اخبار العراق
موقع كل يوم -المسلة
نشر بتاريخ: ١٩ تموز ٢٠٢٥
19 يوليو، 2025
بغداد/المسلة: في زمن لم يعد فيه للضوابط المهنية من سلطة رادعة، توغل 'إعلاميو الصدفة' في المشهد العراقي، فأصبحنا نشهد وجوهًا مجهولة، وأسماء لا خبرة لها، تقتحم بلاط صاحبة الجلالة بلا تأهيل أو دراية، مستفيدة من طفرة وسائل التواصل الاجتماعي التي فتحت بوابات واسعة بلا حارس ولا دليل.
وتُطلق عبارة 'إعلامي الصدفة' على أولئك الذين وجدوا أنفسهم فجأة في مراكز التأثير والظهور، لا لأنهم يمتلكون الخبرة أو الفهم، بل لأن الخوارزميات الرقمية منحتهم مساحة للانتشار.
ويسأل الكاتب والاعلامي بهاء زهير احمد القيسي: هنا يُطرح سؤال جوهري: هل تحوّل الإعلام العراقي إلى “خان جغان”.. أي مهنة من لا مهنة له؟
وهل يحق لكل من درس الإعلام أو غطّى نشاطًا ما، أن يضع أمام اسمه لقب “إعلامي” أو “صحفي”؟ وهل يُعدّ ذلك منطقيًا من وجهة نظر مهنية وأكاديمية؟
وهم ليسوا نتاجًا طبيعيًا لتدرج مهني أو مسار أكاديمي، بل وليدو فراغ مؤسساتي وتشظٍ ثقافي أعقب ما بعد 2003، حين تحطمت الكثير من المعايير السابقة، وارتبك المشهد الإعلامي بين الحرية والفوضى.
وغابت في هذا المناخ البوصلة المهنية، فانحسرت المواد ذات القيمة الفكرية، وتراجعت الأصوات التي تحث على الحلول والوعي، لصالح محتوى بصري وسمعي، غالبًا ما يكون مبتذلًا أو مثيرًا للجدل بشكل مرضي.
وظهر جيل من الممارسين يتحدث عن نفسه أكثر مما ينقل عن الناس، حتى صار 'الإعلام' في بعض نماذجه إعلانًا للذات، لا وسيلة لبناء وعي عام.
وغالبًا ما يبدأ هؤلاء الإعلاميون الصدفيون مشوارهم بغطاء خفيف: تغطية نشاط، مقابلة عابرة، أو برنامج على قناة مغمورة.
ثم ما تلبث الألقاب أن تُسكب عليهم: 'الإعلامي'، 'الخبير'، 'الناشط'، وكأنها شارات استحقاق لا تحتاج إلا إلى حساب متابع على فيسبوك أو إنستغرام.
وكتب أحد الإعلاميين العراقيين في تدوينة ساخرة على منصة 'إكس': 'تنام بلا مهنة.. تصحو إعلامي'، بينما علق آخر قائلًا: 'ما عاد الإعلام يُدرَّس، إنه يُتداول!'.
وهو توصيف يعكس هشاشة الواقع الإعلامي حين تُغيب الخبرة وتُقصى المعايير، ويصبح المعيار الوحيد هو 'عدد المشاهدات'.
لكن الإعلام ـ في جوهره ـ ليس مهنة من لا مهنة له. إنه رسالة تتطلب وعيًا ومسؤولية، وارتباطًا عميقًا بالمعرفة وتحليل الوقائع، لا تسويقًا لآراء سطحية أو تعليقات لحظية. والإعلامي الحقيقي هو من يرى ما لا يراه الآخرون، ويمنح للناس فهمًا لما يجري، لا تسلية آنية أو إثارة بلا مضمون.
ورغم أن طفرة الإعلام الرقمي فتحت الباب أمام الجميع للتعبير والمشاركة، إلا أن غياب الفرز والتدريب والضبط المهني، أفرز مشهدًا غائمًا، تختلط فيه النيات، وتتراجع فيه القيم المهنية لصالح 'المؤثرين الإعلاميين'، الذين يملكون من التأثير ما يفتقرون إليه من التأهيل.
About Post Author
Admin
See author's posts