اخبار العراق
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ١٣ شباط ٢٠٢٥
البرلمان يقر 'الأحوال الشخصية' و'العفو العام' و'إعادة العقارات' والمحكمة الاتحادية توقف تنفيذها ومتخصصون يرون أنها تجاوزت صلاحياتها
أثارت قوانين الأحوال الشخصية والعفو العام وإعادة العقارات كثيراً من السجالات والاعتراضات خلال جلسات مناقشتها تحت قبة البرلمان العراقي، وكان صدى هذه السجالات أكثر ضجيجاً خارج البرلمان مما جعلها بالفعل تكتسب صفة 'القوانين الجدلية'. أكثر من ذلك أن جلسة التصويت في 21 يناير (كانون الثاني) على هذه القوانين كانت جدلية أيضاً وأثارت موجة من الاعتراضات من بعض النواب الذين وصفوا الجلسة بأنها 'غير قانونية ومخالفة للضوابط'، إذ تم التصويت على ثلاثة قوانين مهمة دفعة واحدة مما يطلق عليه (قوانين السلة الواحدة) من دون التأكد من اكتمال النصاب القانوني للحضور، الأمر الذي دفع بعض أعضاء مجلس النواب إلى الطعن في دستورية الجلسة وإجراءات رئاسة مجلس النواب المتعلقة بالتصويت على القوانين دفعة واحدة من دون فواصل زمنية لكل قانون على حدة أمام المحكمة الاتحادية.
سجال المحاكم
في الثاني من فبراير (شباط) أصدر مجلس القضاء الأعلى تعليمات لتنفيذ قانون العفو العام، إذ نصت التعليمات على تشكيل لجنة مركزية من عدد من القضاة تختص بالنظر في طلبات إعادة التحقيق والمحاكمة، ويبدو أن تعليمات مجلس القضاء الأعلى لم تمض من دون عقبات، إذ صدمت بقرار المحكمة الاتحادية في الرابع من فبراير، الذي نص على إيقاف تنفيذ القوانين الثلاثة (الأحوال الشخصية، والعفو العام، وإعادة العقارات) التي أقرت في جلسة مجلس النواب العراقي، ليتحول سجال هذه القوانين بين أعلى سلطتين قضائيتين (مجلس القضاء الأعلى، والمحكمة الاتحادية)، وليتعقد المشهد أكثر فكلتا الجهتين تتمترس بالدستور.
يشير الأكاديمي والباحث القانوني أسامة الجعفري، إلى أن للمحكمة الاتحادية العليا العراقية ولاية عامة وفقاً للقانون، ويمكنها أن تصدر أوامر وقرارات وقتية قبل إقامة دعاوى النزاع، ويوصف هذا الأمر بأنه أمر ولائي، والأمر الولائي الصادر عن المحكمة الاتحادية العليا والمتضمن إيقاف القوانين الثلاثة التي شُرّعت بطريقة (السلة الواحدة) لا يعني إلغاء هذه القوانين وإنما تعطيل نفاذها لحين الفصل بدعوى عدم دستوريتها المقامة أمام هذه المحكمة، فإن تبين لها أن القوانين دستورية نفذت وبأثر رجعي من تاريخ تشريعها في البرلمان، وإذا تبين أن هذه القوانين غير دستورية حكمت ببطلانها واعتبرت غير موجودة من تاريخ صدور الحكم ما لم تنص المحكمة على بطلانها بأثر رجعي'.
أثار الأمر الولائي الذي صدر من المحكمة الاتحادية العليا جدلاً قانونياً حول صحة القرار، إذ نشر مجلس القضاء الأعلى في موقعه الرسمي تفاصيل جلسته الرابعة التي عقدت في الخامس من فبراير، والمخصصة للنظر في الأمر الولائي الصادر عن المحكمة الاتحادية متضمناً إيقاف تنفيذ القوانين الثلاثة التي تم إقرارها في جلسة مجلس النواب، وقد أوضح مجلس القضاء الأعلى أن 'موضوع نفاذ القوانين والطعن بعدم دستوريتها عولج بأحكام المادتين 93/ أولاً و129 من دستور جمهورية العراق لعام 2005، إذ يقتضي ابتداءً عند الطعن بعدم دستورية أي قانون يصدر من مجلس النواب أن يتم نشره في الجريدة الرسمية حتى يصبح القانون محلاً للطعن بعدم دستوريته'.
في هذا السياق، يوضح القانوني علي أمين، أن المحكمة الاتحادية العليا وقعت في خطأ قانوني بإصدارها الأمر الولائي الذي أوقف القوانين التي صادق عليها مجلس النواب، فللمحكمة الاتحادية العليا سلطة إيقاف القوانين ولكن بعد أن تنشر في جريدة 'الوقائع العراقية'، أي بعد اكتسابها الشكل القانوني، والقوانين الثلاثة (الأحوال الشخصية، والعفو، وإعادة العقارات) لم تنشر، بالتالي لا يجوز إيقاف تنفيذها.
