اخبار الجزائر
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٢٧ تشرين الأول ٢٠٢٥
أقمار اصطناعية ترصد تحركاته وتحدد بؤر تكاثره قبل تحوله إلى أسراب مدمرة
بات الجراد الصحراوي إحدى أهم المشكلات التي تعانيها الجزائر نظراً إلى الأخطار التي يتسبب فيها، لا سيما في ما تعلق بإتلاف المحاصيل الزراعية، وعلى رغم السياسات والإجراءات المتخذة فإن الظاهرة تواصل تهديد الأمن الغذائي للبلاد، مما دفع إلى البحث عن طريقة يمكنها المساهمة في مواجهة الخطر، ولعل التكنولوجيا الفضائية حققت الغرض بعد تجربة لاقت ترحيباً أممياً.
وتعتبر الجزائر الجراد الصحراوي عدواً تستوجب محاربته بكل قوة لأن تأثيره في الإنتاج الزراعي خطر، بخاصة في ظل رهان البلاد على تحقيق الاكتفاء الذاتي فلاحياً، ومنه تقليص فاتورة الاستيراد، وتزداد المخاوف من هذا الغول المتحرك، بعد الاستثمارات الضخمة التي أقدمت عليها الحكومة في الجنوب والتي سمحت بتوسيع الرقعة الزراعية.
وفي حين قال الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إن المساحة الصالحة للزراعة في الصحراء تقارب 3 ملايين هكتار (الهكتار يساوي 10 آلاف متر مربع)، تشير الأرقام إلى أن مساحة الأراضي المؤهلة للاستصلاح واستقطاب المشاريع الاستثمارية في الجنوب الجزائري تبلغ 1.5 مليون هكتار، وأن القطاع الزراعي يسهم بنسبة 18 في المئة في الناتج المحلي بقيمة تفوق 35 مليار دولار.
ويتمثل خطر الجراد الصحراوي في كثرته وتكاثره وحجم غذائه، إذ يحوي كيلومتر مربع واحد نحو 80 مليوناً من الجراد البالغ، الذي بإمكانه التهام ما يقارب 100 طن من النباتات الخضراء يومياً، كما يستطيع في يوم واحد استهلاك كمية من الطعام تساوي ما يستهلكه 35 ألف شخص.
ويتميز هذا الكائن بتغيير سلوكه وشكله عند تحوله من الطور الانفرادي إلى التجمعي الشرس، إذ يصبح أكثر شراهة وتدميراً للمحاصيل، لدرجة أن بإمكانه القضاء على مساحات زراعية شاسعة في ساعات قليلة.
وتتفاوت أحجام أسرابه من أقل من كيلومتر مربع إلى مئات الكيلومترات المربعة، وهي تحلق بسرعة بين 16 و19 كيلومتراً في الساعة، وتقطع مسافات تفوق 130 كيلومتراً يومياً، بل سجلت في بعض الحالات هجرات تجاوزت 5 آلاف كيلومتر، مثلما حدث عام 1988 حين عبرت أسراب من غرب أفريقيا إلى منطقة الكاريبي.
أخذت الجزائر أخطار الجراد الصحراوي وتهديداته على محمل الجد بسبب وجودها في منطقة استقبال مفضلة لهذه الحشرة سواء عبوراً أو إقامة، إذ عانت، في الأعوام الماضية، من هجماته التي خلفت خسائر معتبرة، مما أثرت، بصورة كبيرة، في المحاصيل الزراعية، ومن ثم الحاجة إلى وضع سياسات ناجعة واتخاذ إجراءات مراقبة واستجابة سريعة وفعالة، وإن عرفت حملات مواجهته السابقة بعض النجاحات إلا أن تكريم منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة 'فاو'، 'الوكالة الفضائية الجزائرية، اعتراف بإسهاماتها البارزة في مجال مكافحة الجراد الصحراوي' على المستويين المحلي والإقليمي، ويكشف عن تحول لافت في التعامل مع هذه الظاهرة. وجاءت الإشادة الأممية تتويجاً للدور الفعال الذي لعبته 'الوكالة الفضائية الجزائرية' في رصد وتحديد بؤر تكاثر الجراد الصحراوي باستخدام صور الأقمار الاصطناعية، لا سيما عبر الأنظمة الفضائية الوطنية 'ألسات-1' و'ألسات-2أ' و'ألسات-2ب'، وهي أقمار اصطناعية جزائرية.
وتم تطوير منصة مدمجة تجمع بين البيانات الميدانية والتحليل الفضائي، لتوفير نظام دعم ميداني تستفيد منه مصالح حماية النباتات، مما يمثل مكسباً استراتيجياً يضمن السيادة في مجال عصرنة حملات المراقبة والمعالجة، وتعدى النجاح إلى دعم دول الساحل التي تعتبر بيئة خصبة لهذه الحشرة، وذلك في إطار اتفاق تعاون تم توقيعه مع هيئة مكافحة الجراد الصحراوي التابعة لمنظمة 'فاو' في فبراير (شباط) عام 2025.
وأفادت 'فاو'، في بيان، بأن جهود الجزائر في توظيف الأقمار الاصطناعية لتتبع تحركات الجراد ورصد مناطق تكاثره قبل تحوله إلى أسراب مدمرة، نموذج يحتذى في دمج العلوم الفضائية بالأمن الغذائي، وأشارت إلى أن 'الوكالة الفضائية الجزائرية' طورت نظاماً يجمع بين البيانات الميدانية والصور الفضائية بصورة تتيح إنشاء خرائط دقيقة لتوقع تحركات الجراد، وتوجيه فرق التدخل في الوقت المناسب.
وكانت 'الوكالة الفضائية الجزائرية' وهيئة مكافحة الجراد الصحراوي قد وقعتا في فبراير الماضي، اتفاقية تعاون تهدف إلى تعزيز قدرات الهيئة في مجال الرصد والاستكشاف والوقاية ضد آفة الجراد الصحراوي، بحضور ممثلي هيئات الأمم المتحدة في الجزائر. وأوضح بيان لوزارة الفلاحة الجزائرية أن هذه الشراكة تهدف إلى تحديث أدوات الرصد والإنذار المبكر للجراد الصحراوي، من خلال دمج صور الأقمار الاصطناعية لـ'الوكالة الفضائية الجزائرية' والبيانات الأخرى المتوافرة لتمكين الهيئة ودول الأعضاء فيها من الحصول على معلومات دقيقة ومحدثة عن الظروف البيئية التي تساعد على تكاثر مجموعات الجراد، ومن ثم القيام بمراقبة مناطق تكاثر هذه الحشرة العابرة للحدود، مبرزاً أنه إضافة إلى مرافقة الهيئة في عمليات الرصد والاستكشاف، تقوم الوكالة الجزائرية بتدريب المتخصصين على استخدام المعلومات المتحصل عليها عبر تقنيات الأقمار الاصطناعية.
في السياق اعتبر أستاذ العلوم الفلاحية عبدالرحيم كعواني أن الأقمار الاصطناعية تشكل عاملاً مهماً لإحداث التغيير في مكافحة الجراد الصحراوي، مضيفاً أن منظمة الأغذية والزراعة تستعين بقمرين اصطناعيين لتحديد هطول الأمطار والغطاء النباتي الذي قد يجذب الجراد للتكاثر، على اعتبار أن هطول الأمطار عنصر حاسم في تكاثر هذه الحشرة، ومن ثم فإن اعتماد الجزائر على التكنولوجيا الفضائية لمواجهة هذه الظاهرة يمكن تصنيفه في خانة التطور الذي من شأنه تحقيق نجاحات، وقال إن بث بيانات الأقمار الاصطناعية الجزائرية بصورة آنية لمصلحة المهنيين والجهات المعنية سواء عبر الهواتف المحمولة والحواسب اللوحية أو غيرها من الأجهزة، يعتبر خطوة استباقية تسمح بوضع الخطط اللازمة والناجعة للتصدي لأسراب الجراد الصحراوي.
وتابع كعواني أن الخدمات التي تقدمها التكنولوجيا الفضائية تسهم في تقليص نطاق غزو الجراد الصحراوي بصورة كبيرة، 'مما يجنب البلاد خسائر في المحاصيل الزراعية لا سيما الحبوب التي تحتل حيزاً كبيراً من المساحات الفلاحية في الجنوب'، مشيراً إلى أن تنامي المشاريع الزراعية الكبرى في الجزائر، يستدعي تنسيقاً أكبر بين وحدات التدخل، سواء عبر رش المبيدات بالطائرات أو من خلال دور الجيش في تنفيذ عمليات استباقية، وختم أن من الضروري توظيف التكنولوجيا الحديثة، مثل الأقمار الاصطناعية والذكاء الاصطناعي، في رصد تحركات أسراب الجراد الصحراوي وتحليل البيانات للتدخل السريع والفعال قبل تفاقم الوضع.




















