اخبار الجزائر
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٢٠ أيلول ٢٠٢٥
نقص الفنادق وقلة اليد العاملة المؤهلة من أسباب تأخر القطاع رغم اعتباره رقماً مهماً في الاقتصاد
تمتلك الجزائر مقومات طبيعية وجغرافية استثنائية تجعلها مؤهلة لتكون وجهة سياحية رائدة، وغالباً ما يطرح قطاع السياحة كرافد استراتيجي وحيد للخلاص من قبضة الاقتصاد الريعي، وبناء نموذج اقتصادي جديد قائم على التنوع والإنتاجية، بما في ذلك شريط ساحلي يتجاوز 1200 كيلومتر، وصحراء شاسعة، وتنوع بيئي وثقافي فريد. غير أن هذه الإمكانات تبقى بعيدة من الاستغلال الأمثل، حيث لا يزال السفر داخل الوطن يمثل تحدياً أمام العائلات الجزائرية بسبب غياب البنى التحتية الملائمة وكلفة الخدمات السياحية.
ويبدو أن الطريق نحو هذه 'النهضة الاقتصادية' لا تزال وعرة ومليئة بالتحديات الهيكلية التي تكشف عنها الأرقام والمعطيات الرسمية، فبينما تعلو الخطابات حول جعل القطاع 'محركاً للبنية التحتية'، تكشف معطيات رسمية عن فجوات تنموية عميقة، تهدد بتقويض هذه الاستراتيجية بأكملها، وتبرز في الواجهة أسئلة تتعلق بمدى قدرة مخططات وزارة السياحة الحالية على معالجة هذه الاختلالات ووضع أسس لتطوير سياحة داخلية مستدامة قادرة على الاستجابة لتطلعات المواطنين.
وكشف رد مكتوب من وزارة السياحة والصناعات التقليدية في 9 سبتمبر (أيلول) الجاري، على سؤال كتابي لرابح جدو النائب بالمجلس الشعبي الوطني، أن أكثر من 87 في المئة من المشاريع السياحية تتكدس خارج المناطق المخصصة أصلاً للتوسع، فيما يهيمن الطابع الحضري على القطاع الفندقي بنسبة 67 في المئة، مهملاً كنوز السواحل والجبال والصحراء.
واعترفت الوزارة بوجود نقص بالنسبة لمراكز المعالجة بالمياه المعدنية وهذا بالنظر إلى الشريط الساحلي الذي يفوق طوله 2100 كلم، الأمر الذي يهدر إمكانات علاجية هائلة بامتداد هذا الشريط.
وذكرت وزارة السياحة أن قلة اليد العاملة المؤهلة تؤثر في الاستثمار في قطاع الفندقة، ما يستوجب دعم فرص التكوين بالنسبة للمستوى العالي والتكوين المهني.
وتشير الأرقام الرسمية لوزارة السياحة إلى أن عدد السياح الذين زاروا الجزائر خلال عام 2024 بلغ أكثر من 3.5 مليون سائح بنمو قدره 7.77 في المئة مقارنة بعام 2023، منهم أكثر من 2.4 مليون سائح أجنبي وأكثر من مليون جزائري مقيم بالخارج.
وبحسب الأرقام، تم تعزيز الحظيرة الفندقية بـ47 مؤسسة جديدة أضافت 4687 سريراً، ليصبح العدد الإجمالي للمؤسسات الفندقية إلى 1423 مؤسسة بطاقة استيعابية إجمالية تقدر بـ139963 سريراً، كما شهد نشاط وكالات السياحة والأسفار توسعاً ملحوظاً، حيث تم اعتماد 571 وكالة جديدة، ليرتفع العدد الإجمالي إلى 5570 وكالة على المستوى الوطني، أما المؤسسات الحموية فقد استقطبت أكثر من ثلاثة ملايين زائر.
