رغم حاجة أوروبا.. لماذا لا تنحرف بوصلة طاقة الخليج عن آسيا؟

سلمى حداد - الخليج أونلاين

ما الفكرة؟... رغم الزيادة الكبيرة في الطلب على النفط والغاز في دول أوروبا في ظل العقوبات المفروضة على صادرات الطاقة الروسية ضمن تداعيات حرب موسكو ضد أوكرانيا، إلا أن دول الخليج العربي ما زالت تتشبث بالحفاظ على تعاقداتها مع الأسواق الآسيوية وترفض تعليق أو وقف أي منها.

وتعد دول الخليج المصدر الأساسي لعمالقة الاقتصاد الآسيوي خاصة الصين والهند وكوريا الجنوبية وسنغافورة واليابان، وتتصدر القائمة السعودية من خلال صادراتها النفطية وقطر بإمداداتها من الغاز الطبيعي المسال.

وحاولت دول أوروبا وبمساعدة من الولايات المتحدة الأمريكية إقناع قطر وبقية دول الخليج لتحويل جزء من صادراتها النفطية من آسيا إلى أوروبا، ولكن الدول الخليجية طالما أعلنت رفضها لذلك.

- كم تستهلك آسيا؟.. تستورد الصين 40% من احتياجاتها النفطية من دول الخليج، كما تُعد بكين المستورد الأول للنفط السعودي.

وتتصدر 7 دول بالشرق الأوسط قائمة مصدري النفط لدول آسيا وهي: العراق، والكويت، والإمارات، وعُمان، والسعودية، وقطر، والبحرين.

وارتفعت صادرات المنتجين الـ7 خلال الربع الأول من 2023 بنسبة 0.6% إلى 17 مليون برميل يومياً.

وبلغ إجمالي واردات آسيا من النفط خلال شهر مارس 2023 قرابة 116.73 مليون طن، ما يعادل 27.6 مليون برميل يومياً، وفق بيانات منصة 'ريفينيتيف' المتخصصة في تتبّع حركة الشحن والناقلات.

وتزيد هذه الأرقام بنسبة 4% عن إجمالي واردات آسيا من النفط خلال شهر فبراير 2023، المستقرة عند 112.32 مليون طن.

- من يستهلك أكثر؟ انتعش الطلب على النفط في الصين، أكبر مستورد للخام عالمياً، منذ مطلع عام 2023، بعد أن خففت الإجراءات الاحترازية من فيروس كورونا بصورة كبيرة، ما أدى إلى استئناف النشاط الاقتصادي والصناعي بصورة أقوى.

وارتفعت واردات الصين وحدها في شهر مارس 2023 إلى 49.26 مليون طن، ما يعادل 11.56 مليون برميل يومياً، وهو أعلى مستوى في 4 أشهر.

وبلغت واردات بكين، خلال شهر فبراير 2023، قرابة 10.66 ملايين برميل يومياً، ما يقلّ عن متوسط مارس 2023، بنحو مليون برميل يومياً.

والسعودية أكبر مصدر نفط إلى الصين خلال شهر مارس من العام الجاري، بمعدل 8.08 ملايين طن.

وتعادل هذه الكمية 16.4% من إجمالي واردات الصين خلال الشهر نفسه، متفوقة على موسكو التي صدّرت 7.95 ملايين طن أو ما يعادل 16.1%.

وبالنسبة للهند فقد ارتفعت وارداتها من النفط الخام، خلال شهر مارس الماضي، إلى 21.23 مليون طن، ما يعادل 5.02 ملايين برميل يومياً، وهو أعلى مستوى في 11 شهراً.

وبلغت واردات اليابان، ثالث أكبر مشترٍ للنفط في آسيا، 10.67 ملايين طن فقط في مارس 2023، ما يعادل 2.52 مليون برميل يومياً.

وقفزت واردات كوريا الجنوبية إلى مستوى قياسي بلغ 3.33 ملايين برميل يومياً، كما سجلت سنغافورة واردات قوية أيضاً لكن لم يتم تحديد رقم دقيق لها في مارس.

أرقام الإمدادات الكبيرة هذه تأتي رغم خطط مجموعة 'أوبك+' للدول المنتجة للنفط بقيادة السعودية وروسيا خفض إنتاج النفط.

وفي 10 أبريل 2023، كشف تقرير لوكالة 'رويترز'، أن شركة أرامكو السعودية تعتزم توريد كامل الكميات المتعاقد عليها من النفط للمشترين في شمال آسيا، وذلك على الرغم من تعهدها  بخفض إنتاجها بمقدار 500 ألف برميل يومياً.

- انتظر ليس النفط وحده.. الغاز أيضاً تمسكت أكبر مصدر له في العالم بسوقه الآسيوية ورفضت تحويل أي من إمدادات آسيا لأوروبا.

ففي نوفمبر 2022، قال وزير الطاقة القطري والرئيس التنفيذي لشركة 'قطر للطاقة' الحكومية، سعد بن شريدة الكعبي، في تصريحات صحفية، إن الدوحة لن تحول شحنات الغاز المتعاقد عليها بالفعل مع مشترين آسيويين إلى أوروبا.

وأضاف الكعبي أن 'قطر ملتزمة قطعاً باحترام العقود.. عندما نبرم اتفاقاً مع مشتر آسيوي أو أوروبي فإننا نلتزم بالاتفاق'.

