اخبار العراق
موقع كل يوم -المسلة
نشر بتاريخ: ٢٢ تموز ٢٠٢٥
22 يوليو، 2025
بغداد/المسلة: في بلد تتزايد فيه الحرائق بشكل دراماتيكي دون إجابات حاسمة، يبدو أن اللهب لا يلتهم الجدران فقط، بل يحرق معه ما تبقى من الثقة الشعبية في مؤسسات الدولة الرقابية والتنفيذية. وسواء اندلعت النيران من تماس كهربائي أو من علبة عطر، فإن النتيجة تبقى واحدة: جثث متفحمة، ووعود معلّقة، وتحقيقات تنتهي غالباً بعبارة 'قضاء وقدر'.
وتظهر الأرقام الرسمية واقعاً مرعباً: أكثر من 55 ألف حادث حريق خلال ثلاث سنوات، بمعدل يفوق خمسين حادثاً يومياً في بعض الفترات، دون أن تلوح في الأفق استراتيجية حقيقية للحد من هذه الكوارث.
والمفارقة أن هذا الانخفاض النسبي في عدد الحوادث لا يعكس بالضرورة تحسناً في الأداء الوقائي، بقدر ما يعكس انخفاضاً في التوثيق، أو ربما 'انخفاضاً في الأمل' لدى المواطنين في جدوى البلاغات.
وتتكرر الكارثة بأسماء مختلفة: ابن الخطيب، الحسيني، قاعة الحمدانية، مول الكوت، كلها محارق علنية لا تختلف في تفاصيلها كثيراً، إذ تشترك في قواسم واحدة: مواد بناء رخيصة وقابلة للاشتعال، غياب مخارج الطوارئ، فساد في منح التراخيص، وغياب تام للرقابة الفعلية.
وبينما يُحمّل المتحدثون الرسميون الكهرباء مسؤولية ما يجري، يغيب عن المشهد السؤال الأهم: لماذا لا تتم معالَجة البنى التحتية المتهالكة؟ ولماذا يُسمح باستخدام ألواح 'الساندوتش بانل' في مرافق عامة يعجّ بها الناس؟
ويبدو أن لجان التحقيق التي تتشكل عقب كل كارثة، لا تملك من صلاحية أكثر من إصدار بيانات مكررة، في حين أن المتورطين الفعليين من مقاولي البناء الرديء، والهيئات المانحة للتراخيص، والمشرفين على مراقبة تنفيذ شروط السلامة، يفلتون من العقاب.
ويزيد من تعقيد المشهد التداخل بين الفساد المالي وسوء الإدارة، إذ غالباً ما تُمنح إجازات البناء لمستثمرين دون التأكد من التزامهم بالمعايير، ما يجعل حياة المواطن العراقي سلعة قابلة للاشتعال بمجرد شرارة.
ويؤكد الخبراء أن خسائر العراق من هذه الحرائق لا تقتصر على الأرواح والبنية التحتية، بل تمتد لتشمل خسائر اقتصادية غير مرئية: انكماش في النشاط التجاري، انخفاض في الإيرادات الضريبية، وزيادة في نسب البطالة. وفي بلد يعاني أصلاً من ترهّل اقتصادي، تبدو هذه الحرائق أشبه بـ'قنابل صامتة' تنفجر دون سابق إنذار، وتحمل آثاراً مدمّرة طويلة الأمد.
ولا يبدو أن الأمر في طريقه إلى الحل، ما لم يُقرّ قانون صارم خاص بمتطلبات السلامة العامة، ويُطبق بمعايير لا تعرف المجاملة، ولا تستثني أحداً، سواء كان مستثمراً أو جهة مانحة للتراخيص، أو مسؤولاً يتغاضى عن مخالفة واضحة مقابل 'مصلحة'.
About Post Author
Admin
See author's posts