اخبار العراق
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٧ تشرين الأول ٢٠٢٥
شعارات لا يثق بها المواطن والأحزاب الكبيرة تهيمن على الأجواء في غياب المعايير الموحدة
أعطت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق الضوء الأخضر أمس الأول لانطلاق الحملة الدعائية لـ7768 مرشحاً، منهم 2248 سيدة و5520 رجلاً، والتي سيسدل الستار عنها صباح يوم السبت الثامن من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل تمهيداً للتصويت في الانتخابات البرلمانية في الـ11 من الشهر نفسه.
شعارات ووعود متنوعة بين توفير الخدمات وتحقيق العدالة وإعادة السيادة ومحاربة الفقر تضمنتها لافتات الأحزاب والتحالفات والمستقلين للظفر بمقاعد البرلمان والفوز في السباق الانتخابي. وظهرت مظاهر دعائية لبعض التحالفات قبل الموعد الرسمي من انطلاق الحملة، مما يعد انتهاكاً على نظام الحملات الانتخابية.
قبل الإعلان عن بدء الدعاية الانتخابية أمس شهدت شوارع بغداد حملة دعائية مبكرة بدأها بعض التحالفات والأحزاب، إذ ازدحمت ميادين العاصمة وجدران أبنيتها بصور ولافتات بأحجام كبيرة. في هذا السياق يوضح رئيس الفريق الإعلامي في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات عماد جميل أن المفوضية رصدت الدعاية المبكرة لبعض التحالفات.
وقال جميل في حديثه إلى 'اندبندنت عربية' إن عدد المخالفين الذين بدأوا دعايتهم قبل الموعد الرسمي لانطلاق الدعاية الانتخابية بلغ 10 تحالفات وأحزاب و100 مرشح وحددت الغرامات المالية للمخالفين ما بين مليوني دينار عراقي (1526 دولاراً) و10 ملايين دينار (7630 دولاراً)، ومن يستمر بالدعاية يتضاعف مبلغ الغرامة.
وأشار إلى أن المفوضية ليس لديها ضوابط لحجم اللافتات الخاصة بالدعاية الانتخابية ولا تتدخل في صياغة العبارات التي ترفق مع اسم المرشح ورقمه، لكنها تحذر من استخدام عبارات تثير الطائفية والنعرات القومية، كما تمنع استخدم شعار الدولة وشعارات المفوضية والرموز الدينية والأشخاص الذين لم يشاركوا في العملية الانتخابية.
إلى ذلك طالب الأكاديمي والباحث في علم النفس الاجتماعي والسياسي الدكتور حيدر الجوراني، المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، بوضع معايير محددة للمنشور الدعائي على مستوى حجم اللافتات الدعائية، إذ غابت هذه التفصيلة عن قانون الأحزاب ومن ثم المفوضية.وت ابع، 'كان ينبغي أن يضم قانون الأحزاب فقرة تلزم كل حزب بمعايير الترويج في المواسم الانتخابية'، موضحاً أن تحديد حجم اللافتات يخلق عدالة في المنافسة، فالأحزاب الصغيرة والكبيرة والناشئة تكون بمعايير واحدة ولن تهيمن الأحزاب الكبيرة على الجو الدعائي ولن تتشوه البيئة بواجهات إعلانية غير متناسقة، كما يهدف تحديد حجم اللافتات وعددها إلى الحد من استثمار المال العام والسياسي بما يضبط إيقاع المنافسة.
رئيس الفريق الإعلامي في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات عماد جميل أكد أن المفوضية ستستمر بعملية المتابعة والرصد للدعاية الانتخابية من خلال 1079 فريقاً فرعياً جرى تشكيلهم لتغطية الرقة الانتخابية ورفع تقارير عن الخروق التي ترافق الدعاية الانتخابية، ثم إن اللجان وعددها 19 لجنة الموجودة في مكتب كل محافظة ستقع عليها مهمة رفع تقاريرها إلى اللجنة المركزية في المكتب الوطني، وسينظر قسم الشكاوى والقانونية واللجان الفنية في الخروق ليجري بعدها تقديمها كتوصيات لمجلس المفوضية لاتخاذ القرارات اللازمة.
