تصريحات السفير البريطاني تثير حفيظة دول غربية مناصرة للحشد الشعبي

موازين نيوز - متابعة

أثارت تصريحات السفير البريطاني في بغداد عرفان صديق بشأن ضرورة حل الحشد الشعبي في العراق غضب الأطراف والقوى القريبة من الحشد والمناصرة له، والتي عدت التصريحات تدخلا سافرا في الشأن الداخلي العراقي، لكن مراقبين يرون في حديث السفير البريطاني تأكيدا على التوجه الدولي الجديد تجاه العراق والمنطقة والذي بحسب الرؤية الأمريكية يجب أن يخلو من النفوذ الإيراني وأدواته بما فيها قوات الحشد الشعبي.

ولا يحمل الموقف البريطاني الأخير من الحشد الشعبي الكثير من المفاجآت، فرفض لندن للنفوذ الإيراني وهيمنة الفصائل القريبة من طهران على المشهد العراقي لم يك بالجديد، ولكن الجديد في الموقف البريطاني وربما الغربي بشكل عام هو رفض نظام المحاصصة والتوافقية المعتمدة في العراق والتي على أساسها أسس النظام العراقي الحالي، ويبدو أن الموقف الرافض لهذا الشكل من الحكم قد يبعث برسائل عن تغييرات مقبلة في شكل وطبيعة النظام العراقي القائم.

السفير ينتقد الطائفية والمحاصصة

وانتقد السفير البريطاني في العراق، نظام المحاصصة والتوافقية الذي يحكم المشهد السياسي العراقي منذ عام 2003، مؤكّدًا أن هذا النموذج، رغم أنه كان ضروريًا في مرحلة ما بعد سقوط النظام السابق لتجنب الصراع، أصبح اليوم عائقًا أمام بناء دولة فاعلة وقادرة على تلبية تطلعات شعبها.

وأوضح صديق في مقابلة متلفزة تابعتها موازين نيوز أن 'التوافقية السياسية، القائمة على توزيع المناصب والمواقع العليا وفق الانتماءات المذهبية والقومية، أدت إلى شلل حكومي وضعف في اتخاذ القرارات المصيرية، حيث باتت الأولوية لدى بعض القوى حماية مصالحها السياسية والحزبية بدل التركيز على خدمة المواطنين'.

وأشار إلى أن 'هذا النظام أنتج حالة دائمة من المساومات، وغالبًا ما أدى إلى تعطيل مشاريع الإصلاح، وإبقاء المؤسسات رهينة للخلافات السياسية، بدل أن تكون مؤسسات مستقلة وفعّالة'.

وشدد السفير على أن 'بلاده ترى أن إصلاح هذا النهج بات أمرًا ضروريًا، وأن المرحلة المقبلة يجب أن تشهد خطوات جدية نحو تشكيل حكومات على أساس الكفاءة والبرامج، لا على أساس الانتماء الطائفي أو العرقي، مع الحفاظ على التمثيل العادل لجميع مكونات الشعب العراقي'.

وأكد صديق أن 'تجاوز نظام المحاصصة لا يعني إقصاء أي طرف، بل يهدف إلى بناء عملية سياسية أكثر شمولًا وعدالة، بحيث تُمنح الفرصة لكل عراقي مؤهل للمشاركة في إدارة الدولة، بعيدًا عن الانقسامات التي عطّلت التنمية والاستقرار لسنوات'.

لندن تدعم حل الفصائل والحشد

وفيما يخص وجود وبقاء الحشد الشعبي وفصائله المسلحة، أكد السفير البريطاني انتفاء الحاجة للحشد الشعبي.

وقال صديق: إن 'كل الفصائل المسلّحة موجودة في الحشد الشعبي، وليس من الممكن أن يكون دور الحشد نفس دوره في فترة الحرب ضد داعش'.

وأضاف: أن 'الحكومة العراقية تطالب بانسحاب قوات التحالف الدولي؛ لأن الحرب ضد داعش انتهت، وانتفت الحاجة للتحالف الدولي، ولو كانت الحرب مستمرة ضد داعش لما طُلب من التحالف الانسحاب، ونفس الشيء بالنسبة للحشد الشعبي انتفت الحاجة له كون الحرب ضد داعش انتهت'.

ردود فعل غاضبة

وفي ردود الفعل على تصريحات السفير البريطاني، دعا الأمين العام لحركة عصائب أهل الحق قيس الخزعلي، السفير عرفان صديق، إلى عدم التدخل في الشؤون العراقية الداخلية، وذلك بعد تصريحاته حول الحشد الشعبي.

وقال الخزعلي في تدوينة تابعتها موازين نيوز: إن 'العراق بلد ذو سيادة، وأجهزته الأمنية وفي مقدمتها الحشد الشعبي شأن داخلي، وعلى السفير البريطاني أن يعرف حدوده، وألا يتدخل في أمور داخلية ليست من اختصاصه'، وختم الخزعلي تدوينته بالقول: 'على وزارة الخارجية الموقرة تنبيه هذا السفير'.

فيما هدد عضو مجلس النواب فالح الخزعلي، بتقديم طلب رسمي إلى وزارة الخارجية العراقية لطرد السفير البريطاني وذلك بعد انتقاده وجود الحشد الشعبي بعد القضاء على 'داعش'.

