ما هو مفهوم السفر الفاخر الرائج اليوم؟ إمارة موناكو نموذجاً

يعني السفرُ الفاخرُ تقديمَ مستوى أعلى من الرحلاتِ إلى الوجهاتِ السياحيَّة المعتادة، وأماكنِ الإقامة، إضافةً إلى الحصريَّة والخصوصيَّة، مع الإشارة إلى أن الإقبال على السفر الفاخر يتصاعد لا سيما في صفوف المسافرين من جيلِ الألفيَّة (أي بين الأفراد المولودون بين عامي 1981 و1996)، جنباً إلى جنبٍ مع الأثرياء. في السطور الآتية، تعريف بمفهوم السفر الفاخر، وأسباب بروزه في الآونة الأخيرة، مع اتخاذ إمارة موناكو نموذجاً، فهي بقعةٌ خلَّابةٌ، تقعُ على طولِ الريفييرا الفرنسيَّة، وتعدُّ مكاناً مثالياً لقضاءِ عطلةٍ فاخرةٍ، وهي دولةٌ صغيرةٌ ذات سمعةٍ كبيرةٍ، وكانت ولا تزالُ، تجذبُ مَن يبحثون عن الإثارةِ والفخامة.

لماذا تتصاعد شعبية السفر الفاخر؟

تسهم أربعةُ عواملَ رئيسةٌ في الشعبيَّة المتزايدةِ لصناعةِ السفر الفاخر، على رأسها زيادةُ الثروة؛ إذ أصبح عديدٌ من الأفرادِ على استعدادٍ لإنفاق جزءٍ من هذا الدخلِ على تجاربِ السفرِ الفاخرة. وهناك أيضاً ظهورُ المسافرين من جيلِ الألفيَّة، وهؤلاء يقودون نموَّ سوقِ السفرِ الفاخر، جنباً إلى جنبٍ مع الأثرياء، وينظر أفرادُ هذا الجيلِ إلى السفرِ بوصفه أكثر من مجرَّد نشاطٍ ترفيهي، فهو أيضاً فرصةٌ للتعليمِ والنموِّ الشخصي، وبدلاً من الاستثمارِ في الممتلكاتِ الماديَّة، أو الخدماتِ التقليديَّة، يُعطي جيلُ الألفيَّة الأولويَّة للإنفاقِ على الرحلاتِ الفاخرة التي توفِّرُ الانغماسَ، والاستكشافَ متعدِّد الثقافات. ويبرزُ كذلك عاملٌ ثالثٌ، لا يمكن تجاهله في إطارِ البحثِ عن نموِّ السفرِ الفاخر، يتمثَّل في منصَّات الحجزِ عبر الإنترنت، ففي العصرِ الراهن، الذي تُحرِّكه التكنولوجيا، تؤثِّرُ الخدماتُ الرقميَّةُ المريحة بشكلٍ مباشرٍ في اهتمامِ المستهلكين، وتُعزِّز المبيعاتِ عبر مختلفِ القطاعات، بما في ذلك السياحة، وإدراكاً لهذه الإمكانات، حرصَ كبارُ اللاعبين في صناعةِ الرفاهيَّة على عدمِ تفويتِ الفرصة من خلال إنشاءِ منصَّاتٍ إلكترونيَّةٍ سهلةِ الاستخدام، تجعلُ عمليَّاتِ الحجزِ سلسةً مع لمسةٍ فاخرةٍ. أمَّا العاملُ الرابعُ، فهو الرغبةُ في البحثِ عن تجاربَ فريدةٍ، فالأفرادُ الذين يسعون إلى الحداثة، يُفضِّلون توسيعَ آفاقهم إلى ما هو أبعدُ من مجرَّد الاسترخاء، ونتيجةً لذلك، يُقدِّم مُشغِّلو السياحةِ الفاخرةِ تجاربَ مُصمَّمةً بعنايةٍ، تتضمَّن أنشطةً غامرةً، وتفاعلاً مع الثقافةِ المحليَّة، إلى جانبِ الاستمتاع بالمأكولاتِ الفاخرة، وخوضِ تجربةِ سفرٍ أصيلة.

