اخبار العراق
موقع كل يوم -وكالة الانباء العراقية
نشر بتاريخ: ٤ حزيران ٢٠٢٥
مكة المكرمة –واع - زياد طارق
في قلب العاصمة المقدسة، وعلى مقربة لا تتجاوز 550 مترًا من المسجد الحرام، تشهد مكة المكرمة أحد أضخم مشاريع التطوير الحضري الشامل في تاريخها الحديث، هو مشروع 'مسار'، الذي وُضع ليكون نموذجاً متكاملاً لمزج الحداثة بالبُعد الديني، والتنمية بالتراث، والسكن بالخدمة، والتنقل بالروحانية. ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
يهدف المشروع إلى تحسين جودة الحياة لسكّان مكة من جهة، وتقديم تجربة روحانية وتنظيمية فائقة لحجاج بيت الله الحرام والمعتمرين من جهة أخرى. وتأتي رؤيته ضمن إطار رؤية السعودية 2030، حيث يُعد المشروع أحد أعمدة برامج تطوير البنى التحتية الدينية والسياحية.
الموقع والمساحة والتصميم العام
يقع مشروع 'مسار' في الجزء الغربي من مكة المكرمة، ويبعد فقط 550 مترًا عن الحرم المكي الشريف، وهو ما يجعله أقرب منطقة تطوير شاملة بهذه الضخامة إلى قلب العالم الإسلامي.
تمتد مساحة المشروع الإجمالية على مليون ومئتين وخمسين ألف (1,250,000) متر مربع. منها:
690,000 متر مربع عبارة عن قطع أراضٍ استثمارية متنوّعة الأنشطة.
560,000 متر مربع مخصصة لممرات المشاة، الطرق، الخدمات العامة، المساجد، والساحات.
ويمتد المشروع بطول 3 كيلومترات و650 متراً، وبعرض يتراوح ما بين 44 متراً للطريق الجنوبي، و44 متراً للطريق الشمالي، بالإضافة إلى ممر مشاة مركزي بعرض 60 متراً، بما يعكس رؤية تخطيطية مرورية وإنسانية فريدة، توازن بين المركبات والمشاة، وتوفر تنقلاً آمناً وسلساً لجموع الزائرين والسكان.
وظائف المشروع وأنشطته
يتضمن المشروع 205 قطع تطويرية، موزعة على وظائف فندقية وتجارية وصحية وتعليمية وسكنية وخدمية، ما يجعله مشروعاً متكاملاً يعيد تعريف النمط العمراني في مكة.
ويضم المشروع مرافق محورية منها:
مسجد الملك عبد الله: ثاني أكبر مسجد في مكة بعد المسجد الحرام، بطاقة استيعابية تصل إلى 14 ألف مصلٍّ، ويشكّل ركيزة روحانية محورية وسط منطقة المسار.
11 محطة للنقل بالحافلات، على طول امتداد المشروع، تخدم آلاف الزوار والحجاج والمتنقلين.
مخطط مستقبلي لدمج مترو مكة ضمن شبكة النقل الخاصة بالمشروع، مما يعزز من التكامل بين وسائط النقل المختلفة ويقلل الضغط المروري.
الطاقة الاستيعابية والبُعد السكاني
تم تصميم مشروع 'مسار' ليستوعب 158 ألف نسمة، ضمن تركيبة سكانية مدروسة: 63% من الطاقة الاستيعابية مخصصة لحجاج ومعتمري بيت الله الحرام، 31% مخصصة للسكان الدائمين، مع توفير خيارات سكنية تتناسب مع مختلف الفئات الاقتصادية والاجتماعية.
يُخطط أن يكون المشروع نقطة جذب عالمية ليس فقط بفضل قربه من الحرم، بل لما يقدمه من تجربة حضرية مريحة، مزودة بأحدث تقنيات البنية التحتية الذكية.
البنية التحتية وشبكة الطرق
يتميز المشروع بشبكة نقل متطورة، تتضمن:
طريقين رئيسيين: أحدهما جنوبي والآخر شمالي، كل منهما بعرض 44 متراً، يخدمان الاتجاهين.
ممر مشاة مركزي بعرض 60 متراً، يمتد على كامل طول المشروع، ليتيح للحجاج والمعتمرين والزوار سهولة في الحركة مشياً إلى المسجد الحرام.
تخطيط مروري ذكي يدمج بين المركبات والمشاة والنقل العام، مع بنية تحتية مرنة لاستيعاب التطوير المستقبلي.
التكلفة والجدول الزمني
تُقدَّر الكلفة الإجمالية للمشروع بـ110 مليار ريال سعودي، تُغطي مراحل التصميم، الاستملاك، البنية التحتية، التطوير العقاري، والخدمات الذكية.
بدأ العمل في المشروع رسميًا عام 2017، ومن المقرر أن تُستكمل أعمال التطوير فيه بحلول عام 2038، ضمن مراحل تنفيذية متدرجة تشمل الاستملاك والتعويض، فالتخطيط العمراني، ثم التنفيذ التشغيلي.
التعويضات والبعد الاجتماعي
يشكّل البعد الإنساني أحد محاور المشروع، حيث تم نزع ملكية 3727 عقاراً مملوكاً لمواطنين في مناطق التطوير، وقد تم تعويض جميع المتضررين بالكامل وفق أنظمة عادلة وتقديرات تقييمية دقيقة، راعت العدالة الاجتماعية وحقوق السكان الأصليين.
الحفاظ على تراث مكة
رغم طابع المشروع العصري، إلا أن الحفاظ على الطابع التراثي لمكة كان من أولويات التصميم والتنفيذ، حيث تم مراعاة عناصر الهوية المعمارية الإسلامية، والاهتمام بتوثيق المعالم التاريخية، واستيعاب الجغرافيا الاجتماعية والدينية للمكان.
يمثّل مشروع 'مسار' أكثر من مجرد مشروع تطوير عقاري؛ إنه إعادة رسم شاملة لمفهوم المدينة المقدسة، وخلق نسيج عمراني وإنساني متكامل، يجمع بين الراحة الروحية، والوظائف الحضرية، والنمو المستدام. ومن المنتظر أن يكون المشروع مع اكتماله، أحد أبرز معالم مكة في القرن الواحد والعشرين، ونقطة التقاء بين التاريخ والمستقبل.