اخبار المغرب
موقع كل يوم -العمق المغربي
نشر بتاريخ: ٢٩ أيلول ٢٠٢٥
أدانت ثلاث هيئات حقوقية مغربية بارزة، في بيانات منفصلة، ما وصفته بالقمع الممنهج والتدخلات العنيفة التي طالت الاحتجاجات السلمية التي دعا إليها شباب 'جيل Z' في عدد من المدن المغربية يومي السبت والأحد 27 و28 شتنبر 2025، محملة السلطات والحكومة المسؤولية الكاملة عن تدهور الأوضاع وانتهاك الحقوق الدستورية للمواطنين.
وأعربت كل من الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان، والعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، والجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان بالمغرب، عن صدمتها وغضبها من لجوء السلطات إلى المقاربة الأمنية واستعمال القوة المفرطة في مواجهة محتجين عزل خرجوا للتعبير عن مطالب اجتماعية واقتصادية مشروعة، وطالبت بالإفراج الفوري عن كافة المعتقلين وفتح تحقيق شامل في الانتهاكات المسجلة.
وكشفت الهيئات الحقوقية أن السلطات عمدت إلى تطويق الفضاءات العمومية ومنع التجمعات قبل انطلاقها، مع اللجوء إلى مطاردة وتعقب المشاركين واعتقال العديد منهم بشكل تعسفي، بمن فيهم نشطاء حقوقيون وشباب، وفي بعض الحالات تم اعتقال أشخاص لمجرد محاولتهم الإدلاء بتصريحات للصحافة. وسجلت الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان أن هذه التدخلات العنيفة وغير المبررة شملت مدنا عدة، حيث سُجلت حالات اعتداء بالضرب والدفع والمطاردة، ما أدى إلى نقل بعض الضحايا إلى المستشفيات، واحتجاز آخرين دون احترام للضمانات القانونية، وفي ظروف وصفتها بأنها 'تذكر بأيام الرصاص' وتكشف عن تراجع خطير في مجال الحريات.
وأوضحت المنظمات الثلاث أن هذه الاحتجاجات، التي نظمها شباب عبر منصات التواصل الاجتماعي، كانت سلمية في طابعها ورفعت مطالب اجتماعية واقتصادية مرتبطة أساسا بالحق في الصحة والتعليم والشغل والعيش الكريم ومكافحة الفساد والغلاء.
وأكدت الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان أن هذه المطالب جاءت كنتيجة مباشرة لغياب سياسات عمومية ناجعة وتغليب المقاربة التواصلية والوعود غير المقرونة بجدول زمني ومؤشرات قياس واضحة، ما أدى إلى تفاقم الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية. وتابعت العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان في السياق ذاته، أن الأوضاع المتسمة بارتفاع نسب البطالة وضعف الخدمات تفرض فتح نقاش وطني جاد بدل المنع.
وحملت الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان الحكومة المسؤولية الكاملة عن تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، معتبرة أن ما حدث يمثل وصمة عار ويشكل دليلا على مساس مباشر بالحقوق والحريات المكفولة دستوريا ووفق التزامات المغرب الأممية. وأشارت إلى أن تراجع أدوار النقابات في الوساطة الاجتماعية والدفاع عن الأجراء والشباب العاطل والفئات الهشة، أفسح المجال لاحتقان اجتماعي واسع تقوده مبادرات شبابية لامركزية.
كما سجلت الرابطة، وفقا لبلاغها، تدخلات أمنية ومنعا لعدد من الوقفات ووقائع توقيف في بعض المدن، محملة السلطات مسؤولية احترام مبادئ الضرورة والتناسب وسلامة الأشخاص، مع ضمان الحق في التجمع السلمي واعتماد الإشعار بدل الترخيص.
من جانبها، سجلت العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان بأسف أن هذه الأشكال الاحتجاجية لم يتح لها أن تكون مجالا للتعبير السلمي الحر، في وقت يحتاج فيه المغرب إلى احتضان صوت الشباب والإنصات إليه.
وأكدت العصبة أن المقاربة الأمنية والمنع لا يمكن أن يكونا بديلا عن الحوار والإصلاح، مشيرة إلى أن طريقة تواصل 'جيل Z' هي مؤشر على أن قنوات التواصل الكلاسيكية كالأحزاب والنقابات لم تعد تؤدي أدوارها، وأن مؤشر الثقة في المؤسسات الرسمية يتجه نحو الانقطاع. وذكرت العصبة برسالتها المفتوحة السابقة لوزير الصحة حول ضرورة إصلاح المنظومة الصحية، وهو المطلب ذاته الذي يرفعه الشباب اليوم إلى جانب إصلاح التعليم.
وبلهجة شديدة، استنكرت الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان ما وصفته بـ'الهجمة القمعية'، معتبرة ما حدث مؤشرا خطيرا على العودة إلى أساليب القمع وانتهاكا صارخا للحق في التعبير والتجمع السلمي.
ورأت الجمعية في هذا النهج إرادة واضحة وممنهجة لإسكات الأصوات المنتقدة وتكميم الأفواه وإغلاق الفضاء العام. وأعلنت أنها ستواصل رصد وتوثيق كافة الخروقات وتفعيل الآليات الوطنية والدولية للدفاع عن كرامة المواطن، داعية القوى الحية إلى توحيد المواقف لمواجهة هذا 'التصعيد السلطوي' و'التراجع الخطير عن المكتسبات'.
وطالبت الهيئات الثلاث، في مطالب متطابقة، بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الموقوفين على خلفية الاحتجاجات السلمية، وفتح تحقيقات حيادية في أي مزاعم استعمال مفرط للقوة أو سوء معاملة، مع ترتيب الإجراءات القانونية اللازمة ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات.
كما دعت إلى الوقف الفوري لمنهجية المنع والتضييق على الحق في التظاهر والاجتماع، والالتزام بالمرجعية الدستورية والاتفاقيات الدولية، مشددة على أن استمرار هذا النهج الأمني لن يؤدي إلا إلى تعميق الاحتقان وتغذية فقدان الثقة في المؤسسات.
وفي ختام بياناتها، جددت المنظمات الحقوقية دعوتها إلى فتح قنوات حوار جادة ومباشرة مع الشباب، والاستجابة لمطالبهم المشروعة عبر صياغة حلول عملية، داعية إلى إطلاق حوار اجتماعي حقيقي وشفاف مع ممثلين فعليين عن المحتجين والشباب والمجتمع المدني، ووضع خطة طوارئ اجتماعية تشمل تقوية الخدمات الصحية العمومية، وإعادة الاعتبار للمدرسة العمومية، واتخاذ إجراءات مستعجلة لتخفيف كلفة المعيشة، ووضع برامج لتشغيل الشباب وربط التكوين بسوق الشغل، مع إقرار آلية مؤسساتية للتبليغ عن الفساد وحماية المبلغين. وأكدت أن الحوار الجاد وربط المسؤولية بالمحاسبة هو السبيل الأنجع لصون السلم الاجتماعي والكرامة الإنسانية.