اخبار العراق
موقع كل يوم -جريدة المدى
نشر بتاريخ: ٢٤ أذار ٢٠٢٤
ذي قار / حسين العامل
كشف رئيس الفريق التنقيبي في موقع اريدو الاثري عن 10 قبور جديدة في أول مستوطنة بشرية في جنوبي البلاد، فيما أشار إلى ان المستوطنة تعود للألفية الرابعة قبل الميلاد وان اعمال التنقيب كشفت عن تحول جوهري باتجاه الاستقرار المجتمعي وبناء المستوطنات والمدن.
واوضح عالم الآثار الإيطالي البروفيسور فرانكو دي اغستينو في حديث لـ(المدى)، ان 'اهمية مدينة اريدو تكمن في كونها تعود الى الالفية الرابعة قبل الميلاد حيث شرع الانسان ببناء المستوطنات والمدن الاولى'، مبينا ان 'هذا امر مهم وهو يشكل تحولا جوهريا في حياة الانسان اذ انتقل من مرحلة الالتقاط والعيش الفردي الى الاستقرار المجتمعي والعمل المشترك وفق منطلقات بناء المستوطنات والشروع ببناء المدن'.
ويجد رئيس الفريق التنقيبي ان 'البحث في موقع اريدو الاثري ودراسته يكتسب اهمية كبيرة في مجال التعرف على طبيعة الحياة وتوثيق المراحل الاولى للاستقرار'.
واشار اغستينو الى ان 'البعثة تعمل حاليا ضمن موسمها التنقيبي الخامس وستواصل العمل ضمن هذا الموسم حتى ايار المقبل'، لافتا الى ان 'عمل الفريق التنقيبي ضمن الموسم الخامس بدأ في المقابر الملحقة بالمستوطنات اذ تم اكتشاف 10 قبور ضمن المواسم التنقيبية السابقة'.
واضاف ان 'ما تم اكتشافه هو ان المجتمع كان يتشكل من نظام مختلف من الفئات الاجتماعية غير ان الامر الذي اكتشفناه في القبور هو ان الناس سواسية فلا فرق بين قبر غني وفقير' واردف ان 'هذا يشير الى العدالة الاجتماعية في مرحلة ما بعد الموت او يمكن القول انه المساواة في الموت '.
وتحدث اغستينو عن استخدام الذكاء الاصطناعي من قبل الفريق التنقيبي في دراسة القبور المكتشفة، مبينا ان 'ذلك ساعد الفريق باكتشاف المزيد من المعلومات وبوقت وجيز جدا '، مبينا ان 'دراسة القبر الواحد كانت تستغرق وفق الطرق التقليدية نحو عامين اما دراستها عبر الذكاء الاصطناعي فلا تستغرق سوى اقل من دقيقة واحدة وبصورة اكثر دقة تبين طبيعة الاختلاف ما بين قبر واخر '.
ومضى بالقول الى ان 'موقع مدينة اريدو سبق وان شهد عمليات تنقيب على يد عالم الاثار العراقي فؤاد سفر في اربعينيات القرن العشرين حيث تم اكتشاف 193 قبرا في الموقع المذكور وان الفريق التنقيبي الايطالي يعكف على اعادة دراستها باستخدام الذكاء الاصطناعي'.
وعن اهمية المكتشفات قال عالم الاثار الايطالي ان 'الامر المهم في اريدو هو اللحظة الاولى التي شرع فيها الانسان بتشكيل الدولة ونحن نتطلع لمعرفة كيف بدأ الانسان بالتفكير في تشكيل الدولة والنظام الاجتماعي الحاكم في تلك المرحلة '، منوهاً بأن 'المرحلة الاولى هي معرفة التحول من مجتمع الالتقاط الى مجتمع تكوين الدولة '.
