اخبار ليبيا
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٢٥ أيار ٢٠٢٥
أولى خطوات بناء الدولة تبدأ بجمع الأدوات الحربية وإدماج تلك العناصر بالمؤسسات العامة
أكدت البعثة الأممية للدعم في ليبيا مساء الأحد أن المجلس الرئاسي بصفته القائد الأعلى للجيش الليبي، وبالتعاون مع البعثة 'شكل لجنة هدنة برئاسة رئيس الأركان محمد الحداد بالبناء على التهدئة الهشة التي جرى التوصل إليها الأسبوع الماضي' بعد الاشتباكات التي شهدتها مدينة طرابلس.
وشدد رئيس المجلس الرئاسي والقائد الأعلى للجيش الليبي محمد المنفي، على ضرورة العمل المشترك بين كل الأطراف العسكرية والأمنية لضمان عدم تكرار الأحداث الأخيرة والحفاظ على الأمن العام، مؤكداً أهمية دور المؤسسة العسكرية في حماية المواطنين وضبط الأوضاع بما يخدم مسار الاستقرار السياسي والأمني، وذلك إثر اجتماع للمجلس الرئاسي مع المبعوثة الأممية، هانا تيتيه، مساء الأحد، خصص لبحث سبل التعامل مع تداعيات التطورات الأخيرة التي شهدتها العاصمة طرابلس وإطلاق آلية لتثبيت الهدنة ودعم ترتيبات أمنية تفضي إلى تهدئة دائمة وتعزيز الاستقرار.
وشهدت العاصمة طرابلس خلال الأيام القليلة الماضية اشتباكات مسلحة بين اللواء 444 التابع لحكومة 'الوحدة الوطنية' برئاسة عبدالحميد وعناصر من جهاز الردع لمكافحة الجريمة والإرهاب الموالي للمجلس الرئاسي الذي يقوده محمد المنفي، أعمالاً مسلحة أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى وتدمير في الممتلكات الخاصة والعامة.
نزع السلاح
وللتخلص من الميليشيات المسلحة في ليبيا التي يناهز عددها 300 ميليشيا، في حين يصل عدد قطع السلاح الموجودة خارج الشرعية الأمنية إلى 29 مليون قطعة وفق تقارير أممية، يرى مراقبون أن ليبيا باتت بحاجة إلى تطبيق 'تجربة رواندا' التي تبنت برنامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج المعروف ببرنامج DDR.
وأشرفت الأمم المتحدة على تنفيذ عدد من مهام نزع السلاح في دول عدة على غرار رواندا التي عاشت حرباً أهلية في تسعينيات القرن الماضي. ولضمان نجاح خطة حل الميليشيات في ليبيا، يقول المتخصص بالشأن العسكري العميد عادل عبدالكافي، إن 'تحقيق هذا الهدف رهن الإرادة الدولية باعتبار أن برنامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج المعروف ببرنامج DDR، لا يمكن أن تنفذه إلا الأمم المتحدة، مؤكداً أن استقرار الدولة وأمنها هما نتيجة جمع السلاح وإدماج جميع التشكيلات المسلحة والأجهزة الأمنية التي تشكلت بعد انتفاضة فبراير (شباط) عام 2011، فهناك سلاح منتشر وانقسام عسكري داخل الأراضي الليبية أديا إلى حالة من التفلت عند الحدود الليبية'.
ويؤكد العميد الليبي لـ'اندبندنت عربية' أن أولى خطوات بناء الدولة تبدأ بعملية إعادة جمع الأسلحة وإدماج العناصر المسلحة، بمؤسسات الدولة، منوهاً بأن هذا الأمر يرتكز على عوامل رئيسة، أولها إعادة التأهيل وبخاصة للعناصر التي لم ترتكب جرائم حرب أو أسهمت في نهب المال العام، لأن هذا الموضوع من اختصاص القضاء وهو الذي يفصل في مثل هذه الأمور.
عقد مصالحة
ويرى أنه في الحال الليبية هناك بعض التشكيلات المسلحة التي فرضت نفسها على بعض الوزارات والوزراء، وتغولت في إدارات الدولة وأصبح لها صلاحيات، مستفيدة من قرارات شرعنتها الصادرة عن المجلس الرئاسي ووزارة الدفاع ووزارة الداخلية، وهو أمر ينطبق على الشرق والغرب والجنوب.
ويقول عبدالكافي إن أولى الخطوات تكون عبر عقد مصالحة والجلوس مع قادة الميليشيات، ثم تُدمج العناصر الصالحون منهم في مؤسسات الدولة عبر إعادة تأهيل عناصرها من خلال الهيكلية الهرمية للجهاز الأمني أو القوات العسكرية، مضيفاً أن إعادة الإدماج تبدأ بعملية جمع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة من أجل أن يكون هناك تكوين لوحدات عسكرية وأمنية تعمل بمهنية بعيداً من سطوة السلاح، ويتابع 'إذا قبل قادة هذه الميليشيات المسلحة وعناصرها الاندماج الفعلي بإدارات الدولة، سواء كانت أجهزة أمنية أو عسكرية، ثم خضوعهم لعملية إعادة التأهيل التي ستتولاها الأمم المتحدة، وقتها ستنتهي عملية انتشار السلاح وستتفكك هذه التشكيلات'.
عقبات
ويقول المحلل السياسي إبراهيم لاصيفر إن عملية نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج اللبنة الأولى لإحلال السلام والاستقرار في ليبيا، ويستدرك قائلاً إن عملية دخول السلاح إلى البلد بطريقة غير شرعية على رغم فرض حظر الأسلحة على ليبيا منذ عام 2011 وفق القرار رقم 2292، هي العقبة الكبرى أمام تطبيق برنامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج في ليبيا.
ويؤكد أن عملية 'إيرني' فشلت في تطبيق القرار رقم 2292 القاضي بفرض حظر توريد السلاح إلى ليبيا، إذ سبق ووجدت صواريخ 'جافلن' في غريان خلال حرب قائد قوات الشرق خليفة حفتر على طرابلس عام 2019، موضحاً أن تركيا وروسيا متورطتان في تزويد أطراف الصراع الليبي بالسلاح وخرق قرار حظر توريد الأسلحة المفروض على ليبيا، معتبراً أن الذهاب نحو نزع السلاح لن ينجح في ظل استمرار دخول الأسلحة إلى ليبيا بطريقة غير شرعية.
ويرى أن 'عملية تذويب الميليشيات في ليبيا ضرورة حتمية ليس للعملية السياسية فقط، بل هي واجب إنساني يجب أن يتكفل به المجتمع الدولي، لأن السلاح في ليبيا معضلة دولية قبل أن تكون ليبية، فعملية نزع السلاح هي منظومة كاملة يجب تطبيقها بحذافيرها'، ورأى أنه 'من المفترض أن تكون في سياق برنامج متكامل لا ضمن عملية جزئية أو نوعية، لأن أي خلل أو قصور قد يحول المشكلة إلى اجتماعية'.
المراحل
ويقول لاصيفر إن عملية نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج يجب أن تمر بثلاث مراحل مهمة، أولاها تطبيق قرار منع دخول الأسلحة إلى ليبيا لأن ما يحدث الآن وحتى مع قرار مجلس الأمن رقم 2292، القاضي بفرض حظر الأسلحة على ليبيا، ما هو إلا حبر على ورق، فتدفق السلاح لم يتوقف من خارج ليبيا إلى داخلها. أما المرحلة الثانية لنجاح برنامج نزع السلاح فتتمثل بإيجاد جسم تنفيذي عبر تشكيل حكومة غرضها الرئيس نزع السلاح وتكون لها قوات أمنية أقوى من هذه الميليشيات.
ويتابع أن المرحلة الثالثة تتمثل في تغيير مهام بعثة الأمم المتحدة من بعثة للدعم إلى بعثة إدارة أزمة مثلما حدث في رواندا، وتكون البعثة الأممية مزودة بعناصر القبعات الزرقاء وهي قوات فض النزاع، تضبط العنف ويكون الحكم بيد قوة شرعية دولية.
ويوضح لاصيفر أن 'المجموعات المسلحة لا تعد فقط حاضنة مسلحة بل أصبحت حاضنة اجتماعية واقتصادية، فهناك أفراد من المجتمع الليبي تعتمد على هذه الميليشيات المسلحة، وليس لها مورد رزق سوى المرتب الذي تحصل عليه من العمل لصالح تلك المجموعات'.
ويوصي لاصيفر بمعالجة الآثار الاقتصادية والاجتماعية لحل هذه الميليشيات، بحيث يجب توفير بدائل وظيفية لعناصر هذه المجموعات المسلحة التي لا تصلح للالتحاق بمؤسسات الدولة مثل دعم المشاريع الصغرى وتنمية الاقتصاد، وهذه مشاريع يجب تمويلها من المجتمع الدولي. 'فمن يقاتل في صفوف هذه الميليشيات هو من فئة الشباب العاطل عن العمل، لأن الدولة عاجزة عن استيعاب هذا الكم من الشباب، والقطاع الخاص غير منظم، الأمر الذي دفع كثيراً منهم للتوجه إلى هذه المجموعات المسلحة من أجل لقمة العيش، فما يجري في ليبيا ليس أمراً جديداً على العالم، والمجتمع الدولي نجح في احتواء هذه الظواهر في دول عدة، مثل أنغولا والبوسنة والهرسك ورواندا، وهو يملك الأدوات الضرورية لمعالجة هذا الأمر، لكن ما يحدث بالبلد هو ارتداد للانقسام الدولي حول ليبيا'.