لايف ستايل
موقع كل يوم -فوشيا
نشر بتاريخ: ١١ حزيران ٢٠٢٥
تكشف الطبعة الجديدة من كتاب 'مراسلات جوركي وتشيخوف'، الصادرة عن دار 'أقلام عربية' في القاهرة، بترجمة جلال فاروق الشريف، عن أبعاد إنسانية وفكرية نادرة، تجسدت في تبادل الرسائل بين اثنين من أبرز رموز الأدب الروسي: مكسيم جوركي وأنطون تشيخوف.
هذه الرسائل لا تعكس فقط مشاعر الود والتقدير المتبادل بينهما، بل تكشف عن حوارات صادقة حول الحياة، الأدب، والمعاناة المشتركة مع مرض السل.
جوركي: انكسارات روح تبحث عن معنى
في رسائله، بدا جوركي كاتبًا يقف على حافة الهاوية النفسية، متأرجحًا بين نوبات من الشك واليأس، وبين لحظات نادرة من الرجاء.
وعبّر بصراحة موجعة عن قلقه من مفهوم 'العبقرية'، وعن شعوره بالاغتراب والضعف: نحن كائنات مثقلة بالضجر، بائسون، محكوم علينا بالضياع... أسهر لأحرس نفسي من الأفكار السوداء.
كما كتب في لحظة ضعف: أنا فظ وثقيل الظل، نفسي مريضة لا شفاء فيها، أتكلم كي لا أقول شيئًا، والروح تبكي بصمت لا يُقال.
تشيخوف: الحكمة المختصرة والكلمة المشجعة
على عكس رسائل جوركي الطويلة والمشحونة، جاءت رسائل تشيخوف موجزة، مركّزة على الدعم العملي والتشجيع، وكأنه يحاول بث النور في عتمة رفيقه.
ويقول له في إحدى الرسائل: لقد كانت مقالتك عطراً ضمخ روحي... اكتب، فإنك تمتلك قلماً نادراً يستحق أن يطرق ميدان النقد.
ورغم بساطة كتابته، لم تغب روح الدعابة أو الإخلاص، مثل رده على مقترح جوركي للذهاب إلى الصين قائلاً: اقتراحك غريب، لكن الحرب هناك في أوجها، وإن ذهبت فسيكون بصفتي طبيباً عسكرياً.
من الإعجاب إلى الصداقة المتبادلة
في البداية، اتخذت العلاقة طابع التلميذ والأستاذ، إذ أبدى جوركي احترامًا بالغًا لتشيخوف، وكتب له باعتراف مؤثر: لا أتحدث إليك فقط لأنني أحبك، بل لأنك تملك القدرة على تحويل كلمة إلى حياة كاملة.
ومع مرور الوقت، نضجت العلاقة إلى صداقة متينة، سمحت لجوركي أن يوجّه نقدًا أدبيًا صريحًا إلى تشيخوف، في إطار من الاحترام المتبادل والثقة.
تناقضات داخلية: العزلة بين الحكمة والجنون
جوركي، الذي طالما مجّد الأمل في أدبه، ظهر في رسائله كروح ممزقة بين الرغبة في العزلة وبين الحاجة إلى ضوء الآخر.
كتب قائلاً: سأعيش وحيدًا وسأعمل... العزلة قد تكون بداية الحكمة أو الجنون، لا أعلم بعد، وعندما حاول تقليد عزلة تشيخوف الريفية، جاءه الرد بالنصيحة أن يهجر الأماكن الصغيرة، ليرد جوركي ببساطة: لا أحب المدن الكبيرة، سان بطرسبرغ ليست لي.
الموت والخلود الأدبي
رغم تقاربهما في السن وإصابتهما بنفس المرض، كانت النهاية مختلفة، إذ رحل تشيخوف مبكرًا عام 1904، بينما عاش جوركي حتى 1936، ليواصل إثراء الأدب الروسي بإرث إنساني وفكري عظيم، يُعد من آخر علامات الأدب الروسي الكلاسيكي بعد بوشكين وتولستوي ودوستويفسكي.
مراسلات تضيء روحين كبيرتين
يمثل هذا الكتاب نافذة نادرة تطل منها القرّاء على البعد الإنساني والوجودي لكاتبين شكّلا وجدان القرن العشرين الأدبي.
فمن خلال هذه الرسائل، تتضح هشاشة العظماء، وصدق الحوارات التي تنشأ حين يجتمع الألم مع العبقرية، ويصير الأدب وسيلة للتطهير، والتعبير، وربما النجاة.