وأكد اكتشاف اول مستوطنة بشرية او قرية قريبة من المقبرة، مستدركا، أن 'هذا أمر مهم فنادرا ما نجد مستوطنة تعود لعصر العبيد (4200 عام قبل الميلاد) في جنوبي العراق'، مبيناً أن 'هذه المكتشفات من شأنها ان تساعد على التعرف أكثر على طبيعة الحياة اليومية والمعتقدات القديمة التي كانت سائدة حول مصير الانسان في مرحلة ما بعد الموت'.
ويعمل الفريق التنقيبي الإيطالي الذي ينقب في موقع مدينة اريدو بتمويل من وزارة الخارجية الايطالية والجانب الالماني وجامعة سابينزا الايطالية وبمشاركة هيئة الاثار العراقية وضمن عقد امده خمسة اعوام، ومن المقرر ان يجري تجديد العقد لأعوام اخرى اذ شرع الفريق باستكمال اجراءات التوقيع على عقد عمل جديد في الموقع المذكور لخمسة اعوام اخرى.
ويقع موقع مدينة اريدو ضمن تل أبو شهرين الذي يبعد نحو (12 كم) جنوب غرب من مدينة أور الاثرية التي تبعد نحو (18 كم) عن مدينة الناصرية، وتشكل مدينة اريدو مع مدينة اور تجمع للمدن السومرية، وثمة اعتقاد سائد لدى علماء الآثار أن أريدو كانت من أوائل مدن السومريين، اذ يرجع تاريخ بنائها إلى نحو خمسة آلاف سنةٍ قبل الميلاد.
يذكر ان موقع اريدو الاثري قد تم ادرجه ضمن لائحة التراث العالمي منذ منتصف عام 2016 ، اذ وافقة منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو)، يوم الأحد (الـ17 من تموز 2016)، على ضم الأهوار والمناطق الآثارية فيها، إلى لائحة التراث العالمي بعد تصويت جميع الأعضاء بالموافقة. وبموجب قرار منظمة اليونسكو فان الأهوار والمواقع الآثارية التي أدرجت على لائحة التراث العالمي هي أور وأريدو وهو الحمار والحويزة والأهوار الوسطى في ذي قار وميسان، الوركاء في المثنى، وهور الحمار الشرقي في البصرة.
وشهدت محافظة ذي قار خلال الاعوام الاخيرة عمل اكثر من 10 بعثات تنقيبية دولية تتمثل ببعثتين إيطاليتين واحدة تعمل في موقع 'أبو طبيرة' الأثري في الناصرية والأخرى في 'تل زرغل' في قضاء الدواية وبعثة تنقيبية أميركية تعمل في مدينة أور الأثرية وبعثة فرنسية/ إيطالية مشتركة تعمل في موقع أريدو وبعثة فرنسية تعمل في موقع لارسا وبعثة بريطانية تعمل في موقع تلو في قضاء النصر وأخرى تعمل في 'تل خيبر' غرب الناصرية وبعثة أميركية تعمل في موقع هباه في قضاء الدواية وبعثة تنقيبية سلوفاكية تعمل في موقع جوخا شمال الناصرية وبعثة مسح اثري أخرى تعمل في موقع جوخا.
وأعلنت مفتشية آثار ذي قار في عام 2021 عن تسليم أكثر من 1000 قطعة أثرية الى متحف الناصرية والهيئة العامة للآثار خلال عام 2020، فيما بينت أن القطع الأثرية هي حصيلة عمل 11 بعثة تنقيبية أجنبية وما عثر عليه المواطنون وشرطة حماية الآثار خلال جولاتهم التفتيشية.
وتضم محافظة ذي قار، نحو 1200 موقع آثاري يعود معظمها إلى عصر فجر السلالات والحضارات السومرية والأكدية والبابلية والأخمينية والفرثية والساسانية والعصر الإسلامي، وتعد من أغنى المدن العراقية بالمواقع الآثارية المهمة، إذ تضم بيت النبي إبراهيم وزقورة أور التاريخية، فضلا عن المقبرة الملكية، وقصر شولكي ومعبد (دب لال ماخ) الذي يعد أقدم محكمة في التاريخ.
