصاد العالمي، برزت الحاجة الملحة إلى إعادة رسم مسارات التعاون الدولي، خاصة بين التكتلات الإقليمية والقوى الاقتصادية الكبرى.
ومن هذا المنطلق، جاءت قمة 'رؤية الخليج 2025' التي انعقدت بالعاصمة الفرنسية باريس في 17 يونيو الجاري، لتشكل منصة حوارية استراتيجية تهدف إلى توسيع آفاق الشراكة بين دول مجلس التعاون الخليجي والجمهورية الفرنسية.
شراكة استراتيجية
جاء مؤتمر 'رؤية الخليج 2025' (فيجن جولف) في نسخته الثالثة ليترجم الرغبة المتبادلة في بناء شراكة استراتيجية مستدامة بين دول الخليج وفرنسا، وسط تحولات اقتصادية عالمية تفرض الحاجة إلى تحالفات أكثر مرونة وابتكاراً.
وشهد هذا المؤتمر الاقتصادي الهام، حضور ممثلين رفيعي المستوى عن الحكومات الخليجية والفرنسية إلى جانب نخبة من القادة الاقتصاديين والخبراء في قطاعات متعددة.
وأشارت وكالة الانباء الكويتية 'كونا' في 17 يونيو إلى أن الجلسة الافتتاحية تناولت رؤى متعددة حول سبل تعميق التعاون، حيث أكد المتحدثون على أهمية توجيه الجهود نحو مجالات حيوية مثل الطاقة المتجددة، الذكاء الاصطناعي، البنية التحتية، والتعليم، باعتبارها ركائز أساسية لأي شراكة مستقبلية.
كما شكّل المؤتمر فرصة لبحث آليات تحويل الطموحات التنموية إلى خطوات تنفيذية تدعم الاستثمارات المشتركة وتسرّع وتيرة التنمية المستدامة في المنطقة.
وعلى مدى يومين، ناقش المشاركون تحت شعار 'من رؤى طموحة إلى تأثير ملموس' 10 أولويات رئيسية، تشمل التحول في قطاع الطاقة، والذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا الزراعية، والأمن الغذائي، والصحة، والتعليم، والسياحة، وأنظمة النقل، وتطوير بيئة الاستثمار.
ويأتي هذا التوجه ليعكس التقاء الإرادات نحو بناء نموذج تعاون اقتصادي قادر على مواجهة التحديات العالمية وتوسيع الفرص بين القطاعين العام والخاص.
وفي وقت سابق أكد مدير منطقة الشرق الأدنى والأوسط في وكالة 'بيزنس فرانس'، التي تنظم الحدث، أكسيل بارو، في لقاء مع وكالة 'كونا'، في 16 يونيو، أن المؤتمر يشكل منصة إستراتيجية لتعزيز الشراكات التي تقيمها فرنسا في مختلف المجالات مع دول مجلس التعاون الخليجي.
وأكد أن نسخة 2025 من المؤتمر تمثل نقطة تحول في العلاقات الاقتصادية بين فرنسا ودول الخليج، من خلال ربط 'فرنسا 2030' بالرؤى الخليجية، وتحويل النقاش إلى تعاون تطبيقي ومشاريع عملية، موضحاً أن 'المؤتمر يوفر للشركات الفرنسية مدخلاً مباشراً لصناع القرار الخليجيين والعكس صحيح وهو ما يسهم في بناء شراكات طويلة الأمد'.
نقلة نوعية
ويقول الباحث الدكتور حبيب الهادي إن العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي وفرنسا تاريخية واستراتيجية، وتقوم على مصالح مشتركة واسعة تشمل الجوانب السياسية والاقتصادية والثقافية.
ويضيف لـ'الخليج أونلاين' أن منتدى 'رؤية الخليج 2025' في باريس يشكل نقلة نوعية، متحولاً من مجرد ملتقى للحوار والتفاهمات إلى شراكة استراتيجية حقيقية.
ويشير الهادي إلى أن هذا التحول يأتي في ظل التغيرات الإقليمية والدولية المتسارعة، حيث يتسابق العالم نحو تعزيز التعاون بين التكتلات الإقليمية والعالمية.
ويوضح أن هناك تشابهاً وانسجاماً بين رؤية فرنسا 2030 ورؤى دول مجلس التعاون الخليجي، مما يصب في مصلحة الطرفين ويخدم أهداف التنمية المستدامة لشعوبهم.
ويتوقع الهادي مستقبلاً واعداً لهذه العلاقات، مؤكداً أنها ستستمر في التطور والتقدم نظراً للحاجة المتبادلة بين الجانبين، وضرورة الحفاظ على هذه العلاقات وتنميتها واستدامتها.
ويلفت إلى أن جدول الأعمال يضم العديد من المشاريع الحيوية في مجالات الطاقة، والرقمنة، والذكاء الاصطناعي، والاقتصاد الأخضر، والأمن الغذائي، بالإضافة إلى التعاون في القطاعات الاستثمارية والسياحية والعسكرية والصناعية.
ويؤكد الهادي بأن العمق التاريخي لهذه العلاقات والثقة المتبادلة بين الطرفين يشكلان عوامل مشجعة لنمو وازدهار هذه الشراكة، والمضي قدماً نحو المزيد من التقدم والتطور.
