اخبار العراق
موقع كل يوم -المسلة
نشر بتاريخ: ٩ تموز ٢٠٢٥
9 يوليو، 2025
بغداد/المسلة: تمضي أزمة المياه في العراق لتتجاوز كونها مسألة بيئية عابرة، وتتحول إلى تحدٍّ سيادي متعدد الأوجه، تُستثمر فيه الطبيعة كسلاح ضغط ضمن توازنات معقدة في الإقليم.
والعراق، الذي يعتمد بنحو 90% على مياه دجلة والفرات، يجد نفسه الآن في موقع الطرف الأضعف ضمن معادلة المياه، بعد أن أحكمت تركيا سيطرتها على منابع النهرين عبر سلسلة من السدود، أبرزها 'إليسو' الذي حوّل تدفق دجلة إلى نقطة تفاوض لا إلى مجرى طبيعي.
وتتكشف أبعاد الأزمة حين يُقرأ الملف من زاوية الأمن المائي المتداخل مع الأمن الغذائي، إذ يوشك جنوب العراق والفرات الأوسط على فقدان أهميتهما الزراعية، بعد تراجع مساحات السقي وازدياد نسب الملوحة في التربة. فالمعادلة لم تعد تتعلق بمياه الشرب أو محطات الري فقط، بل بخرائط الزراعة، وسلوكيات الهجرة، وحتى الاستقرار الاجتماعي.
وحذر عضو مجلس النواب العراقي حيدر محمد حبيب، من تفاقم أزمة المياه في العراق، مشيراً إلى أن البلاد تواجه “أسوأ حالة على الإطلاق” في ما يتعلق بمنسوب المياه في نهري دجلة والفرات.
وتتفاقم التحديات حين يُضاف إلى الضغوط الإقليمية فشل داخلي في الإدارة الرشيدة للموارد، في ظل استمرار أنظمة ري تقليدية، وغياب الرؤية الاستراتيجية لإدارة الأزمة، وهو ما أكده أكثر من خبير في شؤون البيئة. فالعراق اليوم لا يواجه 'الندرة' بقدر ما يواجه 'سوء التدبير'، ما يجعل من كل متر مكعب مهدور صفعة جديدة في وجه التنمية.
ويبدو أن الملف تجاوز الطابع الفني، ليدخل عمق الحسابات الجيوسياسية، حيث تُوظَّف المياه كسلاح ناعم على طاولة النزاعات، وحيث تغيب الدبلوماسية الفاعلة، أو تبقى صوتاً باهتاً في مواجهة خطاب السدود القاسي. فبينما تنطلق دول المنبع بمنطق 'السيادة على الموارد'، يتعثر العراق في تثبيت مبدأ 'المنفعة المشتركة'، رغم ما تتيحه اتفاقيات القانون الدولي من أدوات ضغط وتفاوض.
ويقول حيدر الساعدي، الخبير في شؤون البيئة والمياه، إن 'أزمة العراق المائية ليست فقط بسبب دول المنبع، بل هناك سوء إدارة داخلية للمياه، وغياب استراتيجية واضحة لإدارة الموارد، واعتماد مفرط على الري التقليدي'.
ويحذر الساعدي من أن 'الزراعة في مناطق واسعة من الجنوب والفرات الأوسط أصبحت على وشك الانهيار الكامل'
ولا يقف تهديد الشح عند حدود الحقول الجافة أو الأنهار المنحسرة، بل يمتد ليصوغ تحولات ديمغرافية، ويصنع واقعاً جديداً من النزوح البيئي، خاصة في جنوب البلاد، حيث تحولت الأرض إلى شرنقة من التصحر، والهوية الزراعية إلى ذكرى مهددة بالانقراض.
وتبدو أزمة المياه في العراق كاشفة لا لخلل بيئي فقط، بل لانكشاف سياسي عميق، حيث الدولة تُحاصر بين سياسات خارجية لا تعبأ وداخلية لا تجيد المناورة، بينما يستحيل الماء، العنصر الأقدس في الرافدين، إلى مادة ابتزاز في لعبة جافة لا تعرف الإنصاف.
About Post Author
moh moh
See author's posts