وقال الخزعلي في منشور له على منصة 'X'، تابعته شبكة 'الساعة': إن 'وجود السفير البريطاني فتنة متجولة، بسبب سجلّه في الدول التي عمل بها سابقاً'، مشيراً إلى أن 'السفير شغل منصباً في أذربيجان بين 2015 و2018، حيث حدثت نزاعات بين إيران وأذربيجان، كما عمل سفيراً في إيران حيث شهدت تظاهرات ووجه اتهامات ضده'.

وأضاف أن 'السفير البريطاني عليه أن يلتزم بحدوده ولا يتدخل في الشأن العراقي، وإلا سنقدم طلباً رسمياً لطرده من العراق'.

ولم تصدر عن الحكومة العراقية لغاية الآن أي موقف تجاه تصريحات السفير البريطاني.

وبالتزامن مع ما أعلنه السفير، أعلن علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الإيراني رفض بلاده لنزع سلاح حزب الله اللبناني أو حل الحشد الشعبي العراقي، وهو يؤكد الصراع الغربي الإيراني في العراق عبر بوابة الحشد والفصائل المسلحة.

موقف بريطانيا منسجم مع الموقف الدولي

وفي قراءة لما ورد في حديث السفير عرفان صديق، أكد رئيس المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل أن الموقف البريطاني تجاه ما يجري في العراق جاء منسجما مع الموقف الأوروبي والغربي والمجتمع الدولي.

وقال فيصل في حديث صحفي: إن 'تصريحات وموقف لندن جاء منسجما مع الموقف الفرنسي والألماني وعموم الموقف الأوروبي والأمريكي والمجتمع الدولي تجاه المخاوف من هيمنة إيران والفصائل المسلحة الموالية لها على العراق'.

وأوضح أن 'الموقف الغربي يأتي انسجاما مع طبيعة الاختلالات في المشهد السياسي العراقي، والتي تتمثل في انتهاك الدستور ولا تنسجم مع مبدأ التداول السلمي للسلطة والمبادئ الديمقراطية، بسبب اعتماد الطائفية والمحاصصة السياسية في حكم البلاد، فضلا عن نفوذ الفصائل المسلحة عليه.

وتابع فيصل: أن 'السفير أكد بوضوح أن الظروف الطارئة والاستثنائية المتمثلة بسيطرة داعش على ثلث العراق والتي قادت إلى تشكيل الفصائل لدعم واسناد القوات العراقية قد انتهت، وباتت الحاجة فعلا إلى الحشد غير موجودة في ظل سيطرة القوات العراقية من الجيش والشرطة وباقي التشكيلات على الملف الأمني'.

وشدد فيصل على أن 'موقف السفير من المحاصصة الطائفية والتوافقية يأتي لتناقض تلك المحاصصة مع الدستور والتداول السلمي للسلطة، إذ إن الدستور لم ينص على تحديد الأغلبية الطائفية الشيعية التي تحكم، وإنما الأغلبية السياسية والتي قد تكون أغلبية سياسية أو ليبرالية أو وطنية اشتراكية أو محافظة أو قوى أخرى ليست ذات طابع ديني طائفي، لأنه كما معروف أن الأحزاب الدينية العراقية لا تمثل الجماهير السنية أو الشيعية وإنما تمثل نفسها وأيديولوجيتها التي تؤمن بها فقط'.

تغييرات مهمة في النظام السياسي

ويتفق مع ما سبق الباحث في الشأن السياسي عادل كمال، لكنه رجح أن تكون المعلومات التي أدلى بها السفير البريطاني تعكس توجها غربيا جديدا في العراق يمهد لتغييرات مهمة في شكل النظام الحالي ليس في المرحلة القريبة وإنما في المرحلة المقبلة.

وقال كمال في حديث صحفي: إن 'الموقف البريطاني من الحشد الشعبي والفصائل الموالية لإيران تأتي استكمالا للموقف الغربي الأمريكي تجاه النفوذ الإيراني'، مبينا أن 'حسم هذا الأمر وإضعاف النفوذ الإيراني وتقليم أظافر أتباعها في العراق بات أمرا غير قابل للنقاش والجدل'.

وأشار إلى أن 'التصريحات كشفت عن توجه غربي لتغيير شكل النظام وإنهاء الاعتماد على الطائفية والمحاصصة والتوافقية، وهو النظام الذي فرضته واشنطن في العراق منذ العام 2003 وبات عرفا سياسيا معتمدا رغم أن الدستور العراقي لم ينص عليه'.

ولفت كمال إلى أن 'الرؤية الغربية تمهد لتحقيق تغييرات في شكل النظام السياسي خلال المرحلة المقبلة التي تلي مرحلة إضعاف النفوذ الإيراني في العراق'، لكنه نوه إلى أن 'التغيير لن يكون شبيها بالطريقة السورية ولكنه سيكون بتغيير الأدوات الفاعلة في النظام العراقي وأبرزها التوافقية في الحكم والمحاصصة الطائفية ودعم فرص تعزيز النظام الديمقراطي البعيد عن التوجهات الطائفية'.