هل تعول وزارة برادة على قانون الإضراب لتطويق احتجاجات نقابات التعليم؟

تعيش علاقة وزارة التربية الوطنية بالنقابات التعليمية مرحلة تتسم بتزايد منسوب التوتر وفقدان الثقة، نتيجة ما تعتبره النقابات تلكؤا رسميا في تنفيذ الالتزامات المتفق عليها خلال جولات الحوار السابقة. وقد تراكمت مؤشرات هذا الاحتقان منذ أشهر، بدءا بتأجيل تنزيل عدد من المقتضيات المتضمنة في اتفاقي 10 و26 دجنبر 2023، وصولا إلى ما تصفه النقابات بالتعامل الأحادي للوزارة مع ملفات حساسة، وعلى رأسها ملف الحركة الانتقالية، الذي بات يمثل نقطة توتر تنضاف إلى العديد من الملفات العالقة، على حد وصف النقابات.

ويأتي هذا التصعيد في سياق يتسم بتحولات تشريعية مرتقبة، أبرزها اقتراب دخول قانون الإضراب حيّز التنفيذ، وهو القانون الذي تنظر إليه النقابات بكثير من التحفظ، بالنظر إلى ما تعتبره شروطا مقيّدة لممارسة هذا الحق الدستوري. وفي ظل هذه الأجواء، تبدو العلاقة بين الفاعلين مرشحة لمزيد من التعقيد، خصوصا مع تنامي الشعور لدى النقابات بأن الحكومة تميل إلى تقليص هامش التفاوض والاستجابة، مقابل تعزيز سلطتها التنظيمية والتشريعية على حساب التوازنات التي أرساها الحوار الاجتماعي في وقت سابق.

تصفية القطاع وتكريس التراجعات

وفي هذا السياق، يرى عضو المكتب الوطني للجامعة الوطنية للتعليم FNE، كبير قاشا، أن وزارة التربية الوطنية أصبحت أكثر إصرارا من ذي قبل ليس على التملص من التزاماتها السابقة فقط وإنما على المضي في أجرأة وتثبيت مجموعة من التراجعات معيدة عقارب ساعة القطاع لما قبل حراك الموسم المنصرم، مدعومة في ذلك بتسييس فج للقطاع وهو ما تبدى من خلال موجة الاعفاءات الأخيرة في مجموعة من مواقع المسؤولية على خلفية اللون الحزبي.

وقال كبير قاشا ضمن تصريح لجريدة 'العمق' إن تمرير هذا القانون الذي وصفه بـ'التجريمي' للإضراب أكسب الوزارة جرعات إضافية من الجرأة على إعادة النظر حتى في القرارات التي لا تكلفها ولو سنتا واحدا من قبيل الحركة الانتقالية أي لم شمل العائلات، مصرة بذلك على معاملة شغيلة القطاع بنفس عدائي متملص من كل التركة الإيجابية للمرحلة السابقة مستقوية بقانون أغلق مجال التفاوض الجدي والمثمر كما أغلق باب دق نواقيس الخطر بالإضراب الذي لا نعده ترفا بل أبغض الحلال، على حد تعبيره.

أما بالنسبة للقرارات ذات الكلفة المالية، يضيف المتحدث، فإن الوزارة أعادت النظر حتى في تراخيص سابقة حصلت عليها من رئاسة الحكومة بشأن تأويل بنود من اتفاق 26 دجنبر ومواد من النظام الأساسي وذلك بمبرر غموض في الصياغة وعدم دقتها، مواصلة بذلك العبث بمنظومة التعليم العمومية ودفع أوضاع شغيلتها نحو الأسوأ.

وأشار إلى أن ما وصفه بـ'افتكاك' سلاح الإضراب من يد التنسيقيات وربط ممارسته من طرف النقابات بضرورة استنفاذ واستيفاء مجموعة من الشروط البيروقراطية غير المبررة سينتهي باسترقاق رجال ونساء التعليم، فإذا كان هذا القانون التجريمي للإضراب قد وضع من أجل ألايحترم بالنظر للغليان الذي تعرفه الساحة الاجتماعية بصفة عامة والتعليمية خصوصا بالنظر لتراكم العديد من الملفات لعشرات السنوات، فإنه من جهة أخرى أكسب الوزارة مسوغات مغرية للانتقام من بعض المناضلين وجرجرتهم أمام المحاكم بل والتخلص منهم بعزلهم من دون ضمانات تأديبية كما يضمن ذلك هذا القانون لتخويف وترهيب الآخرين، على حد ما جاء في تصريح قاشا.

وقال أيضا إن هذا القانون سيقوم بما عجزت عن الوفاء به كل سياسات تخريب القطاع منذ سنوات، هذا القطاع الذي ظل واقفا بفضل يقظة وحذر وتضحيات هذا الجيش الصبور المكافح من أجل حماية هذا المرفق. وأضاف: 'لقد أصبحت الفرصة سانحة لتصفية القطاع وخلق كل شروط النفور من المدرسة العمومية لصالح تهيئة أفضل مناخ لفاحشي الثراء من أجل الاستثمار في أبنائنا والتربح السريع منهم، وهو ما عبر عنه وزير التربية الوطنية في العرض الذي قدمه أمام المجلس الحكومي بالاستقلالية المالية والإدارية للمؤسسات التعليمية، أي فتحها أمام قوانين السوق والبضاعة والعرض والطلب، خصوصا وأن النضالات من أجل وقف هذه 'الدكاكة النيوليبرالية' بالاحتجاج من أجل حماية الخدمات العمومية أصبحت بمقتضى المادة 5 إضرابا يمارس خلافا لأحكام قانون 97.15 المكمل للدستور وهي بذلك ممارسة غير مشروعة للإضراب ترتب المساءلة القانونية 'للمتلبس بها'.

ملفات عالقة وتهميش ممنهج

أما الكاتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم، المنضوية تحت لواء الكونفدرالية العامة للشغل، فقد أكد في تصريح لجريدة 'العمق' أن وزارة التربية الوطنية دأبت، على مدى السنوات، على عدم الوفاء بالتزاماتها، بدءا من الاتفاق المبرم مع الوزير السابق سعيد أمزازي، والمتعلق بتسوية وضعية دكاترة القطاع، بما في ذلك إحداث إطار 'الأستاذ الباحث'، وهو التزام لم يجد طريقه إلى التنفيذ، كما هو الحال مع ملفات أخرى ظلت معلقة، من قبيل تسوية وضعية الأساتذة المقصيين من خارج السلم، وقضية ضحايا النظامين.

ويضيف المتحدث أن الملفات التي تترتب عنها كلفة مالية تظل الأكثر تهميشا من طرف الوزارة، التي تراهن، حسب قوله، على عامل الزمن وانقضاء الموسم الدراسي، في انتظار دخول قانون الإضراب حيّز التنفيذ، باعتباره أداة حماية قانونية للوزارة، نظرا لما يتضمنه من بنود وصفها بالتعجيزية، من شأنها التضييق على الحق في الإضراب، وإقصاء التنسيقيات التي كانت تخوض نضالات ميدانية للدفاع عن الملفات الفئوية بجدية وواقعية. واعتبر أن بعض النقابات التي صوتت لصالح هذا القانون تمثل امتدادات لأحزاب تشارك في الائتلاف الحكومي الحالي.

وقال الكرعي في حديثه عن الملفات التي تتهم الوزارة بالتماطل في معالجتها، إن 'مباراة توظيف دكاترة التربية الوطنية، التي تم تقسيمها إلى ثلاث دفعات، لا تزال تشهد تعثرا في التنفيذ، رغم استكمال المعنيين بالملف لجميع الإجراءات المطلوبة. أما مباراة الترقية بالشهادات وتغيير الإطار، فلم تُعلن نتائجها بعد، وهو ما يثير شكوكا حقيقية حول مدى التزام الوزارة بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه'. كما أشار إلى أن تسوية الوضعية الإدارية والمالية لعدد كبير من الأساتذة، الذين لا يزالون في الرتبة الثانية رغم أحقيتهم في الترقية إلى الرتبة الخامسة، لم تُفعّل بعد، ما يعكس، حسب قوله، عجز الأكاديميات الجهوية عن تدبير هذا الملف منذ اعتماد نظام التوظيف الجهوي سنة 2017.

وختم المتحدث بتوجيه انتقادات حادة للنقابات الموقعة على الاتفاقات مع الوزارة، محمّلا إياها مسؤولية الوضع الراهن، مؤكدا أن تلك الاتفاقات ساهمت، وفق تعبيره، في تأخير الاستجابة لمطالب التنسيقية الوطنية للأساتذة وأطر الدعم المفروض عليهم التعاقد، التي كانت من بين أولى الجهات التي نبهت لهذه الاختلالات. وأضاف أن عددا من مناضلي التنسيقية رفعوا أصواتهم في هذا الاتجاه منذ البداية، غير أن بعض النقابات اختارت الاصطفاف إلى جانب الوزارة، ما أدى، حسب رأيه، إلى مزيد من التباطؤ في معالجة الملفات العالقة.