التوجه القطري نحو تعزيز صادرات الغاز المسال لدول آسيا يرتبط كذلك بإنتاج الدوحة المستقبلي من حقل الشمال الذي تعمل على تطويره.

ومطلع يونيو 2023، قال رئيس مجلس إدارة 'بتروبنغلا'، زنيندرا ناث ساركر، إن شركة الغاز المملوكة لدولة بنغلاديش وقعت اتفاقاً مدته 15 عاماً مع قطر للطاقة لشراء مليوني طن من الغاز الطبيعي المسال سنوياً.

وأضاف ساركر، في تصريح لـ 'رويترز': 'بموجب الاتفاق الجديد مع قطر، سيتم توريد الغاز الطبيعي المسال اعتباراً من شهر يناير 2026'.

وذكرت الوكالة البريطانية أن الاتفاقية ستكون واحدة من عدة اتفاقيات سيتم توقيعها خلال العام الجاري بين قطر ومستوردي الغاز.

وترتبط الشركة القطرية المملوكة للدولة بعقود طويلة الأجل لتوريد الغاز إلى عدد من الدول الآسيوية، وفي مقدمتها الصين واليابان وكوريا الجنوبية وباكستان.

وفي 21 نوفمبر 2022 وقعت 'قطر للطاقة' اتفاقية بيع وشراء مع مؤسسة الصين للبترول والكيماويات 'سينوبك' لتوريد أربعة ملايين طن سنوياً من الغاز الطبيعي المسال إلى الصين لمدة 27 عاماً.

كما وقعت قطر للطاقة، في فبراير 2021، اتفاقية طويلة الأمد مع شركة 'فيتول' تورد بموجبها 1,25 مليون طن سنوياً من الغاز الطبيعي المسال لعملاء فيتول في بنغلاديش.

ووقعت في الشهر ذاته اتفاقية طويلة الأمد مع شركة النفط الحكومية الباكستانية لتزويد باكستان بما يصل إلى ثلاثة ملايين طن سنوياً من الغاز الطبيعي المسال، ولمدة 10 سنوات.

وأبرمت الشركة القطرية اتفاقاً لتسليم  1.8 مليون طن سنوياً من الغاز الطبيعي المسال لمدة 10 سنوات إلى سنغافورة.

وتعتبر قطر مُورداً موثوقاً للغاز الطبيعي المسال لليابان لأكثر من ربع قرن، منذ أن استوردت اليابان أول شحنة قطرية مصدرة من الغاز الطبيعي المسال إلى الخارج في عام 1997.

وتبلغ شحنات الغاز الطبيعي المسال من قطر إلى كوريا الجنوبية ما يقرب من 10 ملايين طن سنوياً، وهو ما يمثل 30% من احتياجات الطاقة في كوريا.

وفي منتصف أبريل الماضي ورّدت 'قطر غاز' شحنة من الغاز الطبيعي المسال إلى محطة 'دمرة' لاستلام الغاز الطبيعي المسال في الهند التي تعد من المستوردين الرئيسيين للغاز القطري منذ العام 1999.

- لكن لماذا كل هذا الاهتمام؟.. الخبير الاقتصادي منير سيف الدين يقول: إن 'سوق آسيا تشكل ثروة لدول الخليج العربي النفطية من عدة نواحٍ تتمثل بالاستهلاك والجغرافيا والتطور'.

وأضاف سيف الدين، في حديثه لـ'الخليج أونلاين'، أن 'آسيا فيها دول عملاقة اقتصادياً مثل الصين والهند وسنغافورة واليابان وماليزيا وتايوان وغيرها، ومن ثم فإن حجم استهلاكها للطاقة كبير جداً، وهذا ما يدفع دول الخليج لعدم التخلي عن هذه السوق، وتركيز الاهتمام عليها رغم الحاجة للنفط بمناطق أخرى من العالم'.

وأشار إلى أن الجانب الثاني من المعادلة يتعلق بقرب السوق الآسيوية من دول الخليج، وسهولة نقل النفط، والتبادل التجاري عموماً بخلاف أوروبا وأمريكا.

وفيما يتعلق بالتطور، ذكر الخبير الاقتصادي أن الاقتصاد الآسيوي ينمو بشكل متواصل والصناعات كذلك تتطور سريعاً؛ وذلك بسبب رخص الأيدي العاملة وتوفرها بكثرة علاوة على توفر الموارد.

وأوضح أن هذا التطور الذي تشهده دول مثل الصين والهند واليابان وسنغافورة يعني ارتفاع معدلات استهلاك الطاقة بشكل متواصل بخلاف ما يحدث بأوروبا التي تحاول توفير استهلاك الطاقة.

وقال: 'بنظرة بسيطة نجد أن السوق الآسيوية هي الأكثر دواماً بالنسبة للدول المصدرة للنفط، ونجد أن روسيا بدأت تنافس بقوة في هذه السوق أيضاً بعد فرض العقوبات الغربية عليها، لذلك لا يمكن لدول الخليج أن تتخلى عنه'.

لكنه أشار بالوقت ذاته إلى أن الدول الخليجية ستعمل على زيادة إنتاجها لتلبية حاجة السوق الأوروبية أيضاً لكنها لن تتخلى عن نظيرتها الآسيوية بأي شكل.