"الأكبر عالمياً".. ما تأثير حوالات الأجانب على اقتصادات دول الخليج؟

كامل جميل - الخليج أونلاين

بوصفها بلداناً تعتمد اعتماداً كبيراً على العمالة الأجنبية الوافدة، تواصل دول الخليج منذ عقود تسجيل ارتفاع قيمة التحويلات المالية، وهو ما يثير التساؤل حول ما إذا كان خروج هذه المبالغ يمثل استنزافاً للأموال يؤثر على اقتصاديات دول المجلس.

دول مجلس التعاون الخليجي -وفق ما ذكر صندوق النقد الدولي أخيراً- تعتبر أكبر مصدر للتحويلات المالية في العالم، كنسبة من ناتجها المحلي الإجمالي.

وبحسب الصندوق، فإنه غالباً 'ما تتجاوز نسبة العمال الأجانب في الخليج 70٪ من السكان'، مشيراً إلى أن السعودية والإمارات 'تعتبران مصدرين كبيرين للتحويلات المالية لجنوب آسيا وشمال أفريقيا وجنوب شرقي آسيا'.

ولفت الصندوق، في مقال نُشر على مدونته، إلى أن نمو التحويلات المالية في منطقة الخليج يمكن أن يتغير، بسبب توجه الحكومات إلى توظيف عدد أقل من العمّال الأجانب كجزء من حملة توطين الوظائف التي كان يشغلها المهاجرون الأجانب.

مواقع عمل جاذبة

إقبال الأجانب على العمل في دول مجلس التعاون الخليجي يعود إلى عدة عوامل ومزايا؛ تجعل هذه الدول وجهة مغرية للعمالة الوافدة.  

بحسب البحث الذي أجراه 'الخليج أونلاين' فإن من أبرز هذه العوامل وجود فرص العمل والرواتب العالية؛ حيث تشهد دول مجلس التعاون نمواً اقتصادياً سريعاً وازدهاراً في عديد من القطاعات مثل النفط والغاز، والبنية التحتية، والسياحة.

هذا يعني وجود عديد من الفرص الوظيفية في هذه القطاعات، مع رواتب تكون عادةً مجزية بالمقارنة مع البلدان الأخرى.

ميزة أخرى تجذب الوافدين إلى دول الخليج تتمثل ببيئة العمل الخليجي التي توصف بأنها مستقرة وآمنة، وتعدّ من أكثر الدول استقراراً في منطقة الشرق الأوسط.  

من الميزات الأخرى هي تمتع دول الخليج ببنية تحتية متطورة، وتوفر الخدمات الاجتماعية المختلفة؛ ما يجعل الحياة أكثر راحة وسهولة، ويسمح للعامل الوافد باصطحاب عائلته للعيش فيها.

ميزة أخرى هامة أيضاً توفرها دول الخليج وتعتبر جاذبة للوافدين تتمثل بوجود فرص التطوير المهني توفرها بعض الشركات والمؤسسات لموظفيها الوافدين، مما يساهم في تطوير مهاراتهم وزيادة فرصهم في سوق العمل.

ولعل أبرز العوامل الجاذبة للوافدين تمكنهم من ادخار المال بفضل الرواتب العالية التي يتحصلون عليها مقارنة برواتبهم في بلدانهم أو بلدان أخرى.

هذه العوامل تجعل دول مجلس التعاون الخليجي وجهة مغرية للعمالة الأجنبية التي تبحث عن فرص عمل وحياة أفضل ورواتب مجزية.

أعداد كبيرة من الوافدين

منذ عقود، حيث ظهرت الثروة النفطية في الخليج، أصبحت دول مجلس التعاون أبرز الدول الجاذبة للعمالة الأجنبية وفي مختلف القطاعات، خاصة مع النهضة الكبيرة التي أخذت تشهدها منذ ذلك الحين.

ومنذ سنوات أخذت دول الخليج تعتمد سياسات لتقليص عدد الوافدين وتوطين الوظائف، لكن هذه الخطة لا يمكن تنفيذها بالكامل في جميع القطاعات، خاصة مع انخفاض عدد نفوس دول الخليج.

ففي الإمارات يبلغ عدد السكان الأصليين نحو 2.7 مليون نسمة، بينما يبلغ عدد الوافدين نحو 6.6 ملايين نسمة، وهم من 200 جنسية مختلفة. 

وبلغت قيمة تحويلات الأجانب في الإمارات، وفق آخر إحصائية، 40.2 مليار دولار.

