اخبار العراق
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ١ حزيران ٢٠٢٥
بعثة 'يونامي' تستعد لإنهاء مهامها وبغداد تأمل في إبقاء باب التعاون الدولي مفتوحاً وإرساء شراكة استراتيجية
في ظل عالم مضطرب وتحديات إقليمية ودولية متشابكة، يبرز التعاون بين العراق ومنظمة الأمم المتحدة كنموذج فريد لشراكة استراتيجية تبنى على أسس متينة من المصالح المشتركة والرغبة الصادقة في تحقيق التنمية المستدامة وترسيخ الأمن والاستقرار. فمنذ تأسيس الجمهورية العراقية ظل التعاون مع المنظمة الدولية جزءاً محورياً من السياسة الخارجية العراقية، إذ لعبت الأمم المتحدة دوراً رئيساً في دعم العراق خلال فترات الأزمات والصراعات، انطلاقاً من تقديم المساعدات الإنسانية، ووصولاً إلى دعم العملية السياسية وإعادة الإعمار.
بمرور الأعوام، بدأت طبيعة هذا التعاون تتحول تدريجاً من مجرد الاستجابة لحالات الطوارئ والإغاثة إلى شراكة شاملة تهدف إلى تمكين العراق من بناء مؤسسات قوية، وتحقيق نمو اقتصادي مستدام، وضمان حقوق الإنسان.
وجاءت زيارة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى بغداد منتصف مايو (أيار) الحالي لتؤكد هذا التحول الاستراتيجي في العلاقة، إذ استعرضت الجهود المشتركة لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية، ومناقشة برامج التعاون التي وصلت إلى مراحل متقدمة تشمل مختلف القطاعات الحيوية.
ويسعى العراق، بعد أعوام من الحروب والنزاعات، إلى ترسيخ مكانته الإقليمية والدولية من خلال بناء شراكات حقيقية تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة. وفي هذا السياق، أصبحت الأمم المتحدة شريكاً أساساً يدعم جهود الحكومة العراقية في مجالات متعددة، بدءاً بالإصلاح المؤسسي ومروراً بتحقيق الأمن والاستقرار وصولاً إلى التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ولعل ما يميز هذه المرحلة من التعاون العراقي-الأممي هو التركيز على بناء قدرات وطنية مستدامة، وتوفير الدعم اللازم لتمكين الشباب والنساء وتعزيز التعليم وحماية حقوق الإنسان، بما يعكس ثقة المجتمع الدولي في قدرة العراق على تجاوز التحديات وقيادة مسيرته التنموية من الداخل. ولا شك أن هذه الشراكة التي تتجه نحو تحقيق التنمية المستدامة ليست مجرد تعاون تقني أو مالي، بل رؤية استراتيجية تعكس تطلعات العراق نحو مستقبل أكثر إشراقاً وازدهاراً.
لقاء السوداني - غوتيريش: رسائل واضحة للتعاون
في السياق، التقى رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في بغداد، في الـ18 من مايو (أيار) الحالي، لبحث ملفات التعاون الثنائي ومراجعة تطورات الأوضاع في المنطقة. وأعرب السوداني خلال اللقاء عن تقديره لزيارة غوتيريش ومشاركته في القمة العربية التي استضافتها بغداد، مشيداً بمواقفه الواضحة في الدفاع عن حقوق الشعوب، وخصوصاً القضية الفلسطينية.
وأكد السوداني تطور برامج التعاون بين العراق ووكالات الأمم المتحدة، مشدداً على أهمية مواصلة التنسيق لتحقيق أهداف التنمية ومواجهة التحديات. ومن جانبه، أشاد غوتيريش بمستوى تنظيم القمة العربية في بغداد وما شهدته العاصمة العراقية من تطور عمراني وبنى تحتية خلال العامين الماضيين، مؤكداً دعم الأمم المتحدة لمواقف العراق الإقليمية وجهوده في تعزيز الأمن والاستقرار. وأشار غوتيريش إلى أن الأمم المتحدة ستواصل تقديم الدعم الكامل للعراق في تنفيذ خططه التنموية، ومواصلة ترسيخ الأمن والاستقرار، بما يعكس التزام المنظمة الدولية بدعم تطلعات الشعب العراقي.
من الإغاثة إلى التنمية المستدامة
من جهته، عدَّ المحلل السياسي مجاشع التميمي أن 'الشراكة العراقية الأممية دخلت مرحلة جديدة تركز على التنمية بدلاً من الإغاثة، بما يعكس تحولاً جوهرياً في طبيعة العلاقة بين العراق والمنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة'. وأوضح التميمي أن 'العقود الماضية التي اتسمت بالأزمات والتدخلات الإغاثية، أفسحت المجال اليوم أمام إعادة توجيه الجهود نحو دعم مسارات التنمية المستدامة، بما يشمل الإصلاح المؤسسي والتعليم والاقتصاد المستدام وتمكين الشباب والنساء'.
وأكد أن 'ما يميز هذه المرحلة أن الدعم الأممي لم يعد موقتاً، بل يستهدف بناء مؤسسات وطنية قوية قادرة على قيادة التنمية من الداخل، مما يعزز مفهوم السيادة الوطنية ويكرس الشراكة على أسس الندية والاحترام المتبادل'.
الخبرة الأممية ركيزة في معالجة التحديات الاقتصادية
من جهته، أكد الأكاديمي والباحث في الشأن السياسي العراقي خالد العرداوي أن 'العراق لا يمكنه الاستغناء عن الخبرة الأممية في معالجة التحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية'، مشيراً إلى أن 'تراجع الحاجات الإغاثية للعراق دفع التعاون التنموي إلى الواجهة، إذ بات من الضروري الاستفادة من مؤسسات وخبرات الأمم المتحدة في تطوير الاقتصاد العراقي، وهو ما يشكل ركيزة أساس للعملية السياسية'.
ونوه العرداوي إلى أن أي توجه عراقي نحو تعزيز الاقتصاد والتنمية يتطلب استراتيجية شاملة وبرامج عملية قابلة للتطبيق، تعتمد على دعم الأمم المتحدة وخبراتها الفنية المتقدمة.
الحسان ودوره في إرساء الشراكة
وسط هذه التحولات اللافتة في مسار التعاون بين العراق والأمم المتحدة، يبرز دور الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، رئيس البعثة الأممية لمساعدة العراق (يونامي) الدكتور محمد الحسان كأحد أبرز الفاعلين في دعم هذه الشراكة الاستراتيجية، فمنذ تعيينه أسهم الحسان في تعزيز جسور الثقة بين الأطراف العراقية والمنظمات الدولية، ونجح في توجيه الدعم الأممي نحو البرامج التنموية التي تلبي أولويات العراق الوطنية. ويُحسب للدكتور الحسان دوره الكبير في تطوير آليات التنسيق بين الحكومة العراقية ووكالات الأمم المتحدة، لضمان تنفيذ خطط التنمية المستدامة بكفاءة وفاعلية، ولعبَ دوراً بارزاً في تعزيز مشاركة الشباب والنساء في العملية التنموية، ودعم بناء قدرات مؤسسات الدولة لتكون قادرة على قيادة برامج التنمية من الداخل. ويحظى الحسان بتقدير واسع لمهنيته العالية ورؤيته الاستراتيجية في التعامل مع القضايا العراقية، مما جعله نموذجاً يحتذى في العمل الأممي.
شراكة نحو المستقبل
إن اللقاء الذي جمع السوداني وغوتيريش في بغداد والرسائل الإيجابية التي خرج بها يعكس مستوى الشراكة المتقدمة بين العراق والأمم المتحدة، والتي تفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التعاون تركز على بناء الاقتصاد المستدام والمجتمع المزدهر. ويأتي دور الدكتور محمد الحسان ليضيف زخماً نوعياً إلى هذه الشراكة، مؤكداً أن العراق يسير بخطى واثقة نحو تحقيق تطلعات شعبه، بفضل الرؤية التنموية الشاملة والتعاون الدولي المثمر.
الحكومة تتسلم مبنى 'يونامي' في الموصل
وفي تطور لافت، أعلنت الحكومة العراقية أول من أمس الثلاثاء تسلم المبنى الذي كانت تشغله بعثة الأمم المتحدة في مدينة الموصل، تنفيذاً لخطة إنهاء عمل البعثة هذا العام والمتفق عليها مع الأمم المتحدة.
وأكد الناطق الرسمي باسم الحكومة العراقية باسم العوادي أن هذه الخطوة تأتي ضمن خطة تسلم المباني التي كانت تستخدمها البعثة، مع الإشادة بالجهود الكبيرة التي بذلتها 'يونامي' والتعاون الذي تبديه في تنفيذ خطة الإغلاق. وأوضح البيان تقدير الحكومة العراقية لخطة التعاون المستقبلية مع وكالات الأمم المتحدة الإنمائية والإنسانية، مما يعكس حرص العراق على استمرارية التعاون البناء مع المجتمع الدولي.
إلى ذلك، رأى الباحث في الشأن السياسي العراقي علي الربيعي أن 'التطورات الأخيرة في العلاقة بين العراق والأمم المتحدة، وعلى رأسها تسلم مبنى 'يونامي' في الموصل، تعكس تحولاً عميقاً في طبيعة هذه العلاقة. فبعد أعوام من الأزمات، بدأ العراق في رسم ملامح شراكة تنموية تقوم على الاعتماد على الذات وبناء القدرات الوطنية، وهذا التحول لم يكن ممكناً لولا الإرادة السياسية الواضحة من القيادة العراقية، والتفهم الأممي بقيادة غوتيريش والحسان، اللذين أعادا صياغة العلاقة على أسس التنمية المستدامة والشراكة المتوازنة'.
وتابع 'بينما تستعد ’يونامي‘ لإنهاء مهامها لا يغلق العراق باب التعاون الدولي، بل يفتحه على مصراعيه أمام وكالات الأمم المتحدة التنموية والإنسانية، لتكون شريكاً فاعلاً في بناء الدولة الحديثة'، مبيناً أن 'هذا التحول من دور المتلقي للمساعدات إلى دور الشريك الفاعل يعكس نضجاً سياسياً ورؤية استراتيجية تضع العراق على مسار جديد من التنمية والازدهار والاستقرار'، وختم بالقول إن 'هذه الشراكة المتجددة بين العراق والأمم المتحدة ليست مجرد تغيير في الأدوات، بل في الرؤية والطموح، نحو عراق جديد يحقق التنمية المستدامة، ويعزز دوره الإقليمي والدولي بثقة وقوة'.