كتالوج في حب الحياة وأداء السهل الممتنع

“لو أنَّا نموت معاً . لو أن الناس كالزرع ينبتون معاً ويحصدون معاً فلا يحزن أحد على أحد ولا يبكي أحد على من يحب . لو يحصد زرع البشر الذي ينبت معاً كله في وقت واحد ، ثم يأتي نبت جديد يخضر ويكبر ، لا يذكر شيئاً عما سبقه ولا يفكر فيما سيجيء.' الكاتب الكبير بهاء طاهر.

جاء نجاح مسلسل كتالوج ليس فقط لأسباب قوة عناصره الفنية، ولكن لأنه تناول أزمة ألم الفقد وكيفية التعامل معها، وهو أمر كتب على بني آدم ومن شروط كثيرة للحياة نحاول تقبلها كي نعمل بمقولة أم هاشم - شخصية بالمسلسل - هتعدي على الأيام ولا تسيبها تعدي على وشك؟

الأداء التمثيلي

أكثر ما يمكننا الحديث عنه بكتالوج هو الأداء التمثيلي بقيادة المخرج المتيمز وليد الحلفاوي والذي ينجح في اختيار فريق عمل قوي بكل عمل يقدمه، وبهذا العمل تعلق الجمهور بشخصية 'أم هاشم' والتي قدمتها الفنانة سماح أنور ببراعة جعلت الجمهور يحول مقولاتها إلى (ميمز) وقد فرد السيناريست أيمن وتار مساحة أكبر لشخصية أم هاشم أثناء تصوير العمل بموافقة المخرج وليد الحلفاوي لأهمية دورها بحياة يوسف وأبنائه.

وقدم الفنان محمد فراج شخصية يوسف بشكل جيد، ولكن في رأيي لم يكن أقوى أداء له منذ ظهوره وخاصة بعد تطوره الكبير بالأعوام الأخيرة.

ولم يكن دور أم هاشم للفنانة سماح أنور هو الدور الوحيد الذي برعت به بالسنوات الأخيرة، فدورها بمسلسل 'الصندوق' كان مختلفًا أيضًا، وكان أداؤها من أهم عناصر نجاح هذا المسلسل بالموسم الرمضاني عام 2023 وإن لم يحقق النجاح الكبير على الرغم من كونه أفضل مسلسلات موسمه.

أحببت أيضا تعاون المخرج وليد الحلفاوي مع الأطفال وهو أمر لا يبرع فيه كل المخرجين، وعلى الرغم من أن دور الطفل علي البيلي لم يكن بقوة دوره بمسلسل 'لام شمسية' فقد كان أداؤه جيدًا مقارنة بسنه بين العملين، حيث صُور كتالوج قبل تصوير مسلسل 'لام شمسية بعام تقريبا.

وقد كان أداء الشابة الصغيرة 'ريتال عبد العزيز' جيدًا أيضًا مما يحسب لصالحها وصالح وليد الحلفاوي، كذلك يحسب له وأيمن وتار المشاهد الكوميدية التي كانت تكسر حالة الشعور الثقيل بالحزن بالعمل، وربما الفنانة سماح أنور بلمساتها لشخصية أم هاشم والفنان خالد كمال بالتفاصيل التي أضافها لكابتن حنفي ما جعلوا هذه المشاهد تخلق حالة من الكوميديا الحقيقية وسط جرعة التراجيديا الكبيرة التي يحملها المسلسل، وخاصة أن الفنان خالد كمال على سبيل المثال يحب لعب الأدوار الكوميدية.

ريهام عبد الغفور أداء السهل الممتنع الذي يصل من داخلها للجمهور

تنجح الفنانة ريهام عبد الغفور في ألا يتصور الجمهور الدور الذي تلعبه لغيرها، وربما دور أمينة بمسلسل 'كتالوج' لم يكن أقوى الأدوار التي قدمتها، ولكن من أعذبها وأكثرها إنسانية وقربًا من الناس.

جاء دور أمينة بعد دورها في مسلسل 'ظلم مصطبة' والذي كان الأصعب على الإطلاق في مشوارها الفني كي تثبت أنها صاحبة موهبة مرنة تستطيع تطويعها كما شاءت.

وبدور أمينة كان هناك تحدّ مختلف بتمثيل مشاهد بها تدرجات انفعالية، من سيدة تواجه المرض بشجاعة، لسيدة تبدأ في التحدث بحزن عميق وصوت مرتجف خائف بفيديو تسجله لأبنائها كي يدعموا وجهة نظرها في أهمية استمرار الحياة من بعدها.

لم تعتمد ريهام عبد الغفور فقط على الحوار الذي كتبه أيمن وتار بحرفية في هذا المشهد وجمل بسيطة في صلب الموضوع، ولكن اعتمدت على تغيير مستوى الصوت لصوت منخفض منكسر، وارتعاشه والدموع المحبوسة وتعبيرات الحزن الهادئة التي تعلن عن حزن أكبر تخفيه داخلها وتحاول إخفاءه عن أولادها، وكل هذه التعبيرات كانت من فوق كرسي بلا حركة جسد مفتعلة وبالاعتماد على الشحنة الداخلية للمشاعر التي صدقت فيها ريهام عبد الغفور فصدقها المشاهد.

خالد كمال الموهبة الفريدة القريبة لقلب الجمهور

في تصريح للمخرج 'وليد الحلفاوي' ببرنامج 'الستات' قال عن الفنان خالد كمال: 'دا ممثل كبير أوي، ومهما الناس اتكلمت عنه، هو مش واخد حقه، بيمثل بروحه، وممثل فظيع، ولا يهتم بالسوشيال ميديا، هو من أعظم الممثلين في الجيل دا، وأكثرهم إخلاصًا لشغله'.

في الواقع أتفق مع كل كلمة قالها المخرج المتميز وليد الحلفاوي، فيحسب للفنان خالد كمال اهتمامه بتفاصيل كل دور يقدمه أيا كانت مساحته، من بداية مشواره بفيلم 'إبراهيم الأبيض' وحتى مسلسل 'كتالوج'، وعدم سعيه خلف أدوار البطولة المطلقة وتصريحاته عن رضاه عن مشواره وما يقدم من أدوار دون التركيز على فكرة وصوله للصف الأول، جعلوه من أهم ممثلي جيله بالفعل، وخاصة أنه بارع في تطويع شكله والتغيير فيه لصالح كل شخصية، وكذلك هو قارئ جيد مما يدفعه للتطوير من نفسه دائمًا والتعمق في فهم الشخصيات والحياة وهذا ما يثقل موهبته.

كابتن حنفي

أرى أن كابتن حنفي هو الشخصية التي تعلق بها الجمهور بشدة في كتالوج، وهذا لعمق تفاصيل الشخصية منذ تحملها مسئوليات في عز الشباب وحتى ما مرت به من معاناة بالمسلسل، وكذلك أنها أكثر شخصية اهتم بها أيمن وتار من حيث بناء الشخصيات، من ماضيها وحتى حاضرها ونظرتها للمستقبل، ثم كان حظ الشخصية أن وقعت في نصيب الفنان خالد كمال فوضع لها تفاصيله الخاصة من كيفية حركتها بالملعب والشارع وانفعالاتها بالعمل إلى كونها شخصية عملية جدا بالملعب ولكن حنونة جدا بالحياة، مما علق الجمهور بها.

حنفي هو الدور الأروع لخالد كمال وخاصة أننا لم نشاهده في دور بتركيبة مختلفة بعيدة عن أدوار الشر منذ فترة، ربما كان المعلم فارس بظلم المصطبة مختلفا عن أدوار الشر ولكن لم يكن الدور بنفس هذه المساحة الكبيرة.

شيء آخر جعل كمال قريبا للجمهور فوق موهبته الفريدة، وهو قربه من الجمهور وتواضعه معه دائمًا وربما هذه سمة من عمله بالمسرح وأحب الاحتكاك بالجمهور بشكل مباشر.

أما عن مشاهد الفنانة ريهام عبد الغفور مع الفنان خالد كمال، فكانت مشاهدا بديعة وخاصة التي تحمل أسرارا بين أمينة وكابتن حنفي مما عمق العلاقة الإنسانية بينهما، وهذا يرجع في رأيي للصداقة التي تجمعهما بأرض الواقع والتي تخلق (كيميا) واضحة بينهما على الشاشة.

نقاط لم تكن لصالح العمل

الجدل الذي حدث حول جمل التعازي التي تبدأ بأنا آسف كان بمحله، فباللغة العربية الأسف يأتي مع الحزن، ولكن بهذا العمل لم يكن موفقًا استخدام هذا التعبير؛ أولًا: لأن جمل الأسف لا تستخدم باللهجة العامية المصرية، وثانيًا: أن العمل كان مقتبسًا من عمل أجنبي، وهذه الجمل بدت كما لو كان أيمن وتار ينقل من الثقافة الأجنبية.

من الحوارات أيضا التي لم تكن موفقة بالمرة؛ حوار يوسف مع الأم الذي اشترى منها (لانش بوكس) بألفي جنيه لحل مشكلته مع أولاده!!..فلم يحقق الكوميديا المرجوة وكان غير منطقيًا بالمرة، وكذلك حوارات الأمهات مع يوسف والتي كانت سمجة وإن كان غرض أيمن وتار إظهار عالم (الماميز) الذي يتعجبه يوسف.

الحلقة الأخيرة أيضًا كان بها كمية من المباشرة لم أحبذها، وكانت أطول من اللازم ببعض الحوارات التي بدت وكأنها محاضرة لعلم النفس.

كذلك استخدام ضيوف الشرف لم يكن كله في صالح العمل، فظهور الفنان محمد شاهين على سبيل المثال والفنانة أمينة خليل وظف بشكل جيد، فيما وجدت ظهور الفنان طه الدسوقي مقحما.

كتالوج مسلسل يستحق المشاهدة في حب الحياة والتعامل مع الفقد.