اخبار العراق
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٢ تموز ٢٠٢٥
المسيحيون والإيزيديون يخوضون الانتخابات دفاعاً عن وجودهم وليس طمعاً في النفوذ
على مدار أكثر من عقدين من التغيرات المتسارعة التي عصفت بالعراق بعد عام 2003 كان الحضور السياسي للمكونات الدينية الصغيرة، خصوصاً المسيحيين والإيزيديين، محور جدل مستمر.
وبينما تركز النقاشات في كل دورة انتخابية على تنافس الأحزاب الكبرى وهيمنتها على المشهد يخوض المسيحيون والإيزيديون الانتخابات من زاوية مختلفة، ليس طمعاً في النفوذ، بل دفاعاً عن الوجود في العراق، ومحاولة يائسة أحياناً لصون ما تبقى من هوية تاريخية عريقة.
حضور تاريخي يتهدده التلاشي
يعد المسيحيون والإيزيديون من أقدم المكونات في النسيج الاجتماعي العراقي، حيث عاشوا في سهل نينوى وسنجار ودهوك وبغداد منذ آلاف السنين، وعلى رغم تنوع طوائفهم (كلدان وآشوريين وسريان، وأرمن لدى المسيحيين، والشيخانية والقبائل الإيزيدية المتعددة)، إلا أنهم تميزوا بقدرتهم على التعايش والاندماج في محيطهم من دون تهديد للهوية الوطنية.
وبعد عام 2003 انقلبت المعادلة، حيث فقد المسيحيون أكثر من 80 في المئة من تعدادهم السكاني في العراق، إذ هاجر ما يزيد على 1.5 مليون شخص إلى أوروبا وأميركا وأستراليا، بينما تعرض الإيزيديون لإبادة جماعية على يد تنظيم 'داعش' الإرهابي عام 2014، في واحدة من أبشع الجرائم في العصر الحديث.
تقول الناشطة المسيحية من سهل نينوى جوان داوود 'نحن لا نخوض الانتخابات لنربح مقاعد، بل لنقول إننا ما زلنا هنا'، مشيرة إلى أن مجرد المشاركة أصبح نوعاً من مقاومة النسيان.
قانون الـ'كوتا'
ينص القانون العراقي على تخصيص خمسة مقاعد للمسيحيين ضمن نظام الـ'كوتا' موزعة على بغداد وكركوك وأربيل ونينوى ودهوك، ومقعد واحد للإيزيديين، لكن هذه المقاعد كثيراً ما كانت محط انتقادات من داخل المكونين أنفسهم، إذ يتهم ناشطون ومراقبون الأحزاب الكبرى الشيعية والكردية باستغلال هذه المقاعد عبر دعم مرشحين تابعين لها شكلياً من أبناء الأقليات.
في هذا السياق يقول المتخصص في شأن الأقليات فراس ميخائيل إن الـ'كوتا' تحولت من أداة لحماية التنوع إلى وسيلة للهيمنة المقنعة، و'هناك نواب يحملون الهوية المسيحية، لكنهم ينفذون أجندات لأحزاب بعيدة تماماً عن مصالح مكوناتهم الأصلية'.
ويضيف ميخائيل 'في بعض الدورات، حسمت نتائج مقاعد الـ’كوتا‘ المسيحية بأصوات ناخبين شيعة في بغداد أو كرد في أربيل، وهو ما يشوه التمثيل الحقيقي'.
ساحات صراع وليست دوائر انتخابية
تمثل مناطق مثل سنجار والحمدانية وتلكيف تجسيداً واضحاً لمعاناة المكونات الدينية الصغيرة، حيث تتحول المعارك الانتخابية إلى معارك نفوذ مسلح ومناطقي، حيث تقول ليلى حسن وهي معلمة إيزيدية في سنجار 'أشعر أنني أصوت وأنا تحت تهديد غير مباشر، فأي خيار خارج ما هو مرسوم قد يؤدي إلى عواقب'.
أما في سهل نينوى، فالوضع لا يقل تعقيداً، حيث تتوزع الولاءات بين حركة 'بابليون' المدعومة من فصائل مسلحة، والمجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري المقرب من الحزب 'الديمقراطي الكردستاني'، إضافة إلى مستقلين يحاولون مقاومة هذا الاستقطاب دون جدوى غالباً.
الشباب بين الإحباط والتمرد
جيل ما بعد 'داعش' من المسيحيين والإيزيديين يبدو أكثر وعياً بحدود اللعبة السياسية، آرام شمو وهو طالب جامعي يتحدث عن الانتخابات قائلاً 'كلهم يتكلمون عن حمايتنا، لكننا بلا ماء ولا كهرباء ولا وظائف، من ننتخب؟'.
على رغم ذلك، تشهد بعض القرى مبادرات شبابية لتقديم مرشحين جدد من خارج الأحزاب، والذين يرفضون الدعم المالي الخارجي كشرط أخلاقي لحملتهم.
تحالفات سياسية
طرحت بعض النخب السياسية فكرة إنشاء 'تحالف وطني للأقليات' يجمع المسيحيين والإيزيديين والتركمان والصابئة تحت مظلة واحدة، بهدف خلق توازن داخل البرلمان، لكن المحاولات غالباً ما تصطدم بحواجز سياسية وأيديولوجية، إذ إن كل مكون يعاني انقسامات داخلية، فضلاً عن الضغوط الإقليمية.
ويرى الشيخ خالد شمو وهو من وجهاء الإيزيديين أنه 'لن ينجح أي تحالف إذا لم يكن مبنياً على أسس نزيهة بعيداً من المحاصصة والتمويل المشبوه'.
إلى أين يتجه الصوت المسيحي والإيزيدي؟
بين المشاركة الرمزية والخشية من التلاعب، لا يبدو أن الطريق واضح أمام المسيحيين والإيزيديين، ففي ظل تهديدات الهجرة وتغير الديموغرافيا والاستقطاب السياسي، يصبح الصوت الانتخابي لهذا المكون تعبيراً عن بقاء سياسي أكثر من كونه تنافساً حقيقياً.
الأب غابرييل يونان يقول من إحدى الكنائس 'كل صوت نمنحه يجب أن يساوي قطعة من أرضنا وثقافتنا، وإلا فإننا نكتب شهادة وفاتنا بأيدينا'.
الصوت المسيحي والإيزيدي في الانتخابات العراقية لا يقاس بعدد المقاعد، بل بقدرته على الحفاظ على هوية ممتدة منذ آلاف السنين، تحاول البقاء وسط أعاصير الطائفية والإرهاب والسياسة الفوقية.
وبينما تبدو أدوات البقاء شحيحة، يظل الأمل حاضراً في إرادة الشباب والمجتمع المدني، والتحالفات النزيهة التي قد تخلق مستقبلاً مختلفاً، وإن لم يكن للبقاء، فللإصرار على أن الوجود ليس منحة، بل حق.