إمارة موناكو

تعدُّ إمارة موناكو وجهةً فاخرةً مع مستوى أمانٍ ممتازٍ في ظلِّ وجودِ ضابطِ شرطةٍ واحدٍ لكلِّ 100 مقيمٍ، ومطاعم حاصلة على نجمة ميشلان فأكثر، وفنادقَ، ومنتجعاتٍ صحيَّةٍ أنيقةٍ، ومتاجرِ أزياءٍ راقيةٍ، وأحداثٍ ثقافيَّةٍ وفنيَّةٍ... وفي عهدِ تشارلز الثالث، الممتدِّ من 1856 حتى وفاته في 1889، كان أميرُ موناكو، يروِّجُ بنشاطٍ للإمارةِ بوصفها وجهةً فاخرةً، ما جذبَ الأوروبيين الأثرياء، بمَن فيهم الملكُ فيكتور إيمانويل الثاني من إيطاليا، وعائلاتٌ ملكيَّةٌ أخرى، وبالنظرِ إلى أسلوبِ الحياةِ الباذخ، ووسائلِ الراحة، إضافةً إلى مناخِ البحرِ الأبيض المتوسّط المعتدل، الذي يتميَّز بصيفٍ حارٍّ وجافٍ، وشتاءٍ معتدلٍ ورطبٍ، والموقعِ الممتازِ بين مدينة نيس والساحلِ الجنوبي الغربي لإيطاليا، ليس من المستغربِ أن يجدَ كثيرٌ من الأثرياء موناكو المكانَ المثالي لإيقافِ سياراتهم ويخوتهم الفاخرة.

تعدُّ مونت كارلو، إحدى مناطقِ موناكو، رمزاً للبلاد؛ إذ تضمُّ معالمَ بارزةً مثل ساحةِ الكازينو، وشارعِ مولان، وكنيسةِ سانت تشارلز، وأقسامٍ من حلبةِ سباق «فورمولا 1»، إضافةً إلى حدائقَ ومتنزَّهاتٍ مذهلةٍ، ودارِ الأوبرا الوحيدةِ في العالم التي تنفردُ بإطلالةٍ على البحر، وتستضيفُ عروضَ أوبرا غير عاديَّةٍ كلَّ موسمٍ.

التسوق الفاخر في موناكو

سيجدُ السائحون المولعون بالعلاماتِ التجاريَّة الحصريَّة، والأزياءِ الراقية، أن مونت كارلو لديها قائمةٌ طويلةٌ من متاجرِ التجزئةِ الفاخرة التي تنافسُ أي مكانٍ آخرَ على هذا الكوكب.

تشمل أماكنُ التسوُّقِ الفاخرةِ مجمَّعَ وان مونت كارلو الواقعَ إلى جوارِ ساحة الكازينو، هذا المجمَّع، الذي افتُتِحَ عامَ 2019، يتَّصفُ بعمارةٍ حديثةٍ، وهو موطنٌ لعددٍ من العلاماتِ التجاريَّة العائدةِ للأزياءِ، والمجوهراتِ، والساعاتِ الأكثر تميُّزاً في العالم.

ويُقدِّم كلٌّ من فندقِ باريس ذي المبنى التاريخي، وفندقِ هيرميتاج بعمارته من فترةِ الحقبةِ الجميلة التي عرفتها أوروبا أواخرَ القرنِ الـ19 وبدايةِ القرنِ الـ20، تجربةَ تسوُّقٍ لا تُنسى، فهما يستضيفان أفضل متاجرِ المصمِّمين في موناكو، إضافةً إلى المجوهراتِ النادرة، كما يُوفِّران للمتسوِّقين ميزةً أخرى، تتمثَّل في الاستمتاعِ بمشترياتهم مع إمكانيَّة الوصولِ إلى المطاعمِ والخدماتِ الفاخرة في المكانِ نفسه، أيضاً، يبرزُ «متروبول» مركزُ التسوُّقِ الأنيق الذي يتميَّز بأرضيَّاته الرخاميَّة، وثرياته من الكريستالِ، وسلالمه الجميلة، ما يمنحُ الزائرَ إحساساً بفخامةِ القصر. ويضمُّ المكانُ أكثر من 80 متجراً صغيراً، تُقدِّم مجموعةً مختارةً من العلاماتِ التجاريَّة الراقيةِ العائدة للأزياءِ، ومنتجاتِ التجميلِ، والأكسسواراتِ، والمأكولاتِ الشهيَّة.

