اخبار ليبيا
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٥ تشرين الثاني ٢٠٢٥
توقعات بوصول أعداد كبيرة خلال الأسبوعين القادمين إلى الكفرة باعتبارها أول بلدة ليبية محاذية للحدود السودانية
تفاقم الوضع والصراع العِرقي في السودان سيشكل مرحلة جديدة من مراحل النزوح، باعتبار أن جل الانتهاكات الوحشية التي تحصل دوافعها سياسية وعرقية، ومن ثم فإن مسألة النزوح ستستمر حتى بعد توقف الحرب في السودان بين 'الدعم السريع' والجيش السوداني.
حالة من الترقب تسود الشارع الليبي منذ سقوط مدينة الفاشر السودانية في يد قوات 'الدعم السريع'. حرب خلفت تدهوراً في الأوضاع الإنسانية والأمنية، أجبرت عدداً مهماً من السودانيين على الفرار إلى الدول المجاورة.
المفوضية الأوروبية تؤكد أن أكثر من 360 ألف سوداني وصلوا إلى ليبيا، منوهة بأن هذه التدفقات شكلت ضغطاً على البنية التحتية. من جهتها، تتوقع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن يتجاوز عدد اللاجئين السودانيين في ليبيا 650 ألف شخص بحلول نهاية عام 2025.
تطورات الوضع في ولاية الفاشر بإقليم دارفور المحاذي للحدود الجنوبية الليبية تحمل في طياتها تداعيات إنسانية واقتصادية واجتماعية وأمنية على ليبيا المنقسمة على نفسها سياسياً وأمنياً منذ سقوط نظام الرئيس الأسبق معمر القذافي عام 2011، مما جعل التساؤل عن خيارات ليبيا للتعامل مع ملف اللاجئين السودانيين يتصدر اهتمامات الليبيين، خصوصاً مع تأكيدات المنظمات الدولية ارتفاع أعداد الفارين من الحرب الأهلية في السودان تجاه ليبيا.
يجزم الحقوقي الذي يعمل على ملف اللاجئين السودانيين بمدينة الكفرة الليبية، جابر أبو عجيلة، أنه لا توجد أي استراتيجية لدى السلطات الليبية للتعامل مع مستجدات الوضع في السودان، وعلى رأسها حركة اللجوء التي لا تهدأ من إقليم دارفور نحو ليبيا.
ويقول، إن ما يزيد الوضع تعقيداً هو اختلاف السلطات في ليبيا بشأن الحرب الدائرة في السودان، فبينما هناك حكومة تؤيد السلطة القائمة في السودان برئاسة عبدالفتاح البرهان، تدعم الحكومة الثانية قوات 'الدعم السريع' التي يقودها محمد حمدان المعروف بـ'حميدتي'.
ويشير إلى أن حكومة عبدالحميد الدبيبة في طرابلس لا تعي ما يدور حول حدودها الجنوبية المحاذية لإقليم دارفور السوداني المشتعل، باعتبارها ليست لها أي سلطة على الجنوب الذي يقع تحت سيطرة سلطات الشرق الليبي، التي أُجبرت على التعامل مع ملف اللاجئين السودانيين، خصوصاً بعد سقوط مدينة الفاشر في قبضة 'الدعم السريع'.
ويدعو الحقوقي الليبي السلطات المعنية في طرابلس إلى تبني موقف ثابت عبر ممثليها في المنظمات الدولية، مطالباً بتحرك اللجان العسكرية المشتركة مثل لجنة (5+5) في مثل هذه الأوضاع الإنسانية التي ستترتب عنها خطورة أمنية في مرحلة لاحقة.
يعتقد أبو عجيلة أن المسؤولين في ليبيا لن يتخذوا أي قرار يتعلق بحركة اللجوء السوداني على الحدود الليبية إلا من خلال الدول المتداخلة في الشأن الليبي، فواقعياً لا توجد إرادة سياسية مستقلة شرقاً وغرباً، وفق رأيه.
وفي ما يتعلق بتوقع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بتجاوز عدد اللاجئين السودانيين في ليبيا 650 ألف شخص بحلول نهاية عام 2025، يقول الحقوقي أبو عجيلة، إن ملف اللاجئين السودانيين في ليبيا لن يتغير مع تزايد أعدادهم، مقترحاً أن تتولى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إصدار تنبيهات وتحذيرات للسلطات الليبية عبر بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، للتواصل مع حكومة الشرق التي يقودها أسامة حماد، باعتبارها الأقرب جغرافياً لما يحدث في الفاشر السودانية، وهي أيضاً صاحبة القرار في الجنوب الليبي الذي يقع تحت سيطرتها، حتى تتخذ كل الإجراءات اللازمة من توفير خيام وأغطية وأجهزة كهربائية ومواد أساسية، خصوصاً أن الطقس في الجنوب الليبي أصبح يميل إلى البرودة شيئاً فشيئاً مع دخول فصل الشتاء.
حول التعامل مع ملف اللاجئين السودانيين في ليبيا، تقول الحقوقية منى توكا إنه لا يجب أن يُختزل في معادلة أمنية أو في خيار إقامة المخيمات فقط، بل يجب أن يقوم على رؤية متوازنة تجمع بين الاعتبارات الإنسانية والسيادية، لأن ما يحدث اليوم في الجنوب الليبي ليس مجرد عبور موقت، بل تحول حقيقي جعل من ليبيا بلد استقبال بعد أن كانت لأعوام طويلة محطة عبور موقتة نحو الشمال.
وتضيف أن 'هذا الواقع الجديد فرض تحدياً مركباً أمام الدولة والمجتمع معاً، حيث تتقاطع فيه أبعاد الأمن والسيادة مع قيم التضامن الإنساني التي لطالما ميزت الليبيين في لحظات الشدة'. وتؤكد 'أن اللاجئين السودانيين الذين يصلون إلى الحدود الجنوبية الليبية لا يملكون سوى الخوف وبعض الذكريات، فهم ضحايا حرب قاسية دفعتهم إلى الهروب من الموت، وليسوا مهاجرين طوعيين كما يحاول البعض تصويرهم'.
تفاعلاً مع المطالبة بإقامة مخيمات معزولة للاجئين السودانيين على الحدود الليبية، ترى الحقوقية الليبية أن الأمر قد يبدو حلاً إدارياً سريعاً، لكنه في الواقع ليس سوى محاولة لتجميد الأزمة بدل معالجتها، لأنه يخلق مناطق تهميش جديدة ويجعل اللاجئين في عزلة قسرية عن المجتمع، كما يزيد من هشاشتهم ويعرض النساء والأطفال خصوصاً لأخطار العنف والاستغلال والاتجار بالبشر.
وتقول، إن 'الحدود ليست مكاناً للحياة، فهي خط جاف لا ينبت سوى الغربة، ولهذا فإن الأفضل هو تنظيم الوجود بدل عزله، أي وضع آليات رسمية تضمن الإشراف والمتابعة وتسمح بتوزيع اللاجئين على مناطق يمكنها الاستيعاب من دون أن تتأثر تركيبتها الاجتماعية أو الاقتصادية'، وفق قولها.
وتشير إلى أن هذا الأمر يتطلب تفعيل شراكات حقيقية بين الدولة الليبية والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين والمنظمات الدولية والمحلية العاملة في الجنوب الليبي، بحيث يتم بناء قاعدة بيانات دقيقة تشمل اللاجئين والمجتمعات المضيفة على حد سواء، مع وضع خطة دعم شاملة لتحسين الخدمات في المناطق التي تستقبل اللاجئين، لأن الضغط على البنية التحتية من دون توفير بدائل سيخلق توتراً اجتماعياً ينعكس على العلاقات بين الطرفين، ومع الوقت قد يتحول هذا التوتر إلى خطاب كراهية أو نزعات عنصرية تغذيها المخاوف وسوء الفهم.
كما تطالب توكا بالعمل على إطلاق حملات توعية إعلامية ومجتمعية تشرح طبيعة الأزمة وتعيد بناء الثقة بين الناس، موضحة أن الحملات الرافضة لدخول اللاجئين السودانيين إلى ليبيا، والتي ظهرت على وسائل التواصل الاجتماعي، ليست وليدة الحقد بل نتاج غياب المعلومة الدقيقة وانعدام الخطاب الرسمي الواضح الذي يشرح الموقف ويوضح التزامات الدولة وحقوق اللاجئين ومصالح السكان المحليين.
وتقول، إن هذه الحملات تعكس خوفاً عاماً من المجهول أكثر مما تعكس كراهية مقصودة، فحين يُترك الناس من دون وعي أو مشاركة في القرار، يتحول اللاجئ في نظرهم إلى تهديد. ولهذا من المهم أن يكون هناك حضور حقوقي وإعلامي ومؤسسي يواجه خطاب الرفض بالمعرفة والحقائق، ويعيد بناء النقاش على أساس إنساني لا تحريضي.
وتنوه إلى أن معالجة هذه الأزمة لا يجب أن تكون موسمية أو في شكل رد فعل طارئ، بل رؤية وطنية طويلة المدى تحدد مسؤوليات الدولة وواجباتها تجاه اللاجئين وتجاه المجتمع المحلي على السواء، فاللاجئون ليسوا أرقاماً ولا حالات إغاثية، بل بشر فقدوا الأمان ويحتاجون إلى فرصة جديدة للحياة.
وتؤكد توكا أن ليبيا، التي عرفت الحرب والنزوح في مراحل كثيرة، قادرة على أن تفهم معنى أن يفقد الإنسان بيته ووطنه، مشيرة إلى أن التضامن مع هؤلاء ليس رفاهية، بل هو امتداد طبيعي لضمير إنساني يعرف أن الكرامة لا وطن لها، وأن حدودنا لا يجب أن تبنى بالحواجز بل بالثقة، داعية إلى توزيع الأدوار بين المؤسسات الأمنية والإنسانية والإعلامية لتصبح المعالجة شاملة لا انتقائية، وأن يستثمر هذا الملف في بناء نموذج إنساني ليبي جديد يعيد الثقة بين المواطن والدولة، وبين ليبيا وجوارها الأفريقي.
أحداث الفاشر في السودان ستلقي بأعبائها على ليبيا، وخصوصاً على حدودها الجنوبية، حيث يتوقع ارتفاع عدد اللاجئين السودانيين، بحسب المتخصص في الشؤون الأفريقية موسى تيهوساي، الذي أشار إلى أن أكثر من 170 ألف شخص في مدينة الفاشر السودانية شدوا الرحال إلى الخارج، وليبيا تعد إحدى الدول المرشحة بقوة لتكون ملاذاً لهؤلاء. ونبه إلى أن تفاقم الوضع والصراع العرقي في السودان سيشكل مرحلة جديدة من مراحل النزوح، باعتبار أن جل الانتهاكات الوحشية التي تحصل دوافعها سياسية وعرقية، ومن ثم فإن مسألة النزوح ستستمر حتى بعد توقف الحرب في السودان بين 'الدعم السريع' والجيش السوداني.
ويتوقع المتخصص في الشؤون الأفريقية وصول أعداد كبيرة خلال الأسبوعين القادمين إلى الكفرة، باعتبارها أول بلدة ليبية محاذية للحدود السودانية، موضحاً أن الكفرة لن تكون الملاذ الأخير للاجئين السودانيين، بل ستكون ممراً إلى مناطق أخرى، خصوصاً مناطق الوسط والغرب الليبي، نظراً إلى أن الوضع في الكفرة لم يعد يسمح بمزيد من اللاجئين، فالمخيمات بالكاد تكفي الموجودين الذين لا يتلقون أساساً الحد الأدنى من الخدمات.
ويبرز أن الغرب الليبي مرشح لاستقبال اللاجئين السودانيين أكثر، باعتبار أن 'هناك معلومات تشير إلى تورط سلطات الشرق الليبي في تغذية حرب السودان، مما يوحي بأن الشرق لن يكون مكاناً مناسباً لهم، وسيختارون التقدم نحو الوسط والغرب كمناطق بديلة عن الجنوب والشرق الليبي'، وفق تعبيره.



