ووفق جميل يجري التنسيق بين المفوضية وأمانة بغداد لتحديد الأماكن التي توجد فيها إعلانات الدعاية الانتخابية، أما المحافظات فيجري التنسيق مع دوائر البلدية. وكان وزير البيئة العراقي هه لو مصطفى العسكري دعا في تصريحات للصحافة المحلية المرشحين للانتخابات إلى الالتزام بالتعليمات البيئية وعدم تثبيت الصور والملصقات الدعائية على الأشجار والمساحات الخضراء والأرصفة والممتلكات التراثية وعدم حجب الإشارات المرورية أو لوحات الخدمات العامة وعدم استخدام المواد الملوثة أو الضارة بالبيئة مثل الألوان النفطية أو اللواصق الكيماوية القاسية، مع اعتماد مواد قابلة للإزالة لا تخلف آثاراً سلبية والالتزام حصراً بالأماكن النظامية التي تحددها الدوائر البلدية بعد الحصول على الموافقات الأصولية.
ورأى نائب رئيس مجلس مفوضية الانتخابات السابق سعد الراوي أن ضبط الدعاية الانتخابية والمخالفات يحتاج إلى قانون انتخابي مفصل وأحزاب ومرشحين لديهم إلمام واسع بكل القوانين والتعليمات مع عدم وجود أي حزب أو مرشح فوق القانون.
وقال، 'المنظومة الانتخابية تحتاج مراجعة شاملة بكل القوانين الصادرة عن مجلس النواب والأنظمة والتعليمات المكملة فقانون الانتخابات مقتضب غير مفصل. فعلى رغم دمج قانوني انتخابات مجالس المحافظات والنواب لم يصل إلى 30 صفحة فقط'.
الراوي ذكر أن ما موجود حالياً من دعاية انتخابية يحمل في طياته مخالفات لأن البعض قد بدأ بالإعلان قبل الموعد الرسمي لانطلاق الدعاية الانتخابية، وهناك لافتات وإعلانات وضعت على الأبنية الحكومية وهناك صور في أماكن خارج ما حددتها المفوضية مع أمانة بغداد.
ترافق اللافتات الانتخابية عبارات انتقتها الأحزاب كبرامج ووعود تحاول من خلالها جذب جمهور الناخبين للتصويت لصالحهم مثل 'عراق قوي' و'نحن أمة' وأخرى ترفع شعارات تخص التنمية والعدالة. ولم تقتصر هذه العبارات على التحالفات والأحزاب، بل شملت أيضاً المستقلين.
في هذا السياق قال السياسي ليث شبر إن المواطن العراقي جرب الأحزاب ذاتها ووعودها المتكررة، وأدركوا أن الشعارات لا علاقة لها ببرامج سياسية حقيقية، بل إن معظم الدعاية قائمة على الإثارة البصرية، لا على تقديم خطط واقعية للخدمات أو الاقتصاد أو التعليم، لذلك، فلم تعد اللافتات وسيلة إقناع، بل أصبحت علامة على الفراغ وحتى سبباً إضافياً في ابتعاد الناخب عن هذه الأحزاب.
وأوضح أن العبارات التي تضعها الأحزاب تكشف عن عجزها عن تقديم برامج حقيقية، فهي تحاول أن تغطي الفشل بشعارات عامة فضفاضة، مضيفاً 'يريدون أن يوحوا بالقوة والوطنية والانتماء، لكن المواطن يقرأها بالعكس'.
وأكمل شبر حديثه 'من يقول نحن دولة هو من قوض الدولة، ومن يرفع عراق قوي هو من أضعفه. ما يريده الناس ليس شعاراً، بل برنامج سياسي واضح يحدد كيف تبنى المؤسسات، كيف تدار الثروات، وكيف تستعاد السيادة. غياب هذه البرامج هو الخلل الجوهري في الدعاية الانتخابية الراهنة'.
غالباً ما يشوب العملية الانتخابية محاولات من قبل مرشحين لتقديم وعود للناخبين بتوفير وظائف أو تقديم أموال لهم لضمان الحصول على أكبر عدد من الأصوات مما دفع المفوضية إلى إصدار عدة تعديلات على نظام الحملات الانتخابية لضمان عدم استغلال النفوذ الوظيفي، إذ أشارت إلى أن منح كتب الشكر والتقدير ومنح قطع الأراضي السكنية وإصدار أوامر تعيينات تندرج بمجملها تحت فقرة الاستغلال الوظيفي.
وهنا اعتبر محمود الدباغ مسؤول العلاقات في حراك البيت العراقي أن العملية الانتخابية تبقى مشوهة ما دامت تستند إلى قواعد فرضتها قوى السلطة تشترط امتلاك المال السياسي ونفوذ الدولة لتحشيد الناخبين، وهو ما يقوض إمكان إنتاج أساليب دعائية جديدة أكثر نضجاً وتأثيراً وقادرة على أن تحسن من شكل الحياة السياسية في البلاد.
