اخبار ليبيا
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٢٨ تشرين الثاني ٢٠٢٥
مراقبون يتحدثون عن دعم أميركي وحكومة حماد تتهم البعثة الأممية بتقويض العملية السياسية وتوقف التعامل معها
دانت الحكومة الليبية المكلفة من مجلس النواب التي يترأسها أسامة حماد توقيع البعثة الأممية للدعم في ليبيا اتفاقاً مع قطر لتمويل الحوار السياسي المهيكل، ووصف حماد الأمر بـ 'التجاوز السافر وغير المقبول للصلاحيات الممنوحة للبعثة'.
وقال حماد في بيان رسمي إن ما حصل يعد 'اعتداء مباشراً على السيادة الليبية وانحرافاً صارخاً عن المعايير الدولية التي تلزم البعثات بالحياد والاحترام الكامل لسلطات الدولة المضيفة'، منوهاً بأن 'بحث البعثة عن تمويل خارجي لعمليات سياسية داخل ليبيا من دون أدنى تشاور أو إخطار لأي جهة ليبية رسمية، يمثل انتهاكاً فجاً للأعراف الدبلوماسية'.
وطالب حماد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بـ 'ضرورة تحمله للمسؤولية القانونية والأخلاقية تجاه ما تقوم به البعثة من تصرفات مرفوضة جملة وتفصيلاً، باعتبار أن ما قامت به البعثة يعد التفافاً متعمداً وخطراً على المبادرات الوطنية الليبية، ومحاولة واضحة لإحياء وإعادة مسارات سياسية مفروضة من الخارج'، مضيفاً أن 'الأمر يتنافى مع مبدأ ملكية وقيادة الليبيين لعمليتهم السياسية، وهو شعار دأبت البعثة ذاتها على ترديده من دون أن تلتزم به عملياً'، مطالباً بـ 'تقديم توضيح مفصل حول دوافع هذه الخطوة الخطرة وإلغاء أية تفاهمات مالية أو سياسية جرى تمريرها من وراء ظهر الدولة الليبية'، محملاً البعثة المسؤولية الكاملة عن زعزعة الثقة وتقويض العملية السياسية وإضاعة الفرص المتاحة لتحقيق مسار وطني حقيقي.
وأكد حماد أن 'أية مبادرة سياسية أو خريطة طريق أو عملية حوارية لن تكون معترفاً بها ولا شرعية لها ما لم تكن خالصة من الداخل وبعيدة تماماً من التمويل الخارجي أو التأثيرات غير المشروعة'، معلناً إيقاف أشكال التعامل كافة والتنسيق مع البعثة الأممية في ليبيا.
وجاء قرار الحكومة الليبية على خلفية إعلان المبعوثة الأممية لليبيا هانا تيتيه توقيعها اتفاق تمويل من قطر تتولى على إثرها الأخيرة دفع كُلف الحوار السياسي الليبي، ونوهت البعثة في بيان لها حصلت 'اندبندنت عربية' على نسخة منه أن هذا التمويل يأتي لتعزيز جهود الأمم المتحدة لتنفيذ خريطة الطريق التي تيسرها البعثة والتي قدمتها تيتيه، إذ سيعمل التمويل على تعزيز المشاركة المدنية الواسعة دعماً لعملية سياسية ليبية القيادة والملكية.
من جانبها قالت السفارة القطرية لدى طرابلس في بيان لها إن الدعم المالي الذي قدمته الدوحة لبعثة الأمم المتحدة في ليبيا يأتي في إطار 'المساهمة في تطوير البرامج الإنمائية وجهود تعزيز الاستقرار'، مؤكدة أن الدعم 'يعكس إيمان قطر بالدور الحيوي للأمم المتحدة في تعزيز المسار السياسي وتقوية المؤسسات، وتنفيذ البرامج الإنسانية والإنمائية في مختلف المناطق'.
وسبق وقدمت المبعوثة الأممية إلى ليبيا في الـ 21 من أغسطس (آب) الماضي إحاطة أمام مجلس الأمن الدولي، أعلنت خلالها خريطة طريق جديدة تتمحور حول تنصيب حكومة موحدة جديدة وتوحيد المؤسسات وإجراء انتخابات، لتعلن بعدها ذهابها نحو الحوار المهيكل في إطار إيصال البلد المنقسم على نفسه منذ عام 2011 إلى انتخابات عامة، تنهي المراحل الانتقالية والفوضى الأمنية.
وتعليقاً على دلالة تكفل قطر بتمويل الحوار السياسي المهيكل قال المتخصص في العلوم السياسية بجامعة نالوت إلياس الباروني إن الأمر ليس تفصيلاً مالياً بل يحمل دلالات سياسية وإستراتيجية عميقة يمكن قراءتها من ثلاث زوايا، أولها تعاظم تأثير القوى الإقليمية في الملف الليبي، فحين تتدخل دولة ما للتمويل فهي لا تقدم دعماً فنياً فقط بل تسعى إلى تثبيت موطئ قدم سياسي داخل عملية صناعة القرار، موضحاً أن قطر خلال الأعوام الأخيرة عادت لتفعيل دورها في الملفات الإقليمية وبخاصة تلك التي يمكن أن تعطيها وزناً تفاوضياً أمام القوى المنافسة مثل مصر وتركيا والإمارات، وبالتالي فإن تمويل الحوار المهيكل يضع الدوحة في موقع الضامن أو الشريك الفعلي في ترتيب المرحلة المقبلة داخل ليبيا.
وفي ما يتعلق بالدلالة الثانية لهذا للتمويل أكد الباروني أنه إشارة إلى غياب توافق دولي واضح على مسار واحد، فحين يبرز تمويل دولة واحدة فهذا يعكس أن المجتمع الدولي لم يتفق بعد على راع محايد واحد كما حدث سابقاً في 'اتفاق الصخيرات' عام 2015 برعاية مغربية وأممية، وهو أمر يعطي فرصة لدول معينة ومنها قطر لملء الفراغ وإعادة صياغة جزء من خريطة التحالفات.
وعن الدلالة الثالثة قال المتخصص في الشؤون السياسية إنها تتمحور حول رغبة قطر في دعم تيارات سياسية معينة، إذ من المعروف أن للدوحة شبكات علاقات قوية داخل المشهد الليبي وخصوصاً مع تيارات مدنية وإسلامية وشخصيات سياسية تعد الدوحة داعمة تقليدية لها، وتمويل الحوار قد يفتح الباب أمام إعادة تموضع تلك الأطراف في أية تسوية مقبلة.
ونوه الباروني أيضاً إلى أن تمويل قطر للحوار السياسي المهيكل ليس دليلاً على عجز مالي للبعثة أو ليبيا، ولكنه بالأحرى عجز سياسي يتمثل في غياب مؤسسات موحدة يمكنها أن تلتزم بتمويل مسار وطني جامع، إضافة إلى الخوف الأممي من تحمل مسؤولية مالية وسياسية لمسار قد يفشل بسبب الانقسام، كما أن اختلال ميزان الشرعية بين الحكومات المتنافسة يجعل أي تمويل داخلي يبدو منحازاً لطرف دون آخر، مشيراً إلى أن التمويل الخارجي عادة ما يأتي كأداة لإضفاء حياد شكلي على العملية السياسية، فحين يأتي التمويل من دولة خارجية تبدو العملية أكثر استقلالاً عن أطراف الصراع الليبي، وهي حيلة سياسية تستخدم عادة لحماية البعثة من الاتهامات بالانحياز.
وعن تأثير التمويل الخارجي في نتائج الحوار المهيكل قال الباروني إنه من المعروف أن الراعي لأي نشاط هو المتحكم في النتائج في ما بعد، فتاريخياً الدول التي تمول هي من تؤثر في شكل مخرجات الحوار ونوعية التوصيات والقائمين على العملية، وعلى الخطوط الحمر التي لا يُسمح بتجاوزها، وبالتالي فدخول قطر كممول يعني بالضرورة امتلاكها نفوذاً على تصميم العملية ونتائجها ولو بطريقة غير مباشرة.
لكن الباروني رأى في تمويل قطر للحوار السياسي المهيكل فرصة لتقريب وجهات النظر بين أطراف الصراع الليبي والإقليمي، فالدوحة لديها علاقات إيجابية مع أطراف ترفض التعامل مع دول أخرى وبالتالي يمكنها تقريب وجهات النظر، باعتبار أن تمويل الحوار قد يضمن استمرار المسار من دون توقف بسبب البيروقراطية الأممية، وقد يدفع القوى المناوئة للدوحة إلى تقديم تنازلات حتى لا تُترك الساحة لطرف واحد، لافتاً إلى أنه انطلاقاً مما ذكر سلفاً فإن تمويل قطر للحوار السياسي في ليبيا ليس مؤشراً على عجز مالي للبعثة أو ليبيا بل هو انعكاس لثلاث نقاط رئيسة، أولها الفراغ الدولي في إدارة الملف الليبي، وثانيها رغبة قطر في لعب دور مؤثر في هندسة الحل السياسي، وثالثها حاجة البعثة الأممية إلى غطاء سياسي وتمويلي خارجي يبعد منها تهمة الانحياز.
واستدرك المتحدث ذاته بأنه من الناحية السياسية يبقى التمويل الخارجي دائماً بوابة للتأثير المباشر وغير المباشر في مسار ونتائج أي حوار، مما يجعل الدور القطري عنصراً تجب مراقبته بدقة داخل معادلة التسوية في ليبيا، محذراً من تسييس المسار لمصلحة أطراف محددة وزيادة الاستقطاب بين محور قطر وتركيا ومحور مصر والإمارات، إضافة إلى احتمال اعتراض بعض القوى الداخلية التي ترى في التمويل تدخلاً خارجياً.
من جهته قال رئيس الائتلاف الليبي - الأميركي فيصل الفيتوري إن إعلان البعثة الأممية بأن قطر الممول الرئيس للحوار المهيكل في ليبيا لا يمكن النظر إليه كخطوة مالية معزولة، بل هو جزء لا يتجزء من هندسة سياسية أميركية للمشروع الأحادي الأميركي الجديد للشرق الأوسط الذي تسعى واشنطن من خلاله إلى إعادة صياغة موازين النفوذ ما بعد 'سايكس-بيكو'، وترتيب الأدوار في الإقليم وفق رؤية مركزية واحدة تُدار بالكامل من مركز القرار الأميركي، ووفق الفيتوري فإنه 'في إطار هذا التحول جاء اختيار قطر لا لقوتها أو ثقلها داخل ليبيا بل لأنها خلال العقد الماضي كانت الأقل تورطاً، بعد أن تخلت عن أدواتها القديمة وانسحبت من شبكات النفوذ التقليدية، مما جعلها الخيار الأنسب لدى الأمم المتحدة ودوائر صنع القرار الأميركية'.
ويشير إلى أن الائتلاف الليبي الأميركي يرى أن السعودية ستكون مرشحة لقيادة مبادرة إقليمية كبرى لتوحيد الليبيين على نموذج 'الطائف اللبناني'، وهو النموذج الذي نجح في إنهاء حرب أهلية كانت أكثر تعقيداً من الحالة الليبية اليوم، التي صنعت بدورها إلى حد كبير بفعل تدخلات أطراف إقليمية متعددة، وهو تصور يتطابق الآن مع المسار الذي تدفع به واشنطن في الوقت الحالي، وفق رأيه.
ويبين الفيتوري أن الهدف من إدخال قطر ليس تعزيزاً للنفوذ القطري، بل هو عبارة عن تهيئة للمسرح لاحتضان دور سعودي أكبر في المرحلة المقبلة، دور تتولاه الرياض بثقلها العربي والإسلامي والدولي لقيادة التسوية النهائية، بينما تتولى الدوحة الجانب اللوجستي والتمهيدي، بما يضمن انطلاق العملية تحت رعاية خليجية مزدوجة ذات قبول واسع.
ويؤكد أن اختيار قطر والسعودية معاً يحمل رسالة طمأنة مزدوجة، فقطر ترسل رسالة إيجابية لتركيا، والسعودية تطمئن مصر، وذلك لتخفيف وطأة الاستبعاد الأميركي المفاجئ للقوى الثلاث - تركيا ومصر والإمارات - من دائرة التأثير المباشر داخل ليبيا.
ويرى أن هذا التحول يأتي في سياق دولي أوسع، تجلى بوضوح عندما مرر مجلس الأمن القرار المدعوم من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، في شأن اتفاق غزة بغالبية ساحقة وغير مسبوقة، في مؤشر لعودة القوة الأميركية داخل المؤسسات الدولية وفشل القوى التي كانت تعرقل القرار الأميركي. هذا التصويت لا يقرأ كحدث منفصل، بل كجزء من ديناميكيات أوسع تعيد فيها واشنطن تشكيل الشرق الأوسط وفق استراتيجيتها الجديدة، وتدفع مختلف الملفات - من غزة إلى ليبيا - للتحرك ضمن خريطة واحدة يجري رسمها الآن بسرعة غير مسبوقة.
وفي ضوء ذلك، بدأت واشنطن في الدفع نحو ترتيبات أمنية جديدة داخل ليبيا بدعم سعودي - قطري، ترتيبات يتوقع أن توحد من خلالها المؤسسات الأمنية والعسكرية في إطار يضمن وجود قرار وطني ليبي واحد قادر، وفق الرؤية الأميركية، على فرض الاستقرار وإرساء خط أمني موحد يمكن البناء عليه لإعادة هيكلة الدولة الليبية بكامل مؤسساتها، بما يفتح الطريق أمام إنهاء كل أشكال الوجود العسكري الأجنبي على الأرض الليبية.
ورداً على ما ذهب إليه رئيس الائتلاف الليبي الأميركي فيصل الفيتوري، بأن 'قطر بصدد تمهيد الأرضية للسعودية لقيادة التسوية الليبية'، يقول دكتور العلوم السياسية والإعلام في جامعة قطر علي الهيل إن الدبلوماسية القطرية بتمويلها للحوار السياسي المهيكل ليست بصدد تهيئة الطريق للدور السعودي لإنهاء الأزمة الليبية، موضحاً أن 'قطر قادرة على فعل ذلك بنفسها، وقد سبق وتصدرت عدداً من الوساطات الإقليمية والدولية ليس لمصلحة أحد إنما لمصلحة الشعوب فقط'.
ويتابع أن الدبلوماسية القطرية بإمكانها قيادة التسويات وإنهاء الأزمات بنفسها في أية دولة كانت، إذ سبق وفعلت ذلك في لبنان من خلالها إنجاحها للحوار الوطني اللبناني عبر 'اتفاق الطائف'، وقامت بجهود دبلوماسية واضحة في اليمن بين الحوثيين والرئيس الراحل علي عبدالله صالح، وتركت بصمتها الدبلوماسية أيضاً في دولة تونس التي تربطها بها علاقات إيجابية في عدد من المجالات السياسية والاقتصادية، إذ وقفت دولة قطر بقيادة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى جانب الشعب التونسي في انتفاضته منذ اندلاعها إلى أن حققت أهدافها، وأسهمت في إنجاح حوارات ووساطات إقليمية بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، أثمرت الإفراج عن أسرى أميركيين لدى إيران وأسرى إيرانيين لدى أميركا.
ويتابع الهيل أن دور قطر في ليبيا لا يمكن أن يكون هدفه 'زعزعة استقرار ليبيا' مثلما جاء في بيان حكومة الشرق الليبي، 'بل هو دور قومي لصالح الشعب الليبي يتجلى من خلال دعمها للحوار السياسي المهيكل، أيضاً عبر دعمها للحكومة الوطنية المعترف بها دولياً التي تتخذ من الغرب الليبي مقراً لها'، مؤكداً أن دولة قطر لا تدعم قتل الشعوب أو الالتفاف عل حقهم في تقرير مصيرهم، بل تدعم الإنسان فقط وموقفها في ليبيا وفي غزة وفي الفاشر السودانية خير دليل على ذلك.
من جهتها، أكدت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا 'أن لا دور للدول المانحة في تحديد اتجاه العملية السياسية في ليبيا'، موضحة تلقيها تمويلات طوعية من 13 دولة ومنظمة إقليمية لدعم برامجها، بما فيها العملية السياسية والمشاركة الاجتماعية منذ عام 2015 من دون أي تدخل.
جاء ذلك في بيان أصدرته البعثة مساء أمس الثلاثاء، رداً على ما أثير في شأن اتفاق التمويل القطري للحوار السياسي المهيكل الذي أعلن الإثنين.
وقالت البعثة في البيان المنشور عبر موقعها الرسمي، 'يجري تمويل بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا من خلال المساهمات المقررة والمساهمات الطوعية للدول الأعضاء'، موضحة أنها 'جرى تقديم تقارير عن استخدام أموالها عبر آليات الرقابة والموازنة المعتمدة في المنظمة، بما يضمن حيادية وشفافية عمل البعثة، كما هو الحال مع جميع البعثات السياسية للأمم المتحدة حول العالم'.
وختمت أنها 'تلقت خلال فترة عملها، مساهمات طوعية من الدول الأعضاء لدعم مبادرات عدة ذات أثر مباشر في خدمة الشعب الليبي، منها على سبيل المثال لا الحصر، دعم العملية السياسية ومشاريع إزالة الألغام ومخلفات الحرب وإصلاح وتوحيد المؤسسات الوطنية والمساعدة في التهيئة للانتخابات'.



