ويضم قطاع السياحة في الجزائر 249 منطقة توسع سياحي مصنفة، تمتد على مساحة إجمالية تقدر بـ57.8 مليون هكتار، مما يعكس الإمكانات الكبيرة المتوافرة لتوسيع المشاريع السياحية واستقطاب الاستثمارات في مختلف جهات البلاد، حيث تم اعتماد 70 مشروعاً سياحياً جديداً، خلال عام 2024 ليرتفع عدد المشاريع المعتمدة إلى 2143 مشروعاً يتوقع أن توفر 255850 سريراً و101742 فرصة عمل.
يقول الإعلامي الجزائري صالح عزوز، إن سبب تمركز الفنادق ومؤسسات الاستقبال داخل المدن الكبرى، يرجع إلى رغبة أصحاب هذه الهياكل السياحية في استغلال الحركية التي توفرها المدن، بالنظر إلى أن أغلب الوزارات والهيئات الرسمية الكبيرة والشركات، توجد في المدن.
وأوضح عزوز في حديث لـ'اندبندنت عربية' أن الأمر يسهم في تسهيل استغلال هذه المؤسسات الفندقية خلال فترات تنظيم المؤتمرات المحلية والدولية وتوفير إقامة للضيوف والمشاركين في هذه الفعاليات.
وقال إن 'نقص الفنادق في المناطق السياحية التي من شأنها جلب السياح يرجع إلى عدم اعتبار السياحة كرقم مهم في الاقتصاد، إذ يمكن أن يكون حلقة صلبة في جلب العملة الصعبة ونشر الثقافة، وهذا ما يجب أن يعرفه القائمون على قطاع السياحة في الجزائر، بخاصة أن البلاد اليوم أصبحت قبلة للسياح من خلال الفعاليات الثقافية المختلفة من مهرجانات وندوات وغيرها'.
وتابع 'الجزائر تزخر بمعالم تاريخية وأثرية قيمة تغري السياح. أعتقد أنه كلما كانت الفنادق قريبة من الفعل الثقافي أو المعلم التاريخي أو الحضاري، كلما كانت السياحة تسير بشكل صحيح عبر تسهيل إجراءات إقامة السياح، وجلب عدد أكبر منهم'.
وأشار عزوز إلى أهمية الموروث الثقافي، حيث يمكن انطلاقاً من هذه المهرجانات والمواعيد الثقافية المهمة التي تحتضنها الجزائر أن تتبادل الخبرات مع كل الضيوف وكذا التعريف بهذا الرصيد الثقافي بالطريقة الصحيحة، مضيفاً 'نحن نرى عديداً من ضيوف الجزائر يرتدون الزي التقليدي وهي رسالة ضمنية منهم على إعجابهم بهذا التراث، ومحاولة التعرف إليه عن قرب خلال هذه المواعيد، التي تصبح منافسة للتبادل الثقافي والتعريف به وإيصاله خارج الحدود عن طريق سفراء هذه البلدان من فنانين ومطربين وممثلين وغيرهم، وهذا هو الهدف الأسمى لكل موعد ثقافي جزائري'.
من جهته، يرى أستاذ الاقتصاد بجامعة مستغانم، بوشيخي بوحوص، أن كل دول العالم تستثمر وتضع خططاً لاستقطاب السياح سواء المواطنين المقيمين أو السياح الأجانب لزيادة الإنتاج المحلي الإجمالي وخلق الوظائف وتخفيف البطالة من خلال تشغيل مئات الآلاف في هذا الميدان، بل هناك دول تنشئ جامعات ومعاهد التكوين في تخصص الفنادق والمطاعم والاستقبال.
وأوضح بوحوص لـ'اندبندنت عربية' أن قطاع السياحة يعد صناعة من دون مداخن أي قطاع لا يضر بالبيئة ويجلب عملة صعبة هائلة ويخلق ملايين فرص العمل، بل يسهم في الإنتاج المحلي الإجمالي، متسائلاً 'هل يمكن بلوغ على الأقل ثلاثة مليارات دولار سنوياً من القطاع السياحي من ضمن استراتيجية الدولة لبلوغ 18 مليار دولار خارج قطاع المحروقات؟'.