وفي السعودية يبلغ عدد الأجانب 12.42 مليوناً، في مقابل 21.69 مليون نسمة عدد السعوديين، وخلال العام الماضي 2022 بلغت تحويلات الأجانب من السعودية 38.19 مليار دولار.

وفي الكويت يبلغ عدد الأجانب 3.276 ملايين نسمة، مقابل 1.517 مليون نسمة عدد المواطنين، وحجم التحويلات من الكويت بلغ نحو 17.74 مليار دولار خلال 2022.

أما دولة قطر فيبلغ إجمالي عدد سكانها 2.300 مليون نسمة، ويبلغ عدد المواطنين القطريين منهم نحو 380 ألفاً. وبلغت تحويلات الوافدين في قطر 12.1 مليار دولار في 2022.

في البحرين يبلغ عدد السكان نحو مليون و711 ألف نسمة، يقدر عدد الوافدين والأجانب المقيمين منهم بـ789.273 نسمة.

وكان حجم التحويل من البحرين خلال عام 2022 قد بلغ 3.1 مليارات دولار.

ويقدر عدد سكان عُمان من المواطنين بـ2.7 مليون مواطن ومواطنة. ويقدر عدد الوافدين الأجانب بـ1.7 مليون نسمة، ولا تتوفر إحصائية حديثة بتحويلات الأجانب، لكنها وفق إحصائية 2021 تبلغ 8.1 مليارات دولار.

حاجة ملحة للعمالة الوافدة

دول مجلس التعاون منذ أكثر من أربعة عقود شهدت طفرة في أسعار النفط، وأخذت الأموال تتدفق عليها استثمره حكام هذه البلدان في تطوير البنى التحتية، ورفع كفاءة السكان، ومواكبة التطورات في العالم، بحسب ما يقول الخبير الاقتصادي نمر أبو كف لـ'الخليج أونلاين'.

ويشير المحلل الاقتصادي إلى أنه نظراً لعدم تهيؤ سكان الخليج لهذه التطورات التي شرعت بها حكومات بلدانهم؛ كان لا بد من الاستعانة بالخبرات الأجنبية بنوعيها الماهرة وغير الماهرة.

التحويلات المالية الكبيرة التي تخرج من دول الخليج سنوياً لا يرى أبو كف أنها تستنزف أموال دول الخليج.

ويقول: إن هذه العمالة 'ساهمت بشكل كبير جداً في تطوير دول الخليج في الوقت الذي لم تكن فيه هذه الدول مهيأة فنياً أو بدنياً'.

يعتقد أبو كف كذلك أن حجم التحويلات ليس كبيراً نتيجة ضخامة اقتصاد بلدان الخليج وإيراداتها.

من جانب آخر يرى أبو كف أن دول الخليج رابحة من وجود العمالة الأجنبية، موضحاً: 'إذا نظرنا بشكل أوسع إلى العلاقة بين دول الخليج ودول جنوب شرق آسيا التي تعتبر صاحبة أكبر عدد من الوافدين في البلدان الخليجية فهناك تعاون آخر بين الجانبين وليس فقط تحويلات الأيدي العاملة'.

ويشير إلى تعاون في مجالات الصناعة والزراعة وتكنولوجيا الاتصالات وغيرها، ويقول: 'هناك عملاقان كبيران هما الهند والصين، ومستقبلاً أتوقع أن تحل الصين محل الولايات المتحدة من ناحية القوة الاقتصادية، وربما تحل الهند ثالثاً'.

ويضيف: 'ومن ثم فإن دول الخليج لها مصلحة في أن تكون علاقاتها جيدة مع هذه الدول في ظل نمو اقتصاداتها، ما يعني أن العلاقة منفعية بين الطرفين وليست من طرف واحد كما يعتقد البعض'.

يلفت أبو كف إلى 'وجود وظائف لا يمكن لمواطني الخليج تحمل ظروفها، وأيضاً ما يتقاضاه هؤلاء العاملون في الخليج هو ناتج عن عملهم، ما يعني أنهم يسهمون في صناعة الاقتصاد لدول الخليج والنهضة العمرانية وغيرها من النشاطات'. 

ويرى المحلل الاقتصادي أن دول الخليج تسعى وفق خطط مدروسة لتوطين الوظائف بما يساهم في تقليص الحوالات المالية، ويعتقد أن 'هنالك جملة من المهن سيكون من الممكن إحلال المواطنين فيها، مع وجود تشديد في القوانين لعمل الوافدين، وهي أساليب لتقليل عدد الوافدين وإحلال المواطنين في هذه المهن تدريجياً بما لا يؤثر على المشاريع والنمو'.