لايف ستايل
موقع كل يوم -موقع رائج
نشر بتاريخ: ٩ أيار ٢٠٢٥
في عالم الطب، غالبا ما يبدأ الأطباء فحوصاتهم بتقييم بصري سريع، يصدرون من خلاله حكما أوليا حول ما إذا كان المريض يبدو أكبر أو أصغر من عمره الفعلي. هذا التقييم الحدسي يمكن أن يؤثر بشكل كبير على القرارات الطبية الهامة.
لكن هذا التقييم البشري قد يشهد قريبا تحولا جذريا بفضل تطورات الذكاء الاصطناعي. فقد تم تطوير خوارزمية تعلم عميق مبتكرة تحمل اسم FaceAge، والتي تم الكشف عنها في دورية The Lancet Digital Health.
تقوم هذه الخوارزمية بتحويل صورة شخصية بسيطة إلى رقم يعكس بدقة أكبر العمر البيولوجي للشخص، أي العمر الفعلي لخلايا وأنسجة الجسم، بدلا من مجرد تاريخ الميلاد المسجل في ملفه الطبي.
مزايا التقنية الجديدة
خضعت هذه الخوارزمية لتدريب مكثف على عشرات الآلاف من الصور الفوتوغرافية. وخلال الاختبارات، تبين أن متوسط العمر البيولوجي لبعض مرضى السرطان كان أكبر بخمس سنوات من متوسط العمر البيولوجي لأقرانهم الأصحاء.
ويرى مؤلفو الدراسة أن هذه التقنية يمكن أن تساعد الأطباء في اتخاذ قرارات مهمة وحاسمة بشأن المرضى الذين يمكنهم تحمل العلاجات القاسية بأمان، وأولئك الذين قد يستفيدون بشكل أفضل من اتباع نهج علاجي أكثر لطفا وتدريجيا.
لتوضيح أهمية هذه التقنية بشكل أفضل، تخيل مريضين يبلغان من العمر 75 عاما. قد يبدو أحدهما نشيطا وحيويا، ويشير تحليله بواسطة FaceAge إلى أن عمره البيولوجي هو 65 عاما فقط. في المقابل، قد يبدو المريض الآخر ضعيفا وهشا، ويكشف تحليله أن عمره البيولوجي هو 70 عاما.
في هذه الحالة، قد يكون العلاج الإشعاعي المكثف خيارا مناسبا للمريض الأول، بينما يمكن أن يشكل نفس العلاج الإشعاعي خطرا كبيرا على صحة المريض الثاني. وينطبق المنطق نفسه على اتخاذ العديد من القرارات الأخرى المتعلقة بجراحات القلب، واستبدال المفاصل، والرعاية التلطيفية في نهاية العمر.
كيف تعمل التقنية الجديدة؟
تم تدريب هذا النموذج على مجموعة بيانات ضخمة تضم 58,851 صورة لأفراد بالغين يفترض أنهم يتمتعون بصحة جيدة وتجاوزوا سن الستين، تم جمعها من مصادر عامة.
بعد ذلك، تم اختبار فعالية النموذج على 6,196 مريضا بالسرطان ممن خضعوا للعلاج الإشعاعي في الولايات المتحدة وهولندا، وذلك باستخدام صور تم التقاطها لهم قبل بدء العلاج مباشرة. وأظهرت النتائج أن متوسط العمر البيولوجي لهؤلاء المرضى كان أكبر بنحو 4.79 سنوات من عمرهم الزمني الفعلي.
والأكثر أهمية، وجد الباحثون أن ارتفاع درجة FaceAge لدى مرضى السرطان كان مؤشرا قويا على انخفاض معدلات البقاء على قيد الحياة، حتى بعد الأخذ في الاعتبار عوامل مثل العمر الفعلي والجنس ونوع الورم. وقد ارتفع خطر الوفاة بشكل حاد لدى المرضى الذين تجاوز عمرهم البيولوجي 85 عاما.
ومن المثير للاهتمام أن FaceAge يبدو أنه يقيم علامات الشيخوخة بشكل مختلف عن التقييم البشري. على سبيل المثال، فإن ظهور الشيب أو الصلع له تأثير أقل على تقدير العمر البيولوجي مقارنة بالتغيرات الطفيفة في قوة عضلات الوجه ومرونتها.
الأطباء أكثر المستفيدين
ساهم استخدام FaceAge في تحسين دقة الأطباء في التقييم. فقد طلب من ثمانية أطباء فحص صور شخصية لمرضى سرطان في مراحل متقدمة وتوقع من سيتوفى خلال ستة أشهر. وقد كانت نسبة نجاحهم في التوقع قريبة من الصدفة. ولكن عند تزويدهم ببيانات FaceAge، تحسنت دقة توقعاتهم بشكل ملحوظ.
وفي لفتة طريفة، أكد النموذج حتى إحدى الميمات الشهيرة على الإنترنت، حيث قدر العمر البيولوجي للممثل بول رود بـ 43 عاما في صورة التقطت له عندما كان يبلغ من العمر 50 عاما، مما يسلط الضوء على قدرة هذه التقنية على التقاط علامات الشباب والحيوية التي قد لا تتوافق دائما مع العمر الزمني.
التطوير مستمر
واجهت تطبيقات الذكاء الاصطناعي انتقادات تتعلق بتقديم خدمات غير كافية للأفراد من غير ذوي البشرة البيضاء. وفي هذا السياق، أوضح الباحث ماك أن الفحوصات الأولية التي أجريت على أداة FaceAge لم تكشف عن وجود تحيز عنصري كبير في توقعات الأداة للعمر البيولوجي.
ومع ذلك، يعمل الفريق حاليا على تدريب نموذج أكثر تطورا من الجيل الثاني باستخدام بيانات مستمدة من عشرين ألف مريض بهدف تعزيز دقة الأداة وتقليل أي احتمالية للتحيز.
بالإضافة إلى ذلك، يبحث الفريق في العوامل التي قد تؤثر على دقة عمل النظام وتؤدي إلى نتائج مضللة، مثل استخدام مستحضرات التجميل، أو الخضوع لعمليات الجراحة التجميلية، أو حتى الاختلافات في إضاءة الغرفة التي يتم فيها التقاط الصورة.
أضرار محتملة
تثير هذه التكنولوجيا الجديدة نقاشات أخلاقية مهمة. ففي حين أن قدرة الذكاء الاصطناعي على تحديد العمر البيولوجي من صورة شخصية قد تمثل فائدة كبيرة للأطباء في تقييم الحالة الصحية للمرضى، إلا أنها قد تشكل أيضا إغراء لشركات التأمين على الحياة أو أصحاب العمل الذين يسعون لتقييم المخاطر الصحية المحتملة للأفراد.
وفي هذا الصدد، أكد هوغو إيرتس، الباحث المشارك في قيادة الدراسة ومدير برنامج الذكاء الاصطناعي في الطب بمجموعة MGB، على ضرورة إيلاء اهتمام خاص لهذه الجوانب الأخلاقية لضمان استخدام هذه التقنيات حصريًا لما فيه مصلحة المرضى.
تطرح هذه التكنولوجيا معضلة أخرى تتعلق بالتأثير النفسي المحتمل. فماذا سيحدث عندما تقدم لنا المرآة الذكية معلومات غير متوقعة عن عمرنا البيولوجي؟ قد تدفع هذه المعرفة الأفراد إلى تبني تغييرات صحية إيجابية في نمط حياتهم، ولكنها قد تثير لديهم أيضا مشاعر القلق والتوتر.
ستكون متاحة قريبا للجميع
يخطط الباحثون لإطلاق بوابة FaceAge عامة عبر الإنترنت، حيث سيتمكن الأفراد من تحميل صورهم الشخصية والمشاركة في دراسة بحثية تهدف إلى التحقق من صحة الخوارزمية المستخدمة في الأداة على نطاق أوسع. وقد يلي ذلك إطلاق نسخ تجارية من الأداة تستهدف الأطباء والعيادات، ولكن لن يتم ذلك إلا بعد إجراء المزيد من الدراسات والتحقق من دقة الأداة وموثوقيتها.