بدوره يشير المحلل السياسي إبراهيم دشتي إلى أهمية عدم اعتماد دول الخليج بشكل كلي على الولايات المتحدة والغرب، نظراً لوجود تحالفات ومصالح لتلك الدول تتفوق فيها علاقاتها مع 'المعسكر الآخر'، خاصة مع إسرائيل.
ويوضح في حديثه مع 'الخليج أونلاين' أن التعاون مطلوب في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها الاقتصاد العالمي، لكنه يجب أن يكون تعاوناً وليس اعتماداً.
ويشير دشتي إلى إمكانية التعاون في مجالات حيوية مثل الطاقة، والذكاء الاصطناعي، والرعاية الصحية، والتعليم، والطاقة المتجددة، للاستفادة من خبرات الدول المتقدمة في هذه المجالات.
ويأمل المحلل أن يصب هذا التعاون في تعزيز الشراكة الاقتصادية المستدامة وأن يشمل استثمارات متبادلة، حيث يتمنى أن تكون هناك استثمارات أوروبية وفرنسية في الخليج، خصوصاً مع المسار الجيد الذي اتخذته دول مثل السعودية والإمارات وقطر في هذا الاتجاه.
ويوضح دشتي ضرورة تحفيز المستثمر الأجنبي لدخول أسواق الخليج، بدلاً من اقتصار تدفق رؤوس الأموال الخليجية إلى الخارج.
ويلفت إلى أهمية التركيز على المجالات التي نجحت فيها فرنسا والاستفادة من خبراتها، مع الأخذ في الاعتبار الاستفادة من خبرات دول أخرى مثل الصين وروسيا وبريطانيا وأمريكا، لتجنب الاعتماد على بلد واحد.
ويؤكد بأن العلاقات الخليجية الفرنسية مستقرة إلى حد كبير، ولكن يجب عدم المراهنة كثيراً عليها، لأن أولويات تحالف فرنسا في المنطقة لا تصب بالكامل في صالح دول الخليج، بل تعطي الأولوية دائماً لإسرائيل، وهو ما اتضح خلال الحروب الأخيرة.
ويدعو دشتي في ختام حديثه إلى توثيق العلاقة وتبادل الاستثمارات اقتصادياً، مع التأكيد على أن تكون الاستثمارات متبادلة، مستفيدين من الاستقرار السياسي في فرنسا.
تنمية الأعمال
يسعى منتدى 'رؤية الخليج 2025'، إلى تسريع وتيرة الشراكات الاقتصادية من خلال تركيزه على فرص التعاون بين الشركات الخليجية والفرنسية، خاصة في ضوء ما تشهده المنطقة من تحولات تنموية ومشاريع كبرى.
ويُنتظر أن تشهد فعاليات المنتدى اجتماعات متخصصة مع شركات فرنسية عاملة في الخليج لتوقيع اتفاقيات تجارية وبحث تأسيس مشاريع مشتركة، وفق ما نقلته صحيفة الاقتصادية السعودية عن مصدر إعلامي في مؤسسة 'بيزنس فرانس' المنظمة للحدث.
وذكرت الصحيفة، في 15 يونيو الجاري، بأن المنتدى يمثل 'منصة عملية لتعزيز التعاون التجاري مع الأسواق عالية النمو في القطاعين العام والخاص'، وتحتل مجالات مثل النقل، التجارة، البيئة، والفعاليات الرياضية، موقعاً متقدماً على جدول أعمال المنتدى هذا العام.
كما نقلت الاقتصادية عن أكسل بارو، تأكيده على عمق العلاقات الاقتصادية بين فرنسا ودول الخليج، مشيراً إلى أن قيمة الصادرات الفرنسية إلى المنطقة بلغت نحو 16 مليار دولار عام 2023، وأن السعودية والإمارات تمثلان أبرز أسواق النمو في الخليج.
ويُشارك في المنتدى وفود أعمال من 7 دول، بينها السعودية والإمارات وقطر والكويت، إضافة إلى شخصيات من القطاعين العام والخاص، مثل الرئيس التنفيذي لبرنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية سليمان المزروع، والأمين العام لمجلس الإمارات للمستثمرين الدوليين جمال الجروان، إلى جانب ممثلين عن مكتب أبوظبي للاستثمار ومجموعات اقتصادية كويتية وقطرية.
كما تتضمن الجلسات نقاشات حول مستقبل البنية التحتية والطاقة المستدامة وتحديات الرعاية الصحية، بالإضافة إلى استعراض فرص العلامات التجارية الفرنسية في الأسواق الخليجية، في سياق يعكس حرص الطرفين على بناء شراكات قائمة على المصالح المشتركة والجاهزية الاستثمارية.
ووصفت إذاعة 'مونت كارلو' الدولية هذا الحدث بأنه أكبر فعالية تجارية اقتصادية سنوية لتعزيز التعاون التجاري بين فرنسا ودول مجلس التعاون الخليجي.
ويأمل الجانبان بأن يسهم هذا المنتدى في فتح نافذة جديدة على مستقبل العلاقات الاقتصادية، حيث لا تقتصر الأهداف على تعزيز التبادل التجاري، بل تتجاوزها نحو بناء منظومات استثمارية قائمة على الابتكار والتكامل الإقليمي، وبين الطموح والرؤية، يبقى التنفيذ العملي هو مفتاح التحوّل الذي تترقبه الأسواق.