وفي السياق نفسه ذكر السياسي المستقل ليث شبر أن غياب القانون المنظم لحجم وعدد اللافتات جعل المال السياسي يسيطر على المشهد. ويطرح تساؤلاً 'من أين تأتي هذه الأموال المليارية التي تصرف بسخاء على الدعاية؟ الأرقام المخيفة التي تتداول حول إنفاق الأحزاب الحاكمة خصوصاً تكشف عن أن المال العام قد اختلط بالسياسة، وهو ما يبعد المنافسة عن العدالة ويقصى المستقلون الذين لا يملكون سوى إمكانات بسيطة'.
الدباغ أعاد التذكير بأنه على مدى الأعوام الماضية ولم تنضج الدعاية الانتخابية لتستند إلى البرامج الواقعية أو الأساليب المباشرة التي تخلو من الرتابة والشعارات الفارغة، بل ظلت تعتمد على الخطاب الطائفي والهوية المناطقية باعتبارهما آخر أدوات التأثير العاطفي 'لم تقدم الأحزاب العراقية في دعايتها الانتخابية على أي ابتكار حقيقي، بل تراجعت نحو الأسوأ، إذ لجأت إلى الأساليب التقليدية التي باتت مرفوضة من الشارع ومكررة بطريقة مستهلكة أفرغتها من تأثيرها، بل تحولت إلى نتائج عكسية كما يتجلى في تمزيق الدعايات في الشوارع'.
الشعارات الباهتة من جهة وعدم الثقة بين صانع القرار والمجتمع من جهة أخرى دفعت باتجاه ما سماه الدباغ بـ'العقاب الانتخابي' الذي تمارسه الجماهير ضد الجهات المتنافسة، ثم إن انقطاع الصلة بين الشباب والحياة السياسية، سواء على مستوى المرشحين أو الناخبين، أسهم في حصر العملية الانتخابية ضمن شريحة محدودة.
استطلعت 'اندبندنت عربية' آراء شرائح من المجتمع العراقي حول تأثير الدعاية الانتخابية وما يرافقها من جمل وشعارات أجمع من استطلعت آراءهم بأن الدعاية الانتخابية الحالية لا تزال تدور في أفق ضيق بعيداً من المواطنة.
وهنا قال المحلل المهتم بالشأن السياسي العراقي سيف الدين المهنا إن الشعارات التي ترفعها بعض الأحزاب هي ليست اعتباطاً، بل مدروسة 'ففي مجتمع ديني قبلي وفي ظل صراع انتخابي قائم على المكونات وتوزيع المناصب على أساس المحاصصة لا على أساس الكفاءة تكون شعارات مثل عراق قوي ونحن أمة جذابة لعدد كبير من الناخبين الذين يرون أن هذه الأحزاب تمثل هوياتهم ووجودهم، بل حتى إثارة الخطاب الطائفي من قبل جهات سياسية قبيل الانتخابات هو يمضي باتجاه كسب أكبر عدد من أصوات الناخبين'.
أما سلسبيل الحديثي التي تعمل في سلك التعليم فترى أن الشعارات التي ترفعها الأحزاب غير مقنعة، مضيفة 'أكاد أجزم أنه لا أحد يقرؤها بسبب عدم قناعة العراقيين بالانتخابات، ولا يزال الجمهور يصوت حسب المذهب وقومية الناخب'. في حين وصف الطبيب والروائي زيد بريفكاني الدعاية الانتخابية الحالية بأنها الأسوأ والأكثر استقطاباً وسطحية وهناك رسائل سلبية قد تدفع المجتمع للانفجار على بعض أو ضد الأحزاب.
وأكد رئيس المجموعة المستقلة للبحوث منقذ داغر أن الدعاية الانتخابية كوسيلة اتصال يصفها بـ'الفاشلة'، فالمرسل وهي الأحزاب السياسية فقدت صدقيتها عند الجمهور منذ مدة طويلة والانتخابات كأداة اتصال لم تعد مقنعة للمواطن العراقي، أما مستلم الرسالة وهو المواطن العراقي فقد ثقته بالعملية السياسية بمجملها، وعليه فالدعاية الانتخابية الحالية 'هي عملية فاشلة وتقليدية وتعطي مؤشراً أن النواب الذين يصلون لقبة البرلمان لن يحققوا التغيير كونهم غير قادرين على ابتكار أفكار جديدة تجعل الناس تصدق شعاراتهم'.