ماذا بعد الإيقاف؟
يحق للمحكمة الاتحادية العليا إلغاء القوانين عندما تحكم بعدم دستوريتها في حال وجود دعوى مقامة أمامها، أما قرار إيقاف القوانين قبل الحكم بعدم دستوريتها فلم ينص عليه قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم 30 لسنة 2005 المعدل، ولا نظامها الداخلي رقم 1 لسنة 2022.
في هذا الشأن يوضح أسامة الجعفري، أن المحكمة الاتحادية العليا ولعدم وجود مادة قانونية تخص الأمر الولائي لجأت إلى المادة 151 من قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969، وهذه المادة لم تسعف المحكمة أيضاً، إذ لم تُبِح إصدار أمر ولائي يتضمن إيقاف القوانين، وليس من المنطق أن تكون القوانين مهددة بالإيقاف بأمر اعتيادي على طلب يقدمه أي مواطن، إن فكرة إيقاف القوانين بأمر ولائي غير موجودة في القانون العراقي، فالقضاء لا يملك ولاية عامة على القوانين، وإنما يعمل وفق القوانين وتحت سيادتها'.
إضافة إلى ذلك، يتابع الجعفري، أن الأوامر الولائية هي قرارات وقتية لا تتمتع بالحجية الباتة والملزمة التي هي صفة الأحكام النهائية الفاصلة في موضوع النزاع، ثم إن المادة 129 من الدستور منعت تعطيل تنفيذ القوانين ما دام لم يصدر قرار بعدم دستوريتها أو إلغائها من الجهة التي أصدرتها.
يرى الجعفري أن الخطوة المقبلة للمحكمة متوقفة على موضوع الدعوى المقامة أمامها، فـ'في حال كان موضوع الدعوى هو الطعن بعدم دستورية القوانين الثلاثة نتيجة لتشريعها بطريقة (السلة الواحدة) فإن القوانين الثلاثة سوف تبطل، أما إذا كان موضوع الدعوى الطعن بعدم دستورية قانون العفو العام فقط فإنها لن تبطل أو تعدل إلا قانون العفو وستسمح بقانوني الأحوال الشخصية وإعادة العقارات، فالمحكمة ملزمة بنطاق موضوع الدعوى وليست لها صلاحية أن تحكم بعدم دستورية قانون لم تتضمنه عريضة هذه الدعوى'.
بحسب الرأي القانوني لمجلس القضاء الأعلى فإن وجود المادة 129 من الدستور التي منعت تعطيل تنفيذ القوانين ما دام لم يصدر قرار بات بعدم دستوريتها أو إلغائها من الجهة التي أصدرتها، لا يجعل الأمر الولائي قراراً باتاً، وعليه يكون لزاماً على المحاكم المضي بتنفيذ قانون تعديل قانون العفو العام وفق نصوصه والتعليمات التي أصدرها المجلس.
لا سند قانونياً
يشير القانوني علي التميمي، إلى غياب السند القانوني الذي أصدرت بموجبه المحكمة الاتحادية العليا الأمر الولائي، فـ'ليس في قانون المحكمة رقم 30 لعام 2005 ولا في نظامها الداخلي رقم 1 لعام 2022 ما يتيح لها إصدار هذا الأمر، لذا اختارت المواد 151 و152 ولم تختر المادة 153 التي تتيح الطعن في القرارات، فالأمر الولائي ليست له قيمة قانونية، وقانون العفو نافذ وواجب التطبيق من تاريخ التصويت عليه، والمحاكم ستمضي بإجراءاته، ومجلس القضاء الأعلى يطبق القانون الصادر عن مجلس النواب، والأخير هو الجهة الوحيدة القادرة على تعديل القانون'.
يوضح التميمي أن المحكمة الاتحادية العليا بحاجة إلى تشريع قانونها الدستوري المنصوص عليه في المادة 92 من الدستور، التي أكدت على مكونات المحكمة الاتحادية التي تضم عدداً من القضاة وفقهاء القانون والشريعة، ويتم التصويت على قانون المحكمة الاتحادية العليا بغالبية ثلثي أعضاء البرلمان، ومن المهم جداً تشريع قانون المحكمة الاتحادية لكي يحدد اختصاصاتها بدقة ولا تقع في الفخ الدستوري، فالمحكمة الاتحادية العليا تعمل اليوم وفق قانونها رقم 30 لعام 2005 الصادر قبل الدستور، ومن الضروري أن يسن قانون جديد يرسم على نحو تفصيلي اختصاصها القانوني'.