واعتبر الأرقام المحققة في قطاع السياحة في الجزائر بمثابة قفزة نوعية في هياكل الاستقبال والمرافق السياحية، إلا أن القطاع ما زال بحاجة إلى دعم واستثمار أكثر، مشيراً إلى أن منحى تنويع النشاط الاقتصادي خارج المحروقات يشكل نقطة تحول جيدة، حيث ارتقت الصادرات إلى سبعة مليارات خارج المحروقات بعد أن كانت لا تتجاوز ملياراً ونصف المليار، كذلك توجد قناعة لدى الحكومة والرئيس تبون في أن يلعب قطاع السياحة دوره، بخاصة أنه لم يكن يقدم كثيراً للاقتصاد الجزائري، مضيفاً أن هناك توجهاً لتشجيع المستثمرين المحليين بخاصة عقب صدور قانون الاستثمار 15/22 الذي أعطى امتيازات استثنائية لم تعرفها الجزائر في مجال الاستثمار منذ صدور أول قانون للاستثمار 1963.
وذكر المتحدث أن قانون الاستثمار الجديد، منح تحفيزات جبائية وضريبية تصل إلى الإعفاء، وفتح باب الاستثمار في قطاع السياحة على مصراعيه، كذلك فإن وزارة السياحة في حد ذاتها تدخل على الخط لمرافقة كل مستثمر مع البنوك لتسهيل عملية الحصول على التمويل.
واستدرك بأن 'المشكل الحقيقي في قطاع السياحة كان يتمثل في الحصول على التمويل لأن البنوك تمنح قروضاً قصيرة ومتوسطة الأجل، كون فترة الإنجاز بالنسبة لمشاريع قطاع السياحة تحتاج إلى سبع سنوات على الأقل، وفترة استرداد أموال القروض تتراوح بين 10 إلى 15 سنة، كذلك فإن البنوك لا تمنح قروضاً لأكثر من 20 سنة في كل هذا المجال، وهذا أحد الأسباب التي عطلت انطلاق العجلة بصورة سريعة بالنسبة للمستثمرين'.
وأضاف أن 'الوزارة لحل هذا المشكل عن طريق لجان وزارية تعكف على دراسة وتنشيط الاقتصاد السياحي وعدم إبقائه حكراً على الدولة فقط، وأصبحت هذه الأخيرة تقدم البنى التحتية والمساعدات والتسهيلات اللازمة للمستثمرين ومرافقتهم في مشاريعهم'.
وأبرز بوحوص الدور الذي تلعبه الأطراف الأخرى للنهوض بهذا القطاع، على غرار الوكالات السياحية ودواوين السياحة ووزارة السياحة، وقال إن الأخيرة يجب أن تعمل على الترويج والتسويق السياحي، لأن الجزائر مغيبة عن المشهد السياحي لدى السياح الأجانب، ولا بد من تعزيز الوجود في المعارض الدولية للسياحة المعروفة، وتفعيل القنصليات والسفارات الدبلوماسية في مختلف المناطق للتعريف بمقومات الجزائر السياحية.
وأشار إلى وجود مشاريع لإنجاز 25 قرية سياحية بالمدن الساحلية حيث يبلغ الشريط الساحلي 2156 كيلومتراً مما يسمح باستقبال 1000 قرية سياحية، ومن بينها أول قرية بولاية سكيكدة، تم تدشينها في يونيو (حزيران) 2024 بقدرة استيعاب 1600 سرير وهي عبارة عن استثمار سعودي- جزائري، إضافة إلى قرى في الغرب الجزائري منها مركب 'زينا بيش' في مستغانم و'قرية النمل' في عين تيموشنت ومركبات سياحية في وهران.
وأفاد بأن وزارة السياحة، حددت أخيراً 400 مقصد سياحي منها مقاصد سياحية نادرة لا توجد في العالم، فقط تحتاج إلى تثمين وإلى برنامج ترويجي وبناء استراتيجية بإدماج الجامعات ومراكز البحث العلمي في بنائها ومتابعتها، مشيراً إلى أهمية الترويج للسياحة الدينية والمزارات الروحانية الموجودة في بسكرة كمقام عقبة بن نافع الصحابي الشهير وكذلك مقام النبي يوشع في تلمسان ومغارات عين فزة العالمية والعاصمة الأثرية العالمية في الهقار وغيرها كثير.