نجَوتُ من قبضة مُنحرف!

لَم أنتبِه إلى ما كان يُخطّط له رامي زوجي في ما يخصّني، فكيف لي أن أعلَم أنّ ذلك الرجُل الهادئ والرصين، كان في الواقع إنسان مريض ومُنحرِف؟ فتلك الأمور والميول تبقى مُخبّأة في ثنايا المرء، وتحمِله على إبراز سلوك مُعاكِس كي لا يُفضَح أمره. وهؤلاء هم الصنف الأخطَر، لأنّ ما مِن أحَد يأخذ حذَره منهم، وكان رامي أحدَهم.

سألَ أهلي عن رامي وعائلته قَبل الزواج، والكلّ ناشَدَ به مِن حيث الأخلاق والسلوك، فاطمأنّ بالُهم مِن ناحيتي، خاصّة أنّ عريسي كان ناجِحًا ومُقتدِرًا وباستطاعته تأمين أفضل حياة لي. أليس هذا ما يطلبه الأهل لِبناتهم؟ ولأنّ الكلّ قالَ عن رامي إنّه مُميّز ومثاليّ، صدّقتُهم وركّزتُ على أمور أخرى حجبَت عنّي رؤية ما بإمكانه لَفت انتباهي. على كلّ الأحوال، هو كان يَختبِئ وراء شخصيّة ابتكَرَها منذ سنوات، لِدرجة أنّها صارَت بمثابة شخصيّته الحقيقيّة، على الأقل بين الناس. أحبَبتُه لأنّه كان ينتبِه لرغباتي ويهتمّ بي، ورأيتُ مُستقبلًا واعِدًا معه، فأقدَمنا على الزواج وكنتُ أجمَل عروس وسط أهل وأصدقاء خالوا حقًّا أنّني فزتُ بالجائزة الكبرى.

شيء واحِد كان يُزعجُني مِن جهة رامي: أصدقاؤه، فهؤلاء لَم يكونوا كأصدقائي، أناس بسطاء ولدَيّ أمور مُشتركة معهم، بل مُختلفين عنّي تمامًا مِن حيث تفكيرهم وطريقة حياتهم. فبالرغم مِن مُحاولاتهم ليبدوا لطفاء وقريبين منّي، كنتُ أشعرُ بانزعاج في حضورهم، وأُبذِلُ جهدًا كبيرًا لإخفاء شعوري وأنا برفقتهم. كانوا جميعًا مُتزوّجين ولدى البعض أولاد، لكنّ اهتماماتهم لَم تكن تلك الموجودة عند أرباب وسيّدات البيوت، بل أمور اجتماعيّة وصفتُها ضمنيًّا بالسطحيّة وغير المُهمّة. وكانت هناك نظراتهم إليّ... وهم يُراقبوني ويتفحّصوني وكأنّني فأر ستُجرى عليه التجارب، ولَم أكن مُخطئة. شاركتُ رامي ما يدورُ في بالي حيالهم، وهو ضحِكَ وقالَ: 'ستعتادين عليهم... وأرجو أن تفعلي'. فهمتُ مِن كلامه أنّه يُريدُني أن أتقبّلهم، وعزمتُ أن أفعل.

لَم أكن أعلم آنذاك أنّ على الإنسان أن يثِق بحاسّته السادسة، أو على الأقلّ أن يأخذها بِعَين الاعتبار.

ليلة فرَحي كانت كما تصوّرتُها تمامًا، أيّ مليئة بالحبّ، ونجَحَ زوجي بأنّ أتغلّبَ على خجَلي وأن أثِقَ به تمامًا. وهذا الخجَل بالذات أعجبَه إذ أنّه قال لي في الصباح: 'أنتِ تُحفة بالفعل، إنسانة طاهِرة وبريئة، الزوجة المثاليّة!'. حسبتُ ذلك إطراء وافتخَرتُ بنفسي، لكنّه كان يرمي إلى أمور أخرى بعيدة كلّ البُعد عمّا فهمتُه.

بعد ذلك، بدأنا حياتنا الزوجيّة كأيّ ثنائيّ آخَر، يذهبُ رامي إلى عمَله وأنا أهتمّ بالبيت وبه، بعد أن تركتُ وظيفتي عند طلَبه. لَم أُبالِ أن أمكثَ في البيت، إذ أنّني كنتُ مُقتنِعة بأنّني أقومُ بدوري كزوجة تقليديّة. أخذَني رامي إلى أجمَل الأماكن، وجلَبَ لي كلّ ما تتمنّاه نفسي... إلى حين هو أعرَبَ عن نيّته الاختلاط مِن جديد مع شلّته، بعد أن أعطاني وقته حصريًّا. تفهمّتُ الأمر طبعًا، فكانت لي أيضًا مجموعة أصدقاء اشتَقتُ إليهم بعد أن قضَيتُ كلّ فترة عزوبيّتي معهم. لِذا رافقتُ زوجي إلى إحدى دعوات صديقَيه جميل ومُنى، وهما ثنائيّ ناجِح اجتماعيًّا ومهنيًّا. كنتُ قد تعرّفتُ إليهما في فترة الخطوبة ويوم الفرَح، وكانا مِن هؤلاء الذين لَم أستلطِفهم كثيرًا. جرَت السهرة بسلاسة وندِمتُ لأنّني حكمتُ عليهما بسرعة، إذ أنّهما فعَلا جهدهما لأشعر أنّني لستُ غريبة وسطهم. لكنّ أسئلة مُنى لي حين كنتُ معها في المطبخ أُساعدها بترتيب الصحون أحرجَتني كثيرًا، فهي أرادَت أن تعرف تفاصيل عن حياتي الحميمة مع رامي. فكيف لي أن أخبِر إنسانة غريبة عنّي ما لا أجرؤ على إخباره لصديقتي الحميمة؟ ردّة فعلي أدهشَتها، فقالَت:

ـ أعذريني، لَم أقصد ازعاجكِ... حسبتُنا صديقتَين.

ـ أجل لكن...

ـ أعلَم، أعلَم... لكن اعرفي أنّ هذا الحديث هو طبيعيّ بعد الزواج. سيزولُ خجلكِ بعد فترة، وستعتادين علينا.

كانت مُنى قد قالَت الكلمات نفسها التي لفظَها زوجي عنهم، أمرٌ غريب.

ولدى عودتنا إلى البيت، أخبرتُ زوجي عن الحديث الذي دارَ بيني وبين مُنى وما كان جوابي لها، فخفتُ أن تُخبره هي أوّلًا ويظنّ أنّني فظّة مع أصدقائه. وهو قال:

ـ عليكِ أن تفهمي أمرًا مُهمًّا يا حبيبتي... نحن نتشارَك كلّ شيء بيننا، أعني وأصدقائي.

ـ لَم أفهَم.

ـ أعني أنّ أسئلة مُنى ليست غير اعتياديّة. إسمعي، لستُ مُراهقًا، وكانت لدَيّ علاقات عاطفيّة قَبل أن أتعرّف إليكِ، واصطحبتُ صديقاتي معي أينما ذهبتُ وتخالَطنَ مع شلّتي مِن دون أيّ مشاكل.

ـ ليس لدَيّ مُشكلة لكن... أعنّي أنّ أسئلة مُنى كانت مُحرِجة وحسّاسة.

ـ هاهاها! كَم أنتِ بريئة. عليكِ أن تعتادي على أصدقائي والديناميكيّة الموجودة بيننا، فقد صِرتِ زوجتي وأنا اخترتُكِ مِن بين صبايا كثيرات. لا أُريدُكِ أن تكوني الوحيدة المُختلِفة بينهنّ. إتّفقنا؟

ـ إتّفقنا.

ومع الوقت، صِرتُ أكثر مرونة مع 'الشلّة'، وبتُّ أتقاسَم مع الزوجات بعض الأخبار الخاصّة، لكن دائمًا مع التحفّظ طبعًا، فلَم أكن مُعتادة على هكذا مواضيع. وكان زوجي ممنونًا منّي، لأنّني بدأتُ أندمِج بتلك الديناميكيّة شيئًا فشيئًا.

كنّا دائمًا نجتمِع عند مُنى وجميل، هكذا كان العرُف بين الجميع، لكنّ السهرات صارَت تدومُ لوقت أطول مرّة بعد الأخرى... إلى حين قرَّرَ زوجي أنّ مِن الأفضل أن نبيتَ عندهم في إحدى الليالي، لأنّ الوقت كان مُتقِّدمًا جدًّا مع أنّنا لَم نكن بعيدَين عن بيتنا. أردتُ العودة لكنّ مُنى أصرَّت عليّ كثيرًا، وأعطَتني لباس نوم وفرشاة أسنان جديدة وكلّ ما أحتاج إليه. أمّا بالنسبة لزوجي، فتفاجأتُ أنّ لدَيه أمتعة خاصّة به عند أصدقائه في الغرفة المُخصّصة للزوّار، واستنتجتُ أنّه كان مُعتادًا أن يقضي الليل عندهم. إنتابَني شعور غريب حين رأيتُ في خزانة تلك الغرفة ملابس داخليّة نسائيّة جريئة، كالتي أراها في المحلّات والتي لَم أجرؤ يومًا على لَمسها. وتفاجأتُ أكثر حين طلَبَ منّي رامي أن أرتديها، لكنّني رفضتُ بقوّة قائلة:

ـ لا! ولمَن هي في الأصل؟

ـ هذا لا يهمّ. أنتِ زوجتي وأحبّ أن أراكِ في ملابس داخليّة مُثيرة، هيّا.

لَم أقبَل، الأمر الذي ولَّدَ برودة بيننا، إلّا أنّ زوجي لطّفَ الأجواء سريعًا ونسينا الموضوع. خلَدنا إلى النوم بسرعة بعد أن قبّلنا بعضنا.

إستفَقتُ مذعورة حين شعرتُ بأحدٍ يُزيلُ الغطاء عنّي. علِمتُ أنّه لَم يكن زوجي بالرغم مِن الظلمة، فأطلقتُ صرخة وأسرعتُ بإضاءة الضوء. وإذ بي أرى بذهول جميل زوج مُنى يجلسُ على حافة السرير وبسمة لعينة على وجهه. نادَيتُ رامي بأعلى صوتي لكنّ الرجُل قال لي: 'إنّه مع مُنى... وأنا معكِ.'

أخذتُ كوب الماء الموجود قرب سريري وضربتُ جميل به على رأسه، الأمر الذي أبعدَه عنّي صارِخًا: 'أيّتها المجنونة! أنتِ مجنونة! رامي! رامي!'. فتَحَ زوجي باب الغرفة وأسرَعَ لمُساعدة صديقه، ثمّ نظَرَ إليّ بغضب سائلًا: 'ماذا فعلتِ له؟!؟ كدتِ تقتلينه!'. لَم أستطِع التكلّم لكثرة اندهاشي، فأخذتُ هاتفي وركضتُ إلى الحمّام واقفلتُ الباب ورائي بالمفتاح. خابَرتُ أخي باكيةً وطلبت منه المجيء لإنقاذي بسرعة. سمعتُ خبطًا قويًّا على باب الحمّام، إذ أنّ زوجي وصديقه حاوَلا الدخول بينما كانت مُنى، التي وصلَت الغرفة، تصرخُ عاليًا: 'لماذا أتَيتَ لنا بها يا رامي؟!؟ فهي ستفضحُنا!'.

مرَّ الوقت ببطء رهيب وأنا أنتظرُ مجيء أخي، وخفتُ أن يكسرَ الرجُلان الباب ويقتلاني كَي لا أفضَح أمرهم، لِذا قلتُ لزوجي مِن وراء الباب: 'لقد اتّصلتُ بالشرطة وهي قادِمة'. عندها سادَ السكوت لبضع ثوانٍ، ثمّ قال لي رامي: 'الشرطة؟ ولماذا يا حبيبتي، كانت تلك دعابة وليس أكثر... كمّ أنّكِ قليلة الفهم... دعابة... وهل تظنيّن أنّني قادِر على فعل هكذا أمور؟'. ثمّ غيّرَ عذره وقالَ بعد دقيقة: 'أردتُ اختباركِ لأعرفَ إن كنتِ زوجة وفيّة، هذا كلّ ما حصل'.

إرتاحَ قلبي عندما قالَت مُنى للرجُلَين: 'هناكَ مَن يخبطُ بقوّة على الباب! أتَت الشرطة! تّبًا لكَ يا رامي!'. سكَتَ الجميع ثمّ سمعتُ صوت أخي في الغرفة وهو يصرخ ويُهدّد، عندها فقط خرجتُ مِن الحمّام، وارتمَيتُ في ذراعَيه وأخذتُ حقيبة يدي وخرجتُ مِن تلك الشقّة القذِرة، بينما أفسَحَ لنا الجميع الطريق بصمت وخوف. بكيتُ كثيرًا في طريق العودة إلى أهلي، وهناك رويتُ لهم ما حصَلَ بالتفاصيل. قرّرنا كلّنا أنّ لا يجدرُ بي أبدًا العودة إلى المنزل الزوجيّ بل رؤية مُحامٍ في الصباح. إقترَحَ أخي أن نُخبِر الشرطة، إلّا أنّني قلتُ له إنّ رامي سيُبرِّر ما حصَلَ بطريقة أو بأخرى وإنّني لا أُريدُ الفضائح.

لَم يُحاوِل زوجي الوقوف في دَرب الطلاق، ربّما خوفًا على سمعته أو لمّا وجَدَ أنّني لَم أكن ذات منفعة لانحرافاته وأصدقائه، أيّ أنّ لا حاجة لي. لَزِمَني وقت طويل لتخطّي الصدمة والوثوق بالناس مُجدّدًا ولفَهم طبيعة ما حصَلَ، فكيف لي أن أستَوعِب أنّ زوجًا يُبدِّل زوجته مع رجُل آخَر؟؟؟ أين ذهَبَ حبّكَ لي، يا رامي، وخوفكَ عليّ؟ أين كرامتكَ وعزّة نفسكَ ومُحافظتكَ على عرضكَ؟ إنّكَ إنسان مريض وقبيح... وأحمدُ ربّي أنّ بيت أهلي لَم يكن بعيدًا عن حيث كنتُ، ليأتي أخي بسرعة ويُنقذني مِن الأسوأ!

حاورتها بولا جهشان