تجربة مسافرة في موناكو

حسبَ كاتارينا تشيك، مدوِّنةُ السفرِ سلوفاكيَّة الجنسيَّة، على مَن ينوي زيارةَ موناكو توقُّعُ أسعارٍ مرتفعةٍ، فالسياحةُ في الإمارةِ باهظةُ الثمن، خاصَّةً في ما يتعلَّق بالطعامِ والإقامة، وعند التجوُّل، من الضروري الانتباه إلى قواعدِ اللباسِ في بعض الأماكن؛ إذ تفرضُ على المرتادين ملابسَ رسميَّةً. من جهةٍ ثانيةٍ، لا بدَّ من انتعالِ أحذيةٍ مريحةٍ فموناكو صغيرةٌ، لكنَّها جبليَّةٌ، لذا ستمشي صعوداً كثيراً، لكنْ إذا كان السائحُ، لا يرغبُ في المشي طويلاً، فيمكن للحافلاتِ المحليَّة أن تأخذه إلى أي مكانٍ مقابل مبلغٍ صغيرٍ، فوسائلُ النقلِ العام فاعلةٌ ورخيصةٌ، كما تُؤكِّد.

وعن أهمِّ الأماكنِ السياحيَّة، تقولُ:«لا يجب تفويتُ المرورِ بقصرِ الأمير، مقرّ إقامةِ أمير موناكو، بإطلالاته الخلَّابةِ على الميناء، هناك يحلو الاطلاعُ على تغييرِ الحرسِ في الساعة 11:55 صباحاً. أيضاً متحفُ المحيطات عنوانٌ جاذبٌ، وهو عبارةٌ عن حوضِ أسماكٍ، ومتحفٍ مشهورٍ عالمياً، يضمُّ الحياةَ البحريَّة، والمعروضاتِ المتعلِّقةَ بالمحيط، وللتنزُّه والاستمتاعِ بأجواءِ موناكو، أنصحُ بزيارةِ ميناءِ هرقل المليء باليخوتِ الفاخرة، والمطاعمِ الجميلة، أمَّا لساعاتٍ من الصفاء، فيُفضَّل زيارةُ الحديقةِ اليابانية، وهي واحةٌ هادئةٌ في المدينة، صمَّمها مهندسُ المناظر الطبيعيَّة ياسو بيبو عامَ 1994 بناءً على طلبِ الأمير رينيه الثالث، ووفقاً لأشدِّ مبادئ تصميمِ الزن Zen صرامةً». وتضيفُ تشيك: «في حال تزامنَ وقتُ السفرِ مع سباقِ الجائزةِ الكبرى لموناكو، فورمولا 1، سيُشكِّل حضورُ هذا السباقِ الأسطوري حدثاً لا يُنسى».

وبسؤالِ المدوِّنة عن أماكنَ غير مطروقةٍ في موناكو من السائحين، أجابت: «يمكنني أن أذكرَ أماكنَ عدة، في مقدِّمتها روزاري بزنسيس جريس، أو حديقةُ الوردِ الجميلةُ المخصَّصة للأميرة جريس، وبلاج دو لارفوتو، وهو شاطئٌ صغيرٌ، لكنه جميلٌ حيث يمكنك الاستمتاعُ بالبحرِ الأبيض المتوسط، أيضاً أنصحُ بزيارةِ شارعِ المشاة المسمَّى على اسم الأميرة كارولين؛ إذ يضمُّ متاجرَ ومقاهي محليَّةً، وهو أقلُّ ازدحاماً من المناطقِ الشعبيَّة الأخرى، والحديقةِ الإكزوتيكيَّة، وهي عبارةٌ عن حديقةٍ نباتيَّةٍ مذهلةٍ، تشتملُ على الصبَّار، وتنفردُ بإطلالاتٍ بانوراميَّةٍ خلَّابةٍ على موناكو، هناك كذلك السوقُ التقليديَّة لا كوندامين، وتُعرَض فيها منتجاتٌ محليَّةٌ رائعةٌ وسطَ أجواءٍ مفعمةٍ بالحيويَّة، وهي مقصدٌ مثالي لتناولِ غداءٍ لذيذٍ مثل السكان المحليين».