هل بات انسحاب القوات الأميركية من العراق وشيكا؟

رسالة واشنطن إلى بغداد تثير التساؤلات وتربك المشهد السياسي والأمني

يبدو أن المحادثات الأميركية - العراقية لخروج القوات الأميركية من العراق باتت وشيكة، في ظل رغبة أميركية ببدء محادثات جدية مع الحكومة العراقية في سبيل الخوض في تفاصيل إخراج قواتها من العراق.

ونقلت وكالة 'رويترز' عن مصادر عدة أن الولايات المتحدة أبدت استعدادها لبدء المحادثات في رسالة سلمتها سفيرتها لدى العراق آلينا رومانوسكي إلى وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، الأربعاء الماضي. وبحسب 'رويترز' فإن الولايات المتحدة أسقطت بهذه الخطوة شروطاً مسبقة، أهمها أن توقف فصائل عراقية مسلحة مدعومة من إيران الهجمات عليها أولاً.

وذكرت الخارجية العراقية أنها تسلمت رسالة مهمة، وأن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني سيدرسها بعناية، من دون الخوض في تفاصيل. ومن المتوقع أن تستغرق المحادثات أشهراً، إن لم يكن أكثر، غير أن نتيجتها ليست واضحة كما أن انسحاب القوات الأميركية ليس وشيكاً.

وتأتي هذه الخطوة في وقت تواجه فيه القواعد الأميركية سلسلة هجمات صاروخية وبالمسيرات على قواعدها في العراق من قبل الفصائل المسلحة الموالية لإيران، ووسط مطالبات من قوى 'الإطار التنسيقي' الشيعي بإخراج الجنود الأميركيين من العراق، وفي ظل رغبة من حكومة السوداني بإنهاء هذا الوجود.

ويبدو أن التفاوض الذي سيجري ما بين بغداد وواشنطن سيركز حول تبعات إخراج القوات الأميركية من العراق في ظل معطيات تشير إلى نشاط التنظيمات الإرهابية في كل من العراق وسوريا، فضلاً عن المشكلات الاقتصادية التي ستلقي بظلالها على العراق.

وتنشر الولايات المتحدة 2500 عسكري في العراق لتقديم المشورة والمساعدة للقوات العراقية لمنع عودة تنظيم 'داعش' مجدداً بعدما سيطر على مساحات واسعة من العراق وسوريا في عام 2014 قبل الإعلان عن هزيمته في عام 2017. ويوجد أيضاً في العراق مئات العسكريين من دول أخرى معظمها أوروبية، في إطار التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة والذي تأسس لمكافحة 'داعش'.

مفاوضات تنظيم العلاقة

ويستبعد متابعون للشأن السياسي أن تقدم واشنطن على سحب سريع لقواتها من العراق، لا سيما أن المفاوضات قد تأخذ وقتاً طويلاً.

وبين مدير مركز العراق للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل أن 'ما ستجريه الولايات المتحدة هو مفاوضات لتنظيم العلاقة ولن تبحث انسحابها من العراق'. وأضاف أن 'الدعوة الآن لعقد اجتماعات مشتركة للجنة العليا للتنسيق بين البلدين ولدراسة فرص وإمكانية إقامة علاقة مختلفة بين العراق والتحالف الدولي للحرب على الإرهاب الذي يضم أكثر من 82 دولة شاركت في هزيمة (داعش) في عام 2017'. وأضاف أن 'ما يجري هو التحول من تحالف دولي للحرب على الإرهاب إلى علاقات ثنائية للدول الأعضاء في هذا التحالف الدولي في المجالات العسكرية، والتسليح، والتدريب، والدعم اللوجيستي، والاستخباراتي، وتطوير القدرات الدفاعية للقوات المسلحة العراقية، خصوصاً القوة الجوية، سواء الدفاع الجوي الصاروخي، أو القوة الجوية للمقاتلات، وما يرتبط بها، إضافة إلى الرصد، سواء عبر الأقمار الاصطناعية أو غيرها من القدرات التي يمكن أن تضاف إلى قدرات القوات المسلحة العراقية لكي تسهم بنجاح الأمن الوطني'.

وأكد فيصل أن 'ما يتم بحثه ليس مسألة خروج القوات الأميركية بقدر ما هو ترتيب للعلاقة بين العراق ودول التحالف الدولي بصورة ثنائية كل حسب اختصاصاته، فضلاً عن فرص مجالات التعاون في المجالات التكنولوجية والعلمية والاقتصادية والصناعية وغيرها'، لافتاً إلى أن 'هذا الأمر يشكل موضوعاً من ضمن المحادثات بين العراق وقوات التحالف الدولي، مع بقاء اتفاق الإطار للتحالف بين العراق والولايات المتحدة الموقعة في عام 2008 وصادق عليها البرلمان العراقي بقانون وضعه، وتستمر هذه الاتفاق المهمة للشراكة بتنسيق وتعميق لعلاقة بين واشنطن وبغداد على مختلف الصعد وبإمكان الولايات المتحدة أن تقدم دعماً جدياً في هذا المجال'.

لا انسحاب سريعاً

من جهة أخرى، أكد المتخصص في مجال العلوم السياسية بالجامعة المستنصرية عصام الفيلي أن 'أي انسحاب أميركي لن يكون سريعاً'، محذراً من 'نشاط التنظيمات الإرهابية بعد انسحاب القوات الأميركية من العراق وسوريا'. وأضاف أن 'بيان الخارجية الأميركية يؤكد انتقال مهمة التحالف الدولي إلى شق آخر، وهذا لا يعني انسحاب المستشارين، لا سيما أن الحكومة العراقية أكدت أن ذلك يشكل بداية لمرحلة جديدة بين العراق والولايات المتحدة'.

وأكد الفيلي أن 'أي انسحاب لن يكون سريعاً وسيعقبه دراسة في طبيعة الانسحاب وهل سيتم التخلي عن المستشارين الموجودين والمسؤولين عن صيانة طائرات (أف 16) ودبابات (أبرامز)'. ولفت إلى أنه 'بعد انسحاب الولايات المتحدة في عام 2011 سادت حالة من القلق حيال ظهور تنظيمات إرهابية ممثلة بداعش. وقبل 48 ساعة، أعلنت الولايات المتحدة عزمها الانسحاب من سوريا، مما أدى إلى تحفيز التنظيمات الإرهابية هناك'. ونقلت مجلة 'فورين بوليسي' الأميركية الأربعاء الماضي عن مصادر في البيت الأبيض ووزارتي الدفاع والخارجية، أن 'واشنطن لم تعد مهتمة بالبقاء في سوريا'. وأضافت المجلة أن 'واشنطن ترى أن وجودها في سوريا لم يعد ضرورياً'، مؤكدة أن 'مناقشات مكثفة تدور حالياً لبحث توقيت وكيفية سحب القوات الأميركية من شمال سوريا'.

نشاط التنظيمات الإرهابية

ولفت الفيلي إلى أن 'انشغال روسيا في حرب أوكرانيا وانسحاب الولايات المتحدة من سوريا سيضع التنظيمات الإرهابية على أهبة الاستعداد لتتحرك بقوة مما يخلق وضعاً أمنياً هشاً في سوريا، من ثم قد ينعكس على العراق، ولذلك كل تلك الأمور ستكون على طاولة المحادثات الأميركية - العراقية'. وتابع أنه 'في حال اختارت الحكومة العراقية الاستمرار بطبيعة العلاقة القائمة مع الولايات المتحدة كدولة حليفة، سيدفع ذلك نحو مزيد من الاحتقان الداخلي بفعل وجود الفصائل المسلحة. أما الانسحاب الأميركي خلال أشهر فيمثل ضرباً من الخيال'. وتساءل الفيلي 'من يملأ مكان الولايات المتحدة بعد خروجها من العراق؟ هل الجيش العراقي أم جهاز مكافحة الإرهاب أم قوات الحشد الشعبي غير المقبولة في المناطق السنية والكردية؟'.

حسم الأمور أولاً

وخلص الفيلي إلى القول إن 'الإدارة الأميركية لن تغادر قبل حسم أمور عدة منها شكل النظام السياسي بالعراق وملف الفساد وموضوع التنظيمات الإرهابية وما تشكله من تهديدات، إضافة إلى تهديدات دول الجوار للعراق، وهذه جميعها ستبحث في المفاوضات التي ستعقدها الولايات المتحدة مع العراق'.

الانسحاب مستحيل

من جهته وصف الكاتب الصحافي علي بيدر انسحاب الولايات المتحدة في هذه الفترة بـ'المستحيل'، مشيراً إلى أنه 'لا يمكن تطبيق فكرة الانسحاب وفق رؤية الجماعات المسلحة في هذا التوقيت، وإلا سيعتبر ذلك هزيمة للوجود الأميركي بالمنطقة وليس بالعراق فقط وانتصار للجماعات المسلحة، فضلاً على أن الموقف الأمني بصورة عامة يحتاج إلى الوجود الأميركي'.

وشدد بيدر على 'ضرورة أن يترك الملف للقائد العام للقوات المسلحة والأجهزة الأمنية ليحدد موعد الوجود ونوع العلاقة'، لافتاً إلى أنه 'إذا استخدمنا مبدأ القوة ضد الوجود الأميركي قد يجابه برد فعل كما حدث في إشراك المقاتلات الأميركية بالقصف الأخير، وقد يتكرر هذا الأمر بشكل أقوى إذا ما استخدمت تلك الجماعات المسلحة أسلوب الضغط، ومن الممكن أن يربك ذلك المشهد الأمني'. وذكر بأن 'انسحاب عام 2011 اتفق عليه عام 2008، والانسحاب الأميركي إذا ما أريد يجب أن تسبقه مفاوضات تستمر سنوات'، مشيراً إلى أن 'الانسحاب الأميركي ممكن أن يربك المشهد الأمني ويحدث فوضى، لذلك علينا أن نترك هذا الأمر إلى حين هدوء المنطقة'. وأكد بيدر أن 'الولايات المتحدة تنظر إلى وجودها بالعراق على أنه وجود استراتيجي، ولذلك يستحيل أن تنسحب في هذه الفترة'.