اخبار الجزائر
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٢٠ أيلول ٢٠٢٥
يتجاوز مداها 4 آلاف كيلومتر وتحمل 8 أطنان من الذخائر وتحوي منظومة إلكترونية متطورة
تواصل الجزائر تحديث ترسانتها العسكرية بغية مسايرة التطورات الحاصلة على مستوى جيوش دول العالم، وعلى رغم أن الإعلان عن الصفقة لم يتم بعد إلا أن تقارير دولية أوضحت اقتراب موعد استلام طائرات 'سو- 34' الأسرع من الصوت، فهل تتجه الجزائر نحو السيطرة على سماء البحر الأبيض المتوسط؟
وأعاد موقع 'ناشيونال إنترست' الأميركي، فتح ملف اقتناء الجزائر مقاتلات 'سو-34' الروسية، بعد إشارته إلى أن إنتاج المقاتلات المخصصة للجزائر جارٍ بالفعل، وأن العملية تحرز تقدماً، إذ شوهدت الطائرة وهي مطلية بتمويه مميز، في مطار جوكوفسكي قرب موسكو.
ويبدو أن الحرب الروسية في أوكرانيا وما تبعها من تعقيدات منعت من وضع حد لهذه الحرب، أسهمت في تأخير تنفيذ الصفقة التي أبرزت جهات إعلامية في ديسمبر (كانون الأول) 2019، أن الجزائر وقّعت عدة اتفاقيات مع الجانب الروسي، تتضمن شراء 42 طائرة مقاتلة، من بينها 14 مقاتلة طراز 'سو-34'، و14 من نوع 'سو-57'، و14 'سو-35'، موضحة أن عمليات التسليم تكتمل بحلول 2025.
وسبق أن نشرت مجلة 'ميليتري ووتش' الأميركية، لقطات تظهر دفعة صغيرة من مقاتلات 'سو-34' قيد الإعداد بهدف التصدير، وقالت إن هذه الدفعة من الطائرات يرشح بأنها مخصصة للجزائر لتحل محل مقاتلات 'سو-24'، مضيفة أن حلف شمال الأطلسي يطلق عليها اسم 'فولباك'، وهي معروفة بلقبها الشهير 'فرخ البط'، وقد جرى تصميمها خلال الحرب الباردة، ولم تظهر رسمياً منذ انهيار الاتحاد السوفياتي إلا في عام 2014 مع القوات الجوية الروسية.
ومن المتوقع أن تجعل هذه الصفقة الجزائر أول زبون لمقاتلات 'سو-34 '، ما يعزز مكانتها كقوة جوية هي الأقوى في أفريقيا، إذ يشير محللون إلى أن سعر المقاتلة الذي يقل عن 10 ملايين دولار أميركي للقطعة الواحدة، يجعلها خياراً فعالاً ومناسب التكلفة لتحسين القدرات الجوية للبلاد.
وفي السياق، يرى الباحث في الشؤون الأمنية والعلاقات الدولية أحمد ميزاب، في تصريح لـ'اندبندنت عربية'، أن الطائرة 'سو- 34' التي يصفها الخبراء بـ'وحش السماء'، ليست مجرد مقاتلة اعتراضية أو دفاعية، بل قاذفة متعددة المهام قادرة على تنفيذ ضربات دقيقة وبعيدة المدى، بما يمنح سلاح الجو الجزائري بعداً استراتيجياً جديداً.
وقال ميزاب إن امتلاك 'سو-34' يعني انتقال الجزائر من مرحلة الدفاع وحماية الأجواء إلى امتلاك قدرة هجومية استراتيجية، بفضل المميزات التي تزخر بها هذه المقاتلة، مثل تجاوز المدى العملياتي نحو 4 آلاف كيلومتر، والقدرة على حمل ثمانية أطنان من الذخائر الموجهة بدقة، ومنظومة إلكترونية متطورة تسمح بالعمل في بيئات حرب إلكترونية معقدة، وكذلك إمكانية تنفيذ ضربات دقيقة ضد أهداف برية وبحرية في عمق مسارح العمليات، مشيراً إلى أنه بهذا المزيج، تصبح الجزائر قادرة على الجمع بين التفوق الدفاعي بفضل 'سو-30'، ومنظومات 'أس-300' و'أس-400'، وبين القدرة الهجومية بعيدة المدى التي توفرها 'سو-34'.
أما بالنسبة للبعدين الإقليمي والدولي فإن التحرك الجزائري لا ينفصل عن سياقهما، حيث أوضح ميزاب أنه في جنوب المتوسط، المنافس التقليدي هو المغرب الذي يعتمد على مقاتلات أميركية من طراز 'أف-16' التي يجري تحديثها تدريجياً، ومع إدخال 'سو-34' يرتفع الفارق النوعي لمصلحة الجزائر، مضيفاً أنه في شمال المتوسط، تمتلك دول مثل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا أساطيل متقدمة، لكن الجزائر تسعى لامتلاك 'قدرة ردع متوازن' تمنع أي تفكير في الضغط أو التهديد، وأما دولياً، تؤكد هذه الصفقة استمرار الشراكة العسكرية الاستراتيجية بين الجزائر وروسيا، في وقت تتزايد محاولات الغرب لاستمالة الجزائر عسكرياً واقتصادياً.
وبالنسبة لدوافع الجزائر يمكن تلخيصها في ثلاثة مستويات، وفق الباحث في الشؤون الأمنية، إذ يتمثل الأول في حماية المجال الحيوي، على اعتبار أن الجزائر تواجه تهديدات غير تقليدية آتية من منطقة الساحل، وتحتاج لمنظومة هجومية تمكنها من ضرب أهداف بعيدة من دون المخاطرة بانتشار قوات على الأرض، وأما المستوى الثاني فيتعلق بالردع الإقليمي، فيما يرتبط الثالث بالرسالة الاستراتيجية التي تعكس رغبة الجزائر في أن تُرى كقوة إقليمية كبرى تتحكم في معادلات الأمن في المتوسط وأفريقيا.
وأكد المتحدث أنه من الناحية التقنية، فإن امتلاك الجزائر لمزيج من 'سو-30' و'سو-34' ومنظومات الدفاع الجوي بعيدة المدى، يجعلها واحدة من القوى الجوية في أفريقيا والبحر المتوسط، لكن السيطرة على كامل المتوسط مسعى يتجاوز قدرات أي دولة جنوبية منفردة، نظراً لوجود حلف 'الناتو' الذي يحتفظ بتفوق عددي وتكنولوجي هائل.
وشدد ميزاب على أن الجزائر لا تسعى للسيطرة على المتوسط بأكمله، بل لضمان تفوق ردعي في مجالها الحيوي القريب، مع قدرة على توجيه ضربات استراتيجية إذا تعرضت مصالحها أو سيادتها للتهديد، وختم قائلاً إن اقتناء مقاتلات 'سو-34' لا يمثل مجرد تحديث تقني، بل تحول استراتيجي في العقيدة العسكرية الجوية، وهي خطوة تعزز موقع الجزائر كقوة جوية إقليمية كبرى، وتعيد رسم ميزان القوى في حوض المتوسط.
وتعتبر 'سو-34' نسخة مطورة من الطائرة الهجومية ذات المقعدين، والتي صممت أصلاً لتنفيذ ضربات دقيقة في العمق وعمليات تعطيل ميداني، إضافة إلى مهام الهجوم البحري. وفي نسختها التصديرية، من المتوقع أن تحتفظ بأهم قدرات المنصة الأصلية، بما في ذلك رادار تتبع التضاريس، والرادارات الجانبية، ونظام استهداف متعدد الأنماط قادر على الاشتباك مع أهداف برية وبحرية، لا سيما أنها قادرة على حمل مجموعة واسعة من الأسلحة الروسية 'جو- أرض' و'جو- جو'.
وتعد المقاتلة واحدة من أبرز القاذفات الحديثة في الترسانة الجوية الروسية، وهي ثنائية المحرك والطاقم، وتمزج بين قدرات مقاتلة التفوق الجوي 'سو-27'، وكفاءة طائرة الدعم القريب 'سو-25'، مع الحفاظ على مزايا القاذفة 'سو-24'، ويعرف شكلها بأنف فريد يشبه أنف حيوان 'خلد الماء'، ووزن أخف من المقاتلة الشهيرة 'سو-27 فلانكر' بنسبة 50 في المئة.
إلى ذلك، نشرت مجلة 'مليتاري ووتش' الأميركية في عددها الصادر في الـ 10 من سبتمبر (أيلول) الجاري، مقالاً تناول القدرات الدفاعية الجزائرية، معتبرة أن الجزائر تمثل الدولة العربية الوحيدة التي لا تستطيع إسرائيل والغرب قصفها، وذلك بفضل استراتيجيتها الفريدة في بناء منظومتها الدفاعية الجوية واعتمادها على مصادر تسليح غير غربية، وأبرزت أن الجزائر استثمرت بشكل مكثف منذ بداية العقد الثاني من الألفية في أنظمة دفاع جوي متطورة، بعد التدخل الغربي في ليبيا وما أعقبه من فوضى.
وتابعت المجلة أن الجزائر بفضل اعتمادها على تسليح روسي وصيني متطور ومعايير تدريب عالية، استطاعت أن تفرض سيادتها الكاملة على أجوائها وتجعلها عصية على أي اعتداء خارجي، موضحة أن الجزائر تبقى الاستثناء الوحيد في العالم العربي الذي استطاع أن يبني قدرات دفاعية مستقلة وفعالة، تؤمن مجالها الجوي وتحول دون استهدافه من قبل إسرائيل أو الغرب.