لايف ستايل
موقع كل يوم -في فن
نشر بتاريخ: ١١ حزيران ٢٠٢٥
شهدت شاشات رمضان هذا العام عرض مسلسل 'وتقابل حبيب'، والذي حاول جاهداً تقديم قصة حب معقدة ضمن إطار اجتماعي ملوث بالجشع المادي والفواجع. ومع محاولة المسلسل تقديم دراما رومانسية آسرة، إلا أنه سرعان ما غرق في بحر من الكليشيهات المعتادة والتفاصيل المتكررة، والمشاهد التي بدت مقتبسة من أعمال فنية سابقة، عربية وأجنبية، مثل فيلم ومسلسل 'الأب الروحي' وغيرهما.
يُعد هذا العمل امتدادًا أو إعادة استثمار لمسلسل 'ونحب تاني ليه' الأكثر نجاحًا والذي شارك فيه أغلب فريق العمل. إلا أن 'وتقابل حبيب' يخرج للمشاهد كعمل يفتقر إلى العمق ويعاني من عدم التماسك وضعف المنطقية.
واتت الحبكة الدرامية واهية مليئة بالتكرار والافتقار للمنطق منذ الوهلة الأولى، ويبرز ضعف الحبكة الدرامية كأحد أبرز عيوب المسلسل. فقد حاول جمع العديد من المؤثرات، وربما كل شيء تقريباً رغم البداية القوية نسبيًا. تدور القصة حول اكتشاف زوجة خيانة زوجها وزواجه السري من امرأة أخرى لأكثر من أربع سنوات، ولديه منها طفل، مستغلاً أموالها. تتوالى الأزمات بعد اكتشاف الحقيقة، لا تقتصر على الزواج السري، بل تمتد لتشمل تدهور أحوال الأسرة الثرية المالية والأسرية، وتفشي التسلط والاستبداد والانتهازية. تتوالى الأحداث بين كشف المستور وضربات القدر ليجمع القدر حبيبين تجمعهما صدق المشاعر وتفرقهم العديد من التناقضات الأسرية والمجتمعية.
على الرغم من حداثة مدخل المشكلات، إلا أنها سرعان ما تعاني من التكرار والافتقار لأي عنصر مفاجأة. فالأحداث تتوالى بشكل متوقع، والشخصيات تتحرك في مسارات تبدو محددة سلفاً، مما يقتل أي فرصة للمشاهد للانغماس في عالم المسلسل أو التعاطف مع شخصياته. كما أن الإيقاع البطيء للأحداث، الذي وصل في كثير من الأحيان إلى حد الملل، أضاف عبئاً آخر على المشاهد، وجعله يتساءل عن الهدف من تمطيط الحلقات إلى 30 حلقة، في حين كان يكفيها 15-20 حلقة بحد أقصى.
اما فيما يتعلق بالشخصيات فقد ظهر بين التميز والإخفاق ، فقد حاول المسلسل تقديم شخصيات حقيقية أو مركبة، إلا أن بعضها لم يكن مقنعاً أو مبرراً بالقدر الكافي في معظم الأبطال، على الرغم من محاولات البعض منهم تقديم أداء مميز، بدوا كلوحات زيتية جامدة ، تفتقر إلى العديد من الأبعاد النفسية والتحولات الداخلية مما تجعل الشخصية قابلة للتصديق أو حتى مجرد القبول. كما بدت الأفعال وردود الأفعال مفتعلة في كثير من الأحيان، والعلاقات بين الشخصيات لم تتطور بشكل طبيعي، بل بدت وكأنها مفروضة فرض. ينطبق هذا الأمر أيضاً على اغلب الشخصيات الثانوية، التي لم يكن لها أي بصمة حقيقية في الأحداث، وبدت مجرد أدوات لتحريك الحبكة المتهالكة أصلا فيما بين ابطال العمل.
وتجدر الاشارة الي ان أداء بعض قد ساهم في تألق المسلسل من خلال بعض الأبطال خصوصًا ياسمين عبدالعزيز وكريم فهمي. وقد تميزت بطلة او نجمة العمل ياسمين عبدالعزيز في دور 'ليل الحسيني'، حيث قدمت أداءً رائعاً بقدراتها الفائقة، ورغم تراجع بعض ملامح هذا التألق في الأداء في كثرة المشاركة في الإعلانات، إلا أنها تفوقت على اغلب أعمالها السابقة، وبكل تأكيد لديها المزيد لتقدمه لو منحت للجمهور مساحة للشوق لها، وكذلك أبدع كريم فهمي في دور 'فارس أبو العز' بأداء تميز بالصدق واستلهام حقيقة الأمور وعدالتها بمثالية مفرطة للغاية حتى على نفسه. أجاد في تقديم عمق رجولة المواقف قبل رجولة الوسامة أو العضلات، وكان يكبح إغراء أي امرأة تقابله بكل ثقة واحترام وتقدير سواء كان متزوجًا او عازبًا او ارمل، مما جعله حقاً الأمل او التمني لكل امرأة في المسلسل وربما خارجه ايضا من الجمهور. ربما قدم كريم فهمي في هذا المسلسل أروع أدواره، بل ربما قدم أروع أدوار الرجل كما يجب أن يكون بصورة أقرب للمثالية.
ومن أبرز علامات هذا المسلسل تحديداً كانت أنوشكا أو 'إجلال أبو العز' التي تؤكد بكل رقي وتمكن أداءها المميز للمرأة الأرستقراطية المسيطرة المتحكمة الذكية، والتي لا تتردد في أن تكون شريرة حفاظاً على كيان الأسرة وثرائها لابعد الحدود. كما بزغ نجم الشاب محمود عمرو ياسين، حفيد الفنان القدير محمود ياسين وابن مؤلف العمل، في دور الابن الأصغر 'حازم أبو العز'، الذي يسعى بكل براءة إلى استكشاف طريقه بين الخير والشر، سواء في صراعاته النفسية الفتية الثرية والأخوية بين الأكبر والأوسط، أو في علاقته بالأسرة المتحكمة (الأب والأم) أو المجتمع المحيط به.
ربما أجاد الجميع في ادوارهم أيضاً، ولكن ليس بدرجات التميز الفائق المطلوب أو بمستوي من تم ذكرهم آنفاً. وربما أخفق خالد سليم، الأخ الأكبر في دور 'يوسف أبو العز'، وذلك في اعتماده على ضخامة جسمه كأبرز أدواته الأدائية - وليس له ذنب في ذلك طبعاً - ولكنه أخفق في التعامل مع الشخصية أو حتى التمثيل بمرونة أو ليونة أكثر، وبدا جامداً أكثر مما يستوجب. كما فشل فشلاً ذريعاً في الحلقات الأخيرة في التحول أو التغيير، لذا لم يتعاطف معه المشاهد حتى مع النهاية المفجعة والأليمة والمتوقعة، والتي أداها بكل ضعف أقرب إلى السوء بعينه.
اما بالنسبة الي الحوار والإخراج فقد تبدو نقاط الضعف اكثر وضوحًا، بالإضافة إلى ما تقدم، حيث يمكن ملاحظة وجود ضعف كبير في الحوارات التي جاءت أغلبها سطحية ومباشرة، وتفتقر إلى العمق الفلسفي أو حتى الحس الفكاهي الذي كان يمكن أن يخفف من حدة الملل احيانًا إلا فيما ندر. لذا جاءت الكثير من الجمل مكررة والأفكار مطروحة بشكل سطحي، مما جعل الاستماع إليها أمراً شاقاً. بدلاً من أن تكون الحوارات محركاً للأحداث وكاشفاً عن دواخل الشخصيات، تحولت إلى مجرد إلقاء خطب تكاد تكون محفوظة، إلا من بعض الإفيهات الباسمة أحياناً على لسان الأبطال الضيوف أو بالاحري الأختين العانس وأختهما الصغرى والتي جاء معظمها بإقحام لاستدرار الضحك او حتي البسة.
أما الإخراج والذي تصدي له المخرج محمد الخبيري فقد كان عاملاً آخر أسهم في تراجع مستوى المسلسل. فقد جاء تقليدياً وبلا أي لمسة إبداعية، وكأن المخرج اكتفى بتصوير المشاهد دون أي رؤية فنية حقيقية مميزة غير مقتبسة من أعمال سابقة تشعر انك قد رأيتها من قبل . لم تكن الزوايا الكادرات للمشاهد موفقة، والمونتاج لم يكن سلساً بالدرجة الكافية في النقل والبطئ والسرعة كثيرا، مما أثر على تدفق الأحداث خصوصًا في الحلقات الأخيرة دون توازن للإيقاع مع النصف الاول للمسلسل او ربما ثلثيه مما ساهم في الشعور بالرتابة احيانًا والسرعة احيانًا اخري خصوص قرب نهاية المسلسل .. كما لعبت الإضاءة والديكور، وهما عنصران أساسيان في بناء الأجواء الدرامية، رغم انهما بدوا باهتين وغير ملهمين في بعض الاحيان .. وربما أنقذت الموسيقى التصويرية الكثير من المواقف في توضيحها في ذهن المشاهد او حتي في المتابعة للحلقات
وفي الختام اجد ان المسلسل يعد فرصة ضائعة.
يمكن إن كان يحسب للمسلسل 'وتقابل حبيب' في تقديم دراما رومانسية مؤثرة، إلا أنها لم تستثمر جيداً أو بالقدر الكافي بالرغم من وجود كفاءات تمثيلية قادرة على العطاء، إلا أن رتابة وتيه كل من النص والإخراج ألقيا بظلالهما على العمل ككل. فلم يقدم المسلسل جديداً، بل ظل يدور في فلك التقليدية المعتادة رغم وجود تيمة رومانسية جيدة وأرضية مناسبة للصراع كان من الممكن الاستفادة منهما بشكل أفضل. لذا خرج العمل ككل في النهاية أقل بكثير مما كان يمكن أن يكون، بالرغم من عدم افتقاره للعديد من العناصر والقيم الفنية الحقيقية، إلا أنها وللأسف الشديد كانت مهدرة بين الرومانسية والغموض مما يؤكد أن النوايا الحسنة والمحاولات الطيبة وحدها قد لا تكفي لصناعة عمل درامي ناجح ومتميز يبقى في أذهان المشاهدين طويلاً بمحاولات الجمع بين كل الاشتداد او الأضداد في سياق درامي فني واحد.