اخبار ليبيا
موقع كل يوم -صحيفة المرصد الليبية
نشر بتاريخ: ٤ تموز ٢٠٢٥
الألم المزمن ليس مجرد شعور عابر، بل يمكن أن يتحول إلى تجربة منهكة تدمر جودة الحياة بشكل عميق.
وعندما يستمر الألم لفترات طويلة، غالبا ما يجد الشخص نفسه منعزلا عن أحبائه، يعاني من ليال بلا نوم، ويغرق في دوامة من المشاعر السلبية التي قد تصل إلى الاكتئاب.
وفي كثير من الحالات، يكون السبب وراء الألم المزمن واضحا، مثل إصابة جسدية أو مرض معين. لكن المفارقة أن ملايين الأشخاص يعانون من هذا الألم دون سبب عضوي واضح، ما يحول علاجهم إلى لغز محير للأطباء. وهنا يأتي دور مفهوم 'الألم العصبي اللدون' (neuroplastic pain)، وهو نوع من الألم المزمن لا ينشأ عن تلف في الأنسجة أو مرض، بل عن تغيرات في طريقة معالجة الجهاز العصبي لإشارات الألم.
واللدونة العصبية (Neuroplasticity) هي قدرة الدماغ على إعادة تنظيم نفسه وتشكيل مسارات جديدة استجابة للتجارب، وتلعب دورا رئيسيا هنا. وهذه الآلية التي تساعدنا عادة على التعلم والتكيف قد تتحول أحيانا ضدنا، حيث يعزز الدماغ مسارات الألم الموجودة أو يخلق أخرى جديدة، ما يجعله أكثر حساسية لأي إشارات جسدية، حتى تلك التي لا تشكل خطرا حقيقيا.
ويشرح الدكتور ديفيد كلارك، أخصائي أمراض الجهاز الهضمي ورئيس جمعية علاج الأعراض العصبية اللدونة، أن هذه الحساسية المفرطة قد تدفع الدماغ إلى تفسير أي إحساس عادي، مثل لمسة بسيطة أو حركة طبيعية، على أنه تهديد يستدعي الشعور بالألم.
وهذه الظاهرة لا تقتصر على الألم الجسدي فحسب، بل قد ترتبط بأعراض أخرى مثل الإرهاق المستمر، ومشاكل الجهاز الهضمي، والصداع المتكرر.
بالإضافة إلى الألم، قد يعاني الشخص من التعب، ومشاكل في الجهاز الهضمي، والصداع. تشير الأبحاث إلى أن التغيرات اللدونة في الدماغ والحبل الشوكي تساهم في تطور واستمرار حالات الألم المزمن مثل الألم العضلي الليفي، ومتلازمة القولون العصبي، والصداع النصفي، ومتلازمة التعب المزمن، و'كوفيد طويل الأمد'.
وهناك عدة مؤشرات قد تدل على أن ألمك ناتج عن اللدونة العصبية. ويشارك الدكتور كلارك أبرز 5 علامات لهذه الحالة:
1. الفحوصات الطبية التي لا تكشف عن أي سبب عضوي واضح للألم أو المرض، أو أن العلاجات التقليدية لا تجدي نفعا.
2. تعاني من أكثر من عارض واحد لأكثر من ستة أشهر.
3. تظهر أعراضك في أجزاء مختلفة من الجسم أو تتنقل بين مناطق متعددة.
4. تتفاقم أعراضك عندما تكون تحت الضغط النفسي.
5. إذا علمت أن طفلا يمر بمواقف سيئة مشابهة لتلك التي مررت بها في طفولتك، ستشعر بالحزن أو الغضب. فالعامل النفسي يلعب دورا محوريا، حيث أن التجارب الصادمة في مرحلة الطفولة، مثل الإهمال أو العنف، قد تترك أثرا عميقا على الجهاز العصبي، وتزيد من احتمالية المعاناة من الألم المزمن لاحقا. حتى اضطراب ما بعد الصدمة والقلق المزمن قد يساهمان في تفاقم هذه الأعراض.
والخبر الجيد هو أن هناك أساليب علاجية جديدة تركز على 'إعادة تدريب' الدماغ لتصحيح هذه المسارات الخاطئة. وبدلا من الاعتماد على المسكنات التقليدية، تعتمد هذه الأساليب على تقنيات مثل التعرض التدريجي للمواقف المثيرة للقلق، وتمارين زيادة الوعي العاطفي، وإدارة الضغوط النفسية.
وكما يؤكد الدكتور كلارك، فإن الأبحاث الحديثة تثبت أن هذه الطرق العلاجية التي تستهدف اللدونة العصبية تحقق نتائج أفضل بكثير مقارنة بالأساليب التقليدية، خاصة في حالات الألم غير الناتج عن أسباب عضوية واضحة.
المصدر